الرئيسية » ثقافة وفن » الأدب صورة الواقع لا شيء آخر من كتب التاريخ … موسوعات التاريخ القائمة على أساطير السرديات لما مضى ليصبح عقيدة وحياة

الأدب صورة الواقع لا شيء آخر من كتب التاريخ … موسوعات التاريخ القائمة على أساطير السرديات لما مضى ليصبح عقيدة وحياة

إسماعيل مروة

 

الماضي بوقائعه مهما كانت غريبة ومتنوعة، عظيمة أم سافلة، يصل إلينا عبر وسائط عديدة، ولذلك حفلت المكتبات في العالم بكتب التاريخ، هذه الكتب التي تحاول أن تسرد وتنقل، وربما تعطي حكماً أو تنحاز لمصلحة أمر على حساب آخر، وغالباً ما يكون الميل لمصلحة السلطان في كل زمان ومكان، فالمؤرخ في النهاية موظف، يقوم بخدمة سلطان وزمن يحيا فيه وتحت خيراته، وهذا ما يعني بالضرورة، ولا مجال لرد الكلام بأن هذا المؤرخ الذي نجلّه اليوم ونقتفي أثره لم يكن أكثر من تابع لسلطان ينحاز إليه بأشكال عديدة.

 

فهل تفي كتب التاريخ بنقل الحقائق؟ وهل تمثل وعاء حقيقياً لما يجري؟

 

كتب التاريخ والخلق

 

حتى لا يكون الحكم ظالماً، فإن الحديث عن كتب التاريخ لا يقتصر على كتب التاريخ التي جاد بها المؤرخون العرب، بل من كتب التاريخ عامة، وبأي لغة كانت، وعن أي فكر صدرت، فالحديث التاريخي عندما يبدأ من المراحل الأولى لبدء الخلق كما يشيرون، ولمراحل تمتد لآلاف السنوات، لابد أن يخضع للنقل من المصادر السابقة، والتي نقلت بدورها عن ألواح ونقوش وما شابه ذلك، وعن الأساطير والخرافات التي لا تملك دليلاً، وفي الوقت نفسه لا يملك الواحد دليلاً على صدقيتها أو عدم الصدقية، ولكنها بالنقل والتواتر تحولت إلى مسلمات يؤمن بها وبصحتها الكثيرون، بما في ذلك العلماء الذين يأخذونها كما هي، وكم من قارئ وقف عند قصة الحضارة لديورانت وما تم نقله، وكأنه لا مجال لنقاشه، وأكتفي بمناقشة بعض كتب التاريخ العربية لأنها متاحة، ولأنها تمثل النموذج الذي يمكن دراسته.

 

المؤرخون العرب والمصادر

 

لابد من تحديد الفرق بين الكتابة التاريخية والكتابة الأدبية، فالكتابة الأدبية هي كتابة حياة، وكتابة مشاهدات ومعايشة، وقلّما تجنح الكتابة الأدبية عن تسجيل الحياة المعيشة، وإن فعلت فهي للترميز والاستلهام والإسقاط وغير ذلك، أما هي في الأعم الأغلب فترتكز إلى النقل، وهنا نجد أن النصوص الأدبية من اليونان وإلى اليوم تتصف بالديمومة والقراءة الجديدة في كل مرة.

 

أما الكتابة التاريخية فهي التي تتسم بالجمع والالتقاط من المصادر والمراجع، فكل واحد ينهل من سابقه، وقد يشير إلى ذلك أو لا يشير، ولا يبتعد المؤرخ عن الأمر، وإن كان غير مقتنع بها، ودليل ذلك ما جاء على لسان ابن كثير في مقدمته للبداية والنهاية:

 

«ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله بما لا يخالف كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو القسم الذي لا يصدق ولا يكذب» البداية والنهاية 1/6

 

فهل كان أمراً لازماً أن يأتي على هذه الأحداث والأشياء، ليصرّح بشكل واضح إلى أنه ربما يعتمد الإسرائيليات، القراءة التوراتية، وإن وضع شرطاً لذكرها، وهذا الشرط غير متاح غالباً، ومثالنا في ذلك حديثه عن قصة الذبح والخلاف حوله:

 

وفي قصة الذبح والاختلاف حول إذا ما كان إسحاق كما يرى اليهود، أو إسماعيل كما جاء في القرآن يذكر ابن كثير:

 

«وقال عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه هو إسماعيل، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن الذبيح فقال: الصحيح أنه إسماعيل عليه السلام..» البداية والنهاية 1/134

 

قصة الذبيح هي قصة خلافية في كتب التوراة، ففي الإسرائيليات تنسب قصة الذبيح للنبي إسحق، وفي الإسلام تنسب للنبي إسماعيل، وفي تفاصيل الكتب التاريخية، يرى التوراتيون أن إسحق فيه النبوة، وهو الذبيح أما إسماعيل فليس كذلك، وكل التفاسير المعتمدة على القراءة التوراتية تدع النبوة في إسحاق وبنيه، ولإسماعيل أمة جاءت من بعده، ونلاحظ أن كتب التاريخ العربية تخضع الأمر للنقاش، كما ورد فيما ذكره ابن كثير!

 

مؤرخون خارقون

 

في الوقت الذي نجد المؤرخ يقع نهباً بين علماء «الجرح والتعديل»، ويُرَدّ عليه في كتبه نعثر على نصوص تضعهم في إطار الكرامات الخارقة التي تحولهم إلى أناس ملهمين صالحين يلهمون الآخرين، وفي مقدمة تاريخ الرسل والملوك، يذكر المحقق نقلاً عن الكتب قصة أقرب ما تكون إلى الخوارق، أحد أبطالها ابن جرير الطبري:

 

روى الخطيب البغدادي قصة طريفة وقعت لابن جرير في مصر، قال: جمعت الرحلة بين محمد بن جرير، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني بمصر، فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضر بهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه، فاتفق رأيهم على أن يسهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة، فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي صلاة الخيرة. قال: فاندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع، وخصيّ من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا الباب، فنزل عن دابته، فقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل هو ذا، فأخرج صرة فيها خمسون ديناراً فدفعها إليه، ثم قال: أيكم محمد بن جرير، فقالوا: هو ذا، فأخرج صرة فيها خمسون ديناراً فدفعها إليه، ثم قال: أيكم محمد بن إسحاق بن خزيمة؟ فقالوا: هو ذا يصلّي، فلما فرغ دفع إليه الصرة وفيها خمسون ديناراً، ثم قال: إن الأمير كان قائلاً بالأمس، فرأى في المنام خيالاً، فقال: إن المحامد طووا كشحهم جياعاً، فأنفذ إليكم هذه الصرار، وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إليّ أحدكم» 1/9 المقدمة.

 

لم يسأل المؤرخ الذي ساق الخبر عن مصداقيته! كيف وصل إلى الحاكم؟ كيف صار الحلم والمنام سبيلاً للحياة؟ كيف عرف أنهم اقتربوا من الهلاك؟ من الذي جاءه في المنام؟ وكيف استطاع أن يعرف مكانتهم ومكانهم؟

 

أقل ما يقال عن هذا النص الأسطورة، ومع ذلك قبل وتم تناقله في كتب التاريخ، وها هو محقق الكتاب يذكرها دلالة على مكانة المؤلف صاحب التاريخ!

 

وفي الكتب الأدبية تصبح مثل هذه القصص غير مقبولة، وتتجاوز الخيال، ولا تقبل من الأديب بأي صورة كانت، وغالباً ما تحاكم النصوص الأدبية بالمنطق والواقعية، ومن هنا يمكن الاطمئنان إلى أن الكتب الأدبية من دواوين وخطب ومجالس ومن بعد روايات وقصص هي التاريخ الحقيقي لحياة الإنسان.

 

الحوادث التي سلفت

 

تسترعي انتباه القارئ الناقد في كتب التاريخ العربية أمور عديدة:

 

1- اعتماد طريقة الحديث الشريف في العنعنة ما يكسبها الجلال والمصداقية.

 

2- ذكر رجال السند، ورد ذلك إلى مصدر محدد.

 

3- التسليم بالخبر الوارد من دون أي نوع من النقاش للمبالغة الموجودة.

 

4- تقديم ما قد سلف، كما لو أنه حقيقة واقعة تجري أمام الأنظار.

 

5- الإقرار بالمعرفة التامة للرواة، وإن اعتمدوا ألفاظاً تدل على الأمور المحالة.

 

ولننظر إلى مقدمة ابن جرير الطبري لكتابه «تاريخ الرسل والملوك» مع ملاحظة أنه لا يروي قضايا أدبية أو سير شخصيات، وإنما يقدم كما فعل ابن كثير لحديثه عن الخلق وبدء الخلق.

 

– من لدن ابتدأ ربنا جل جلاله خلق خلقه.

 

– من انتهى إلينا خبره ممن ابتدأه الله تعالى.

 

– من رسول مرسل أو ملك مسلط.

 

– أنا ذاكره في كتابي هذا بذكر زمانه وجمل ما كان من حوادث للأمور.

 

هذه جملة الأشياء التي حددها المؤرخ الجليل، وكلها تتناول أموراً ماضوية سابقة حددها بابتداء خلق الله للناس، وقسم الناس إلى شاكر وجاحد، وفي كل هذه الحوادث لا يملك المؤرخ، أي مؤرخ سوى النص المقدس (القرآن) فماذا يختلف عن التفسير الذي قام به ابن جرير نفسه؟ الخلاف يكمن في أنه يستطيع هنا أن يقوم بالسرد، والسرد يحتاج إلى دعامات تعينه، وهذه الدعامات ليست سوى الكتب التوراتية السابقة التي تروي الأحداث بتفاصيل ليست في القرآن بحكم الإيجاز والبلاغة واختلاف الظروف.

 

«أنا ذاكر في كتابي هذا من ملوك كل زمان، من لدن ابتدأ ربنا جلّ جلاله خلق خلقه إلى حال فنائهم، من انتهى إلينا خبره ممن ابتدأه الله تعالى بآلائه ونعمه فشكر نعمه من رسول له مرسل، أو ملك مسلط، أو خليفة مستخلف، فزاده إلى ما ابتدأه به من نعمه في العاجل نعماً، وإلى ما تفضل به عليه فضلاً، ومن أخر ذلك له منهم، وجعله له عنده ذخراً. ومن كفر منهم نعمه فسلبه ما ابتدأه به من نعمه، وعجل له نقمهم، ومن كفر منهم نعمه فسلبه ما ابتدأه به من نعمه، وعجّل له نقمه،.. مقروناً ذكر كل من أنا ذاكره منهم في كتابي هذا بذكر زمانه وجُمَل ما كان من حوادث الأمور في عصره وأيامه». تاريخ الرسل والملوك /6.

 

عارف كل شيء

 

ولابد أن نقف عند أخبار تمر مروراً، وهي ذات دلالة، فنحن في زمن المعرفة، ومع ذلك قد لا نجد مؤسسة أو موسوعة تحتوي كل شيء، ومع ذلك نجد في كتب التاريخ من يدّعي معرفة كل ما جرى وليس كل ما يجري، ففي الوقت الذي يسعى المؤرخ لمطابقة ذلك مع القرآن والحديث كما قال ابن كثير، فإننا نعثر على خبر يتعلق بشخص عارف لكل شيء ما مضى وما يجري، كما هو حال (وهب) الذي يذكر خبره الطري.

 

– خلا من الدنيا خمسة آلاف سنة وستمئة سنة.

 

– أعرف كل زمان فيها.

 

– الدنيا ستة آلاف سنة.

 

«حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهباً يقول: قد خلا من الدنيا خمسة آلاف سنة وستمئة سنة، وإني لأعرف كل زمان منها، ما كان فيه من الملوك والأنبياء، قلت لوهب بن منبه: كم الدنيا؟ قال: ستة آلاف سنة»

 

«كم قدر جميع الزمان» /10

 

فكيف يتهيأ لرجل واحد كل هذه المعرفة ليقول: وإني لأعرف كل زمان منها؟

 

حين قال الشاعر نزار قباني: فتاريخك يا مولاي تاريخ مزوّر، ولم يكن يخرج عن الحقيقة، فإن كان التاريخ قائماً على معارف أشخاص لم يعيشوا تلك الحقبة فماذا عن حال هذا التاريخ؟ إن كان المؤرخ شاهداً على الأحداث فإنه سيميل تجاه جانب دون آخر، فما بالنا عندما لا يكون شاهداً؟

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التقاط قضايا المجتمع وتظهيرها

إسماعيل مروة     استطاع الأدب السوري في مرحلة أولى أن يلتقط القضايا المجتمعية، وأن يصور الأمراض الاجتماعية، بغض النظر عن الانتماء المجتمعي الطبقي أو ...