آخر الأخبار
الرئيسية » تربية وتعليم وإعلام » الدكتور صلاح الدين يونسوحديث عن “الإعلام.. إرهاب بالصورة وتضليل بالنص”

الدكتور صلاح الدين يونسوحديث عن “الإعلام.. إرهاب بالصورة وتضليل بالنص”

ثناء عليان  2020/12/6

يؤكد الدكتور صلاح الدين يونس رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية خلال المحاضرة التي ألقاها في المركز الثقافي في بانياس تحت عنوان “الإعلام.. إرهاب بالصورة وتضليل بالنص” أن وظائفية الصورة قد كسرت الفارق -ظاهراً- بين المستويات العلمية، كما كسر الشاعر الحديث، والحديث جداً الفارق بين الشعر النخبوي والشعر الشعبوي، وكان الكسر عبر الأذن، وعبر الباصرة في آن واحد، وهذا ما فتح الآفاق لأوسع شرائح المجتمعات أن تنفتح على العالم الجديد، وتبدو الآذان قادرة على التلقي، ولكن التلقي يختلف مستواه، وتختلف بالاستتباع قدرات المتلقين،غير أن القاعدة تتسع على حساب النخبة، مما جعل الأخيرة تتأرجح بين صورة شعبية وفكر فردي. ومما ساعد على حضور الصورة كبديل عن الكتابة –يضيف يونس- الاستسهال في تعامل الإنسان العادي مع الآلة “تلفزة، سينما، رسوم، منحوتات”، وما ينتج عنها، إضافة إلى عامل السرعة.
فالصورة المتلفزة أسرع في الانتقال من المادة المكتوبة، ولكنها أقل بقاء في الذاكرة، وأسرع تأثيراً، ولهذا كانت الأدوات الإعلامية تعمد إلى مخاطبة الذهن الشعبي، لأنها تقوى على إثارة انفعالاته واستثمار انجذابه بالاتجاه الذي تريده المؤسسة، ومما يمكن الركون إليه هو أن الصورة التي صنعها الإعلام المعولم لا يمكن مجابهتها والحد من تأثيرها بأدوات تقليدية مستنزفة القوى، لذلك لا بدّ للإعلام الوطني من صورة نظيرة للصورة المعولمة، من حيث البناء الفني والسحر المبهر، وإيهام المشاهد المستمع ما يعد له هو حقيقة تامة.
ويرى د. يونس أن من أساسيات تكوين الصورة المضادة القوة المادية “المالية” والكوادر البشرية المدربة في المعاهد المختصة، وهي بعيدة عن الخبرات المحلية المسطحة والتجارب الفردية القاصرة، ولا ينبغي تسطيح المسألة وإحالتها إلى الإهمال أو نصف الاهتمام، فالمسألة- ويعني صناعة الصورة المضادة التي تحتاج إلى تضامن “التكنولوجي” مع “السياسي، و”المعرفي” مع “الإعلامي”، و”البراغماتي” مع “المثالي”، و”الراهني” مع “المستقبلي” لأن المسألة سياسية وليست تقنية صرف.
وعلى الرغم من أن الواقع هو الأصل الذي تحاكيه الصورة، يذكر يونس إن الإعلام قلب المفهوم، فصارت الصورة هي الأصل الذي يحاكيه الواقع، فلم تعد الرؤيا البصرية هي المعتمدة، بل غدت التصورات التي يُنشئها “الفن الإعلامي” وكأنها الأصل، وهنا يُحيل الإعلام “الموهوم الواهم” الخيالي إلى واقع، كأنه عياني ُمدرك، وهنا يحيل الإعلام بـ “الصورة” المصنّعة أيضاً التي تناقلتها وسائل الإعلام، وهي قد حدثت فعلاً، إلى صور غير صورتها الواقعية، فتتركب في ذهنية المشاهد المستمع صورة جديدة، وكأنه لم ير من قبل هذه الأحداث.
وبالعودة إلى فكرة الإرهاب يذكر يونس: إننا نتلمس غير شكل له، وغير مرجعية، فقد أجمع الغرب على أن “الإسلاموية” هي الإرهاب، وكان الغرب في صراعه مع الشرق يُسمي الجماعات الإسلامية في أفغانستان “المجاهدين”، ولما اختلفت وظيفة الجماعات أطلق عليهم الإرهابيين، ولم يكن الغرب ليجهل مفهوم التناقض، ولكنه كان يستثمره، ويجيّره نحو الصورة السياسية التي يريد تكوينها، كما شهد العالم تفكك منظومة الأممية الثالثة عام 1991 شهد العالم نفسه هزيمة الفكر الفلسفي الليبرالي، ولكن ليس أمام خصمه الأيديولوجي، بل أمام ذاته التي صنعت الحدث والفكر الإعلامي المرافق، وصارت الصورة المركبة سريعة التداول تغزو مخيلة الأجيال، مما أدى إلى تراجع القراءة، وتراجع القراءة يؤدي بدوره إلى امتثال المجموع البشري للصورة المتلفزة، ومع الامتثال تستحيل المجتمعات الطرفية “العالم الثالث” إلى ما يشبه صورة القطيع من حيث انعدام التغاير، وعلى الأخص في “التلقي السريع” و”التصديق” الامتثالي لما يُبث من صور، فقد كانت صورة الشاب التونسي الطارق الطيب محمد بو عزيزي صورة سياسية، فقد دُرّب على نار سينمائية في هولاندا، ولما حان وقت استثماره أضرموا النار الحقيقية في 17/12/2010 بولاية سيدي بو زيد ليغدو بطلاً يحرك الجمهور، وكأن الصور هي الحقيقة، ولا حقيقة سواها، ولعل الأمر الأخطر هو “انقالب الصورة” أي إن الإرهاب ليس المستعمر السابق، وليس من استخدم القنابل الذرية، وليس من صنّع الحرب البيولوجية، وإنما هو مخالفاً العدو الراهن، أي من يراه “الغرب” لمصالحه.

وبيّن د. يونس أن الإعلام العولمي يعمد منذ العقد الأخير من القرن العشرين إلى إحالة “الصورة” المصطنعة التي يبثها متلفزة إلى واقع، فتغدو الصورة المحالة إلى واقع كأنها الواقعي الحقيقي، وينسى المستقبل بقوة سحر التأثير أنها صورة مبثوثة، وأنها من صنع صانع، ويأخذ بإقناع نفسه بأن الصورة التي وصلته “صادقة” على الرغم من أنها صادمة، وحتى لا يترك الإعلام للمستقبل فسحة للتبصر النقدي، فإنّه يعمد إلى تقرير لفظي يقدمه مذيع أنيق أو مذيعة – في الأغلب هي جميلة– ويُسند التقرير اللفظي إلى آخر غائب موصوف بأنه “خبير بشؤون الحدث، محلل إستراتيجي، مستشار أول
“.. إلى آخر ما يمكن من صفات التهويل. أما المشاهد المستقبل فتأخذه مكّونات الصورة إلى عوالم الغرائبي الذي كان يدهشه في نظام ثقافي سابق من خلال ما يقرؤه، أو ما يؤوله من مقروءاته، وخاصة روايات الفروسية والأحداث التاريخية التي تصله عبر النظام الكتابي تحت تأثير الحس التاريخي الآسر، الذي يُقنع ذهنية المتلقي بأن “المروية” من الحدث الغابر حقيقة، وأنها هكذا حدث فعلاً، لا تخيلاً ولا تصوراً ولاتزيفاً، ومن أمثلة هذا ما قرأه القراء لجرجي زيدان (1914 -1861) من روايات عن التاريخ العربي الإسلامي، وهي أكثر من عشرين رواية، فقد أحال زيدان القّراء من فضاء التاريخ وكتبه ومعاجمه ومصنفاته إلى فضاء الرواية، وكان فضاء الرواية في العربية بكراً، يسمح للقارئ أن يتصرف خياله في تصور المقروء. أما الإعلام اليوم فقد استأصل من المشاهد المعني لـ إمكانية التأويل الفردي فتقص عليه الصورة – كما تزعم- أصدق القصص.
وفي الثقافة العربية السائدة اليوم يُنحي الإعلام الناطق بالعربية النظام الكتابي عند الغالبة عدداً أو حضوراً، أما النخبة فما تزال موجودة بقوة علومها، وهي تزداد تركزاً حول ثقافتها وإبداعاتها في فروع المعرفة كلها، ويبدو أن النظام الإعلامي العولمي الحاضر يحل محل النظام الثقافي الكتابي، وكأن انعطافاً قد حدث في الثقافة العالمية، ولا سيما الثقافة ً السياسية، بل حدث انقلاب في طبيعة الأمم وهي تُستلب برغبة للصورة المتلفزة، وفي زمن قياسي من أزمنة الثقافة البصرية، وتبدو القراءة هنا بطيئة في عملية التلقي، في حين تخاطب الصورة العين والأذن، ولا تسمح لهما بالتفسير والتأويل، بل تُجبرهما على الانصياع والقبول، ولعل الصورة المتلفزة تشبه إلى حد كبير الساندويشة الشهية منظرا وتلمظاً والفقيرة تركيبا وثمة ساندويشتان جميلتا المنظر عذبتا المسمع، ولكنهما سميتان قاتلتان: الساندويشة الثقافية” والساندويشة الإعلامية، اللتين تدسان السّم في الدسم، وتقصيان الجيل من قضاياه، وتمنعان عنه وعي العلاقة بين النافع والجميل.

(سيرياهوم نيوز-تشرين)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الحلاق: قانون إحداث وزارة الإعلام الجديد يشكل لبنة أساسية لتطوير قطاع الإعلام الوطني

أكد وزير الإعلام بطرس الحلاق أن قانون إحداث وزارة الإعلام لتحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1961 يشكل نقطة انطلاقٍ لتطوير قطاع الإعلام الوطني عموماً عبر ...