آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » الصمت يحفظ راتب الإنسان وارتقاءه سلّم التواطؤ الجماعي … حيدر حيدر في «يوميات الضوء والمنفى» حكاية الإنسان الباحث عن ذاته وحريته من أسرته إلى المجتمع

الصمت يحفظ راتب الإنسان وارتقاءه سلّم التواطؤ الجماعي … حيدر حيدر في «يوميات الضوء والمنفى» حكاية الإنسان الباحث عن ذاته وحريته من أسرته إلى المجتمع

| إسماعيل مروة

دافع ما كان يدفعني لمعرفة الأديب الكبير حيدر حيدر، وللغوص في تفاصيل أدبه وحياته، ومن اللقاء الأول مع نتاجه (الفهد) ومتابعتي للفيلم الذي صار من كلاسيكيات السينما السورية والآسيوية بتوقيع المخرج الكبير الراحل الصديق نبيل المالح، من اللقاء هذا صرت أبحث عن كتابات الكاتب لأقرأها، وحين زرت القاهرة في إحدى زياراتي ضربت موعداً مع الدكتور جابر عصفور رئيس المجلس الأعلى للثقافة يومها، وفي أثناء جلستنا تمت دعوته على عجل للقاء مع الروائي إبراهيم أصلان وعلي أبو شادي لمناقشة ما حدث من أزمة في مصر حول قيام هيئة الثقافة بطباعة رواية حيدر حيدر، (وليمة لأعشاب البحر) فعاد الكاتب من جديد إلى دائرة التيقظ عندي، وعدت لقراءته واقتناء ما فاتني من نتاجه، وحاولت مرات أن أذهب للقائه، لكن كان هناك من يحول بين تحقيق رغبتي وبيني، فهناك من يقول: الكاتب لا يستقبل أحداً، وهناك من يقول شيئاً آخر.

ولليوميات حكاية

في معرض الشارقة للكتاب كان اللقاء غير المرسوم مع د. مجد حيدر ابن الكاتب، وصاحب دار ورد للطباعة، وهو رجل أعرفه منذ ثلاثة عقود، وألتقيه كثيراً، لكن ما يربطنا لم يرتق إلى مستوى يقنع كلينا، وفي صباحات المعرض الهادئة تحاورنا طويلاً، وأهداني صداقتي ووعداً للقاءات مستمرة في دمشق مع (يوميات الضوء والمنفى) لحيدر حيدر الصادر هذه الأيام في دمشق، وهي يومياته ومذكراته التي تحمل سيرته الذاتية، وليست السيرة الذاتية كلها، هي مؤشرات ورواسم ومنارات لرحلة رآها مليئة بالمتناقضين الضوء والمنفى، والتي تعطي صورة مذهلة في قسوتها وطزاجتها، في ثوريتها واستسلامها، في تمردها وتسليمها، في غليانها وسكونها، وتمثل قراءة هذه اليوميات فرصة للتعرف إلى نصف قرن من الوعي عند جيل أخذته الثورة، وأهمدته التحولات والحقائق، يوميات تجوب الوطن العربي كله، وتحمل هاجساً واحداً (العقل والحرية).

السياسة محذور من البداية

لم يشأ الكاتب أن يدوّن مسيرته، واختار أسلوب (اليوميات) مازجاً ما بين أسلوب اليوميات الحادّ، وبين الأدب والهذيان والتحليل الفكري، حين يهرب من التدوين اليومي الحرفي، وإن كان الفصل يحوي تاريخاً وشهراً وعاماً، لكن الكاتب يهرب ليكتب شيئاً عن الحرية والدين والعقل، عن الشافعي وأبي حامد الغزالي وابن رشد، عن غيفارا وكاسترو وماركس، وتحت جنح المكان يتسلل الكاتب لتشريح المجتمع العربي وتوجهاته الفكرية، ما بين الماضوية والعودة إلى الماضي البعيد والانسلاخ عن الحاضر والعقل، وبين الحياة العصرية والحداثية، وفي غمرة اليوميات لم ينس حيدر حيدر أن يعقد موازنات ومقاربات لاهوتية، متحدثاً عن المعركة بين اللاهوت المسيحي والحضارة الحديثة والتي انتهت بانتصار العقل، أشير إلى هذه العلامات التي تستوقف القارئ عند تمعنه باليوميات، ولن أعمد إلى الاختصار والإيجاز، فذاك أمر عصي يشوّه النص الأدبي الجميل والراقي، ولأن حيدر حيدر نفسه قدّم يومياته بما لا يقبل الاجتزاء، وانضمامه إلى العمل الفدائي الثوري، وانتظامه التدريبي القاسي، ومحاكمته لما يراه وما يطمح إليه خير دليل على اكتفائه بالإشارات واللمع، وهو قلما يذكر أسماء كاملة، خاصة في الجوانب السلبية التي ينتقدها.

السياسة والهزائم

حيدر حيدر ودون مقدمات شخص مهمومم بالسياسة والإيديولوجيا، ويستغرب في صفحاته كما في أدبه ألا يتحدث الإنسان بالسياسة، فالسياسة خبز يومي للناس، ويظهر ذلك في حديثه عن البلدان العربية كلها من سورية إلى لبنان والجزائر، وفي دخوله معترك المنظمات الفلسطينية في نداء التحرير والفداء، حيث انتظم في معسكرات تدريبية وصفها بدقة، من يومياتها إلى شخوصها والمسؤولين عنها من المدربين والموجهين، يبدو أن الضباط مصرّون على قيامي ببعض المهمات، أشعر بمزيد من الضعف الداخلي، والكثير من الإحساس بأن الأمور عادية رغم إصرار الضباط على استلامي قيادة العناصر.. معظم العناصر تحمل روحاً سلبية ومدركة للأمراض التي تأكل الحزب. الحزب ليس ثورياً سوى بالشعارات والكوادر تحولت أو هي بالأصل انتهازية تعيش تحت ظلال السلطة، هذا الكم من الألم والتشريح للواقع وجد طريقه إلى الكاتب نتيجة الواقع السياسي الذي يراه مرضياً، ويبرز ذلك في تناوله للواقع السياسي بعد نكسة حزيران 1967 «بعد 5 حزيران كانت هناك فرصة نادرة أمام الأنظمة المحسوبة على الأجيال العربية بأنها تقدمية وثورية، وهذه الفرصة هي بدء الثورة بشكل جديد وخاصة بعد أن بدا واضحاً القصور والعجز والجبن والتفتت والضوضاء لكل من يرى ويسمع ويشعر» فالهزائم السياسية هي التي دفعت الكاتب وعدداً من أبناء جيله، خاصة من المبدعين إلى اختيار الطريق الثوري الذي دفعوا ثمنه غالياً، فوضعوا تجاربهم بين أيدينا، ورسموا صورة مهمة للإنسان العربي المهزوم الذي يبحث عن خلاصه في أي طريق وجدها!

عن أجيال لا فرد

من حقه أن يطلق عليها اسم يوميات، فهي ليست سيرة ذاتية بالمعنى الضيق، ولم تأخذه نفسه للحديث عن ذاته، بل كانت هذه اليوميات نقلاً أميناً لما يعتمل في الشارع العربي، فقدّم توصيفاً مهماً قد يعطينا تسويغاً وقراءة لما وصلنا إليه بعد عقود «تدور الأجيال الجديدة في بلاد العرب والمسلمين تكافح باستبسال نشط لرد الاعتبار الذي استُلب منها، وهي بطبيعتها عدوانية غير امتثالية، إنها معادية للقمع في أعماقها، في الأسرة والمدرسة والشارع والدولة» وبين هذه الصورة والصور التي قابلت حيدر حيدر في حياته فواصل زمنية ومساحات، لكنها التصقت بالذاكرة عند الكاتب ونقلها بأمانة، وفي الجزائر المكان القصي عن وطنه ولبنان، وعن عمله الفدائي يستدعى، وتكون المفارقة في حادثة تحمل دلالات عميقة «بماذا تشعر وأنت تستدعى على عجل إلى غرفة مدير معهد المعلمين؟.. ترحيب. ابتسامات هشة مفتعلة: أسئلة جانبية..

أستاذ. هل أنت شيوعي؟

– لا

هل أنت بعثي؟

– لا

هل أنت ناصري؟

– لا

ماذا أنت؟

هل الثوري هو واحد من هؤلاء بالضرورة أم هو شيء آخر؟..

سألت المدير بغتة لأخرج من الإحراج: لماذا تطرح أسئلتك؟

رد: يقولون إنك تتحدث للطلاب في السياسة؟

– من يقول؟

– الطلاب.

– وهل الحديث السياسي محرم؟

– الحديث السياسي المتطرف يخلق متاعب. أنت تعرف سياسة الدولة. وتعرف أن الدولة لا تسمح للمدرسين الشرقيين بالدخول في هذه الأمور. كما تعرف أن مهنتك تربوية محضة، وتعرف أن الماركسية تعادي الدين الإسلامي. وتعرف..

أكملت: وأن الصمت يحفظ راتب الإنسان وارتقاءه سلم التواطؤ الجماعي..»

هذه اليوميات تقدم وبصورة واضحة وجلية بعيدة عن التخييل لوحة للواقع الفكري والاجتماعي والسياسي في مرحلة الخمسينيات والستينيات وإلى نهاية القرن العشرين، وهذه اللوحة تظهر دون أدنى شك الأسباب الجوهرية والأساسية التي أجهضت المشروع التنويري العربي، سواء اتفقنا معه أم اختلفنا، فالمشروع النهضوي الذي يرافق ولادة الدولة الوطنية في حياة أي شعب من الشعوب هو مشروع فكري وحضاري وسياسي، ولا يكون إلا بالصراع الفكري بين مختلف التوجهات، ومهما كان نوعها وتوجهها وإن كان بعضها منبثقاً عن بعض.. فأي خيبة، بل أي خيبات ترافق الإنسان والأديب الذي يحمل بذور التمرد داخله؟

البيئة والحاضنة

كانت هذه يوميات حيدر حيدر المدونة، والتي أشار بداية إلى أنه قام بقراءتها مع زوجته وبإعادة ترتيبها، وأعمل فيها قلمه الأحمر خوفاً من أي محذور، ومع ذلك، فإن الكاتب قدّم صورة نابضة تشبه عالمه الروائي البديع والإشكالي، بل إنه في كثير من المواقع يقترب من أبو علي شاهين.

واليوميات وإن لم تكن سيرة بالمعنى الدقيق، إلا أنها في جانب من الجوانب هي أقرب إلى الدقة، ولو نظرنا إلى صورة البيئة والقرية والبحر والجبل والحالة الاجتماعية أدركنا روح التمرد ومسبباتها، وأدركنا قسوة الظروف التي أنجبت كاتباً عربياً مؤثراً، ويستوقفك الكاتب عند يتمه قبل الأوان بوفاة والده، ولا يتغاضى الكاتب، وبإمكانه أن يفعل، أن يتحدث عن دور المرأة الأم فيما وصلت إليه حياته وحياة الأسرة، وبقيت صورة الوالد تنوس بحب القراءة وشغف المعرفة، وصورة الأم في الاستقرار والزواج ونبذ العلم والتعلم لأنه لا يطعم خبزاً، والصورة المدهشة كانت في الموازنة التي طرحها حيدر حيدر للبصر وغياب الرؤية، وحبه لأمه. ومنازعة النفس، وهي تودع الحياة، فكانت صورة الإنسان والابن الذي لا يستطيع تجاهل أمر في يومياته القاسية، ولا يمكن أن يكون حيادياً مع أم تودع بالفقد الجسدي والبصري.

(يوميات الضوء والمنفى) للكاتب السوري الروائي حيدر حيدر كتاب مرحلة، ووثيقة شاهد معاشر ومعاصر لتحولات المجتمع العربي حتى وصل إلى ما وصل إليه ،ليدخل البلدان باسمه نفسه، ولكن بجواز يحمل اسم دولة أخرى، فلا يعترضه أحد لأنه ما من أحد في تلك الدولة التي يحمل جواز سفرها يمنع من الدخول أو يطلب لأي سبب آخر.

 

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أحلام الشامسي تفقد سيارتها الفارهة في الأمطار الغزيرة وتعبر عن امتنانها لجهود فِرق الإنقاذ

في ظل الأمطار الغزيرة التي اجتاحت شوارع ومطارات دبي، فقدت الفنانة الإماراتية أحلام الشامسي إحدى سياراتها الفارهة. وقد نشر أحد أقاربها تغريدة عبر حسابه الشخصي ...