آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » الفصول الأربعة لم تعد كذلك.. “الحرب الأخرى”

الفصول الأربعة لم تعد كذلك.. “الحرب الأخرى”

د. مازن سليم خضور:

أن تجلس أمام شاشة التلفاز والكهرباء حاضرة بعد يوم متعب هي فرصة نادرة لم تعد ممكنة في ظروف البلاد الحالية، تبدأ بالتنقل بين القنوات التلفزيونية لترى مشاهد حرب انتهت دون أن تغيِّب دماراً وفقداً وكأن قدر الكهرباء أن تجلب قبحاً في حضورها كما غيابها.. لطيف أن تستوقفك محطة تعيد عرض واحد من أبرز أعمال الدراما السورية خلال عقود “الفصول الأربعة” إخراج الراحل حاتم علي، كتابة دلع الرحبي وريم حنا، وهنا تتوقف عن التنقل بين القنوات لتنتقل إلى ذكريات الماضي بما يمثل هذا المسلسل إلى الحياة التي نفتقدها الآن حتى الاستبداد العائلي كان مقبولاً من قبل الأسرة التي كانت تشكل الملاذ الآمن والدافئ، تصقل تجارب أفرادها وتهذبها وتطورها.
افتقدنا جو الأسرة السورية بما تمثل من غيرة “نجيب” من عديله الغني “مالك الجوربار” لكن في المواقف تتلاشى الغيرة وتتبدل إلى تعاون وتكاتف، ومن وجود “برهوم” الشاب البسيط و”عادل” الشاب الطموح والناجح والملجأ عند الأزمات إلى محبة الأخوات ولهفة أم وأب وصولاً إلى العمة في صورة تختصر شكل الأسرة السورية التي تغيرت ملامحها بسبب الحرب التي نعيشها منذ العام ٢٠١١.
الأصل اللغوي لكلمة “أسرة” و”عائلة” عادة ما تستخدم كلمتا الأسرة والعائلة بمعنى واحد علماً أن كلمة أسرة هي الأقرب إلى المعنى الاجتماعي فالعائلة مأخوذة باللغة العربية من العائل أي الفقر أما كلمة “أسرة” فهي مأخوذة من “الأسر” الذي يفيد معنى القوة، وإما من الأسر أي الوثاق و التوحيد.
مشاكل الأسرة في المجتمعات العربية اختلفت ولاسيما الأسرة السورية في ظل الحرب وتفكك هذه المؤسسة واختلاف الأولويات وتبدل مهامها وانقسامها وتحولت في بعض الأحيان من الحامي والراعي الأول للفرد إلى عكس ذلك ولاحظنا مجموعة من الجرائم المرتكبة التي لم نكن نألفها سابقاً في المجتمع السوري والتي ازدادت من حيث الكم واختلفت من حيث النوع فبتنا نسمع عن جرائم عائلية حيث الابن يقتل أباه والأخ يقتل أخاه والبنت تسرق والدتها والأم تعذب أبناءها حتى الموت والأحفاد يعذبون الجدات جرائم لم تكن موجودة إلا كطفرات ومرتكبوها منبوذون من المجتمع وكنا في سلسلة الحرب الأخرى تحدثنا عن هذا الموضوع أكثر من مرة لخطورة هذا الأمر والتوعية بأضراره على المدى القريب والأخطر على المدى البعيد.
وهذه عينة لما نشرته وزارة الداخلية عن مثل هذه الجرائم خلال فترة قصيرة جداً:
*أقدم على قتل شقيقه وابن شقيقه نتيجة خلافات عائلية، وقسم شرطة الأنصاري بحلب يلقي القبض على الفاعل.
*أقدمت على تعـنيف ابن زوجها الطفل ذي الثلاثة أعوام ورميه من سطح المنزل، وتركه بدون علاج يعاني من الألم والنزيف لعدة أيام حتى فارق الحياة.
*أقدم على إطلاق النار على شريكه بالعمل في دمشق وقـتله ولاذ بالفرار.
*كشف جريمة قـتل وقعت منذ عام ٢٠١٩ في محافظة حماة وتوقيف جميع المتورطين بها القاتل من نفس العائلة.
هذه عينة من جرائم نشرت وما خفي كان أعظم علماً أن هذا ما نشر خلال الأسبوع الأول من شهر آب من العام ٢٠٢٢ فقط.
هذا من جهة وهو ما سميناه جرائم عائلية ومن جهة أخرى من مشكلات العائلة الحاصلة ما سمي الطلاق الصامت الذي يعني حالة نفسية يشعر فيها أحد الزوجين أو كليهما بمشاعر سلبية تجاه الطرف الآخر، بما يؤدي إلى عدم إمكانية التواصل العقلي والنفسي والجسدي بينهما وينفرد كل منهما بحياة خاصة على مختلف الأطر الاجتماعية والنفسية وغيرها وبالتالي يكون هذا الزواج شكلياً موجود أما مضموناً فهو منتهي.
الانفصال الصامت مشكلة موجودة قديماً واستطاع العديد من الأزواج التكيف معها إلا أنها إلى الآن بقيت كاسمها صامتة ولا يتم تداولها ولا طرحها بالشكل الكافي وعلى الرغم من درجة خطورته على الحياة الأسرية بشكل عام ويبقى هذا الزواج صورياً أمام الناس.
عرف البعض الطلاق الصامت بأنه “نهاية غير رسمية للعلاقة الزوجية، فلا يوجد تواصل بين الزوجين ولا كلام ولا علاقة زوجية والتي تزيد من المودة وتقرِّب القلوب. يُصبِح هناك تلبُّدٌ في المشاعر؛ لدرجة أنّه في بعض الحالات تنعدم الغيرة لدى أحد الطرفين أو كلاهما”.

ومن المشاكل الموجودة أيضاً في شكل الأسرة الأطفال مجهولو النسب وهذا الموضوع زاد بشكل كبير وكبير جداً خلال فترة الحرب التي تنمي أسباب هذه الظاهرة من حيث قلة الوعي القيمي والاجتماعي والفقر والتخلف والبطالة من جهة ومن جهة أخرى مجموعة أسباب خاصة بفترة الحرب ومنها انعدام الأمن والأمان وازدياد حالات الاغتصاب وحالات أرجعتنا إلى عصور سابقة كالسبي وأيضاً الاختطاف لاسيما في مخيمات اللجوء والاعتداء على الفتيات وبالأخص القاصرات والزواج من الأجانب لساعات بالإضافة لما سمي “جهاد النكاح” حيث قال الدكتور بشار الجعفري مندوب سورية في الأمم المتحدة آنذاك أمام مجلس الأمن إن دمشق زودت بنغورا مندوبة الأمين العام للأمم المتحدة بـ”وثائق حول جرائم عنف جنسي ارتكبها أفراد المجموعات

الإرهابية ضد النساء من قتل واختطاف واغتصاب عشوائي واغتصاب جماعي واستعباد النساء وتعذيب وتبادل ضحايا و”جهاد النكاح”، واصفاً الأمر الأخير بأنه “ظاهرة غير مسبوقة في ازدراء المرأة” وهي ظاهرة لم تعد تؤثر فقط على النساء السوريات وإنما باتت تؤثر على فتيات العالم أجمع.
هذا يقودنا إلى مشكلة جديدة عانت منها الأسرة فالطفل الذي ينتج عن ممارسة جنسية مرفوضة اجتماعياً منذ البداية غالباً ما يترك في العراء بعد ولادته، قد يكون معرضاً للموت بسبب البردّ والجوع والحيوانات، وحتى قد يتعرض للقتل والدفن، من قبل ذويه أو أقربائهم، خشية العار والفضيحة وأحياناً فإن الأطفال حديثي الولادة أو الصغار في السن المتروكين على أبواب المشافي والحدائق والجوامع والكنائس هم أطفال معروفو النسب من أب وأم متزوجين وفق الأصول لكن الظروف المتنوعة _ طبعاً هذا غير مقبول _ دفعتهم إلى هذه الأفعال ولعل الأسباب الاقتصادية والاجتماعية أهم الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى مثل هذه الأفعال علماً أن الأب والأم اللذين يتركان في حالة احتياج ولدهما الشرعي أو غير الشرعي أو ولداً تبنياه سواء رفضا تنفيذ موجب الإعالة الذي يقع على عاتقهما أو أهملا الحصول على الوسائل التي تمكنهما من قضائه يعاقبان بالحبس مع التشغيل ثلاثة أشهر على الأكثر وذلك وفقاً للمادة 487 من قانون العقوبات.
وهذه عينة لما نشرته وسائل إعلام رسمية عن مثل هذه الجرائم خلال الفترة الماضية:
*العثور على طفلة حديثة الولادة في محلة الميدان بدمشق.
*العثور على طفل حديث الولادة بمدخل بناء في معضمية الشام بريف دمشق.
*العثور على طفل حديث الولادة بالقرب من سوق قرية ضمان شمال دير الزور.
*بعد العثور عليهما تحت جسر في جبلة وتقديم العناية لهما تم نقلهما لمركز رعاية في دمشق.
عينات لما تم نشره خلال فترة قصيرة عن مجموعة من الجرائم والحوادث والأزمات التي تتعرض لها الأسرة السورية لاسيما أنها مؤشرات خطيرة ولها دلالات ومعانٍ لما نعانيه وسنعانيه في حال لم تعط هذه المشاكل الأولويات في المعالجة والحلول لنصل إلى الأسرة السورية التي شاهدناها في مسلسل الفصول الأربعة.. لم تعد كذلك!.

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حكاية مغترب سوري في كندا  عن علاقة المغترب بوطنه الأم

  سعاد سليمان   علاقة المغترب بالوطن الأم – حكاية مغترب سوري في كندا : عنوان المحاضرة التي ألقاها الدكتور جميل بدران المغترب الذي يعيش ...