آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » ثقافة الاستلاب.. الدراما انموذجا

ثقافة الاستلاب.. الدراما انموذجا

كتب:خير الله علي

يتحول شهر رمضان في كل عام إلى ما يشبه المهرجان. مهرجان ينتظره الجميع بكثير من الشوق والصبر. مهرجان مكتمل المعالم والصورة، ولكن ليس في ساحة أو مدرج بل في كل بيت، حيث تصبح مشاهدة المسلسلات الجديدة أشبه باحتفالية لا تنقصها المأكولات ولا المشروبات، ولا الزينة، ولا حتى الأحاديث والتوقعات حول ما جرى من أحداث في كل حلقة، وما سوف يجري في الحلقات التالية. يحدث ذلك رغم التقنين الجائر للكهرباء، حيث يلجأ البعض الذي لا تسعفه مواقيت قطع ووصل الكهرباء إلى السهر حتى أوقات متأخرة من الليل لمتابعة مسلسلاته المفضلة، أو يلجؤون لتحميلها على لابتوباتهم وموبايلاتهم لهذه الغاية. وهنا ليس من قبيل المبالغة، حقيقة”، أن يتحدث أيُ كان، متخصصا أو غير متخصص في الإعلام أو علم النفس الاجتماعي، عن التأثير الكبير لوسائل الإعلام على المجتمع بشكل عام، وعن النواحي المتعددة التي يدخل فيها هذا التأثير على شخصية الفرد، أخلاقيا ومعرفيا، ومن ثم سلوكيا، وهنا تصبح عادة انتظار الناس لشهر رمضان لمتابعة الأعمال الدرامية نوعا من الاستلاب الذي يجرد الشخص من إرادته بطريقة بطيئة ولكنها مدمرة مع مرور الوقت. وربما تأتي الدراما في مقدمة البرامج التي تترك تأثيرها في هذا الاتجاه على المشاهدين، وفي توجيه الرأي العام سلبا كان أو إيجابا، وحتى في فرض ثقافة مجتمعية يرمي إليها أصحاب المحطات الكثيرة، كون المسلسلات أعمال تحمل في طياتها تلك الأحداث المشوقة، وما تنطوي عليه من أفكار ومشاعر، هذا من جهة، ومن جهة ثانية نتيجة تفاعل الناس الواسع والكبير معها، فضلا عما تفعله الصورة وطريقة إخراجها من تأثير مضاعف في هذا الجانب. وهكذا وبعيدا عن أي اعتبارات، أو تأويلات لهذه الحالة، يقع مجتمع بمعظم أفراده ،وهو غافل، ضحية حالة استلاب يفقد فيها المحاكمات العقلية، وهي واحدة من حالات الاستلاب المتعددة (السياسية والاقتصادية والإعلانية )التي يقع في شباكها يوما بعد يوم وسنة بعد سنة. حالة استلاب تفرضها وسائل إعلام مملوكة لجهة ما، خاصة كانت أم عامة. ذات يوم، وقبل ظهور الإذاعة والتلفزيون كان الكاتب يطبع مؤلفاته، ثم يقتنيها الناس بحرية من المكتبات، كل حسب اهتمامه، ومجال اختصاصه، ولذلك كنا نجد الثراء الفكري النابع من تعدد المعارف والأفكار وتنوعها، بينما الآن وبعد أن هجر الناس الكتاب، وأمام وسائل اعلام كثيرة لكنها مملوكة من أقلية مهيمنة ماليا بالدرجة الأولى، صارت الرسالة الإعلامية مفلترة وموجهة ومحسوبة بالحرف من قبل المالك صاحب المحطة التلفزيونية. هنا ثمة أمران على المشاهد أخذهما بعين الاعتبار قبل أن يجلس أمام الشاشة ويتابع دراماه المفضلة، الأول : أن الشاشة التي يجلس أمامها تملكها جهة، وأن هذه الجهة لن تقدم له مادة تلفزيونية إلا بما يتماشى مع رؤيتها ونهجها ومصالحها، وتريد تسويق المحتوى أو المضمون أو الرسالة التي تريدها، والتي تسعى من خلالها للوصول إلى هدف محدد. والأمر الثاني: أن أمامه أي( المشاهد) فرصة عليه اقتناصها لزيادة معارفه وخبراته في الحياة التي يعيشها مستفيدا مما يراه، وهي بطبيعة الحال وجبات دسمة بالرغم من فلترتها، وبالتالي عليه ان يحدد الهدف الذي من أجله يتابع التلفزيون أو المسلسل إن كان من أجل تزجية الوقت و(تمريقه) أو من أجل إغناء معارفه. إذن لا بد من إدراك كيفية توظيف الوسيلة الإعلامية لصالحنا، والامر لا يحتاج سوى أن نقتنع بأن الغاية من مشاهدة التلفزيون ليس التسلية فحسب، بل اكتساب الخبرات ومراكمة المعرفة، وجمع المعلومات وتوظيفها توظيفا سليما وصحيحا في حياتنا. عدا ذلك نصبح ضحايا…ضحايا عملية استلاب كبيرة وخطيرة، ننسى في دياجيرها أنفسنا .. خصوصياتنا … أحلامنا ….وسيأتي يوم نردد معا وبصوت واحد كلاما متشابها يشبه الثغاء.

(سيرياهوم نيوز ٢٣-٤-٢٠٢٢)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الجدل مستمرّ بسبب استهزائه بطه حسين: يوسف زيدان انتفخ حتى انفجر!

محمد ياسين   القاهرة | يحبّ الكاتب والروائي المصري يوسف زيدان «التريندات» ويعشق احتلال الواجهة بتصريحاته الاستفزازية بغض النظر عن أي شيء. وهذه المرة اختار ...