آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » جذور الصراع بين الأشكناز والسفارديم ومصيره

جذور الصراع بين الأشكناز والسفارديم ومصيره

وسام ابو شمالة

 

حالة الاحتقان الاجتماعي والسياسي داخل “إسرائيل” جاءت نتيجةً لعوامل عديدة منها عوامل ذاتية ومنها شخصية تخصّ بنيامين نتنياهو.

 

كشفت الأزمة الداخلية للعدو الإسرائيلي عمق الانقسام وامتداده على المستويين الأفقي والعمودي، وارتباطه العضوي منذ نشأة الكيان، بعدما فشل آباؤه المؤسسون في تجاوز الخلافات العميقة حول الهوية والدين، كما فشل رهان ديفيد بن غوريون على عامل الزمن لإذابة التباينات العرقية والطائفية والطبقية والأيديولوجية بين فسيفساء مجتمع العدو وقبائله، والتي عبّر عنها بمصطلح “بوتقة الانصهار”، ما اضطره إلى ترحيل مسألة الدستور إلى أجل غير مسمّى، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى تاريخه، ولا يبدو أنه سيتحقق على الإطلاق.

 

عوامل كثيرة ساهمت في حالة الاحتقان الاجتماعي والسياسي الحالية داخل “إسرائيل”، منها عوامل ذاتية تعود إلى طبيعة اليهود كمجتمعات غير قابلة للاندماج وغير قادرة على الانصهار بين مكوّناتها المختلفة، فضلاً عن فشلها في الاندماج مع الآخر، وهو ما أثبتته التجارب التي مرّ بها اليهود عبر التاريخ، كما ساهمت الدوافع الشخصية لبيبي نتنياهو في تأجيج الصراع، فهو لا يريد أن ينهي حياته السياسية في السجن، ويريد أن ينتقم من المنظومة القضائية المحسوبة تاريخياً على اليسار، ويريد أن يحافظ على ائتلافه الحاكم بصرف النظر عن المخاطر والمآلات حتى لو أضرت بالكيان داخلياً وخارجياً.

 

على الرغم من تصاعد الأزمة السياسية في الكيان منذ عام 2018 بعدما استقال وزير الأمن الأسبق أفيغدور ليبرمان على خلفية عملية “حد السيف” شرق خان يونس، عندما اكتشفت المقاومة خلية السيرت ميتكال وقتلت قائدها، جرت خمسة انتخابات حتى تمكن الائتلاف اليميني من تشكيل حكومة يمينية خالصة.

 

وعلى الرغم من العوامل الشخصية لنتنياهو ووزراء حكومته، فإن جذور الأزمة الحالية طابعها اجتماعي/أيديولوجي نشأ بالأساس بين الكتلتين الرئيستين، اليهود الأشكناز الغربيين والسفارديم الشرقيين، وما يظهر اليوم ما هو إلا انعكاس للصراع التاريخي الممتد بينهما منذ احتلال فلسطين، ورغبة اليهود السفارديم في حسم الصراع لصالحهم وتصحيح ما رأوه من ظلم وتهميش واحتقار تعرضوا له من خصومهم الأشكناز الذين استولوا على الكيان منذ النشأة وشكّلوه حسب توجهاتهم ومصالحهم، وهي رغبة مدفوعة بالانتقام والثأر لتلك المرحلة، في ضوء قدرتهم على توظيف الأغلبية النيابية المريحة، وائتلاف حكومي يميني خالص، يمكنهم من تحقيق أهدافهم، التي تتلخص بالسيطرة على السلطة القضائية كآخر معقل للأشكناز بعد أن سيطروا على السلطتين التشريعية والتنفيذية.

 

سيطرة اليهود الأشكناز على مقاليد الكيان عند نشأته، فرضت واقعاً طبقياً مكّن تلك الفئات من السيطرة على مقاليد الحكم، ومناقبه، وامتيازاته السياسية والاقتصادية، في إطار منظومة عسكرية وقضائية وإعلامية وثقافية تحافظ على تلك الامتيازات، إلى جانب تحالفها التقليدي مع القيم الغربية الليبرالية.

 

ساهم اليهود الأشكناز الذين هاجروا من الدول الغربية إلى فلسطين في تأسيس الكيان وشاركوا في الحروب كافة، ولديهم القناعة بأنهم هم من صنع الكيان وحوّله إلى “دولة ديمقراطية” قوية عسكرياً واقتصادياً، فيما لم تسهم التيارات الدينية “الحريديم” وفئة السفارديم ” الشرقيون” في إنشاء الكيان، بل ويعدّون “الحريديم” عالة على الكيان كونهم لا يلتحقون بـ”الجيش” بحجة تفرغهم لدراسة التوراة وتعليمه.

 

إنّ أحد أبرز عوامل الصراع الاجتماعي/السياسي الداخلي للكيان يعود إلى الصراع التاريخي بين اليهود الأشكناز واليهود السفارديم، ذلك أن الأشكناز المؤسسين للكيان اهتموا بهجرة يهود الغرب، فيما اضطروا إلى استيراد اليهود الشرقيين باعتبارهم مجرد موارد بشرية لـ”دولة” الأشكناز، مع العمل على إعادة تأهيلهم ليناسبوا اليهود الأشكناز، وتم إخضاعهم لبرامج تعليمية وتأهيلية معينة، بغرض التخلص من الهوية الشرقية من نفوسهم.

 

منذ نكبة عام 1948 ومجتمع الكيان يعاني من العنصرية الحادة بين الأشكناز والسفارديم، فبينما كان الأشكناز أفضل تعليماً وأكثر رفاهية كان السفارديم، الأقل تعليماً وثراءً.

 

استحوذ الأشكناز على المواقع السياسية والعسكرية والاقتصادية، الأمر الذي عمّق قناعات السفارديم بأن الكيان هو للأشكناز وحدهم، وأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.

 

حتى وقت متأخر من القرن التاسع عشر، وقبل موجات الهجرة الجماعية إلى أرض فلسطين، كان أغلب المهاجرين اليهود إلى فلسطين من السفارديم، الذين هاجروا لأسباب دينية، وعدد قليل جداً من اليهود الأشكناز، حتى بدأت موجات الهجرة الأشكنازية إلى فلسطين عام 1882، بدوافع استيطانية صهيونية.

 

نتيجة الهجرات الأشكنازية إلى فلسطين، زادت أعداد الأشكناز في مقابل السفارديم، كما زادت الفوارق الطبقية لصالح رؤوس الأموال الأشكنازية.

 

إنّ فكر الهيمنة الأشكنازية نابع بالأساس من فكر الأب الروحي للكيان وقائده الأشكنازي الأول ديفيد بن غوريون، الذي أنشأ النقابات العمالية (الهستدروت)، بالإضافة إلى تأسيسه حزب “ماباي” في ثلاثينيات القرن الماضي، والذي تمكن من خلاله من بسط سيطرته وطبقته الأشكنازية على اليهود، وتحييد كل القوى اليهودية الأخرى.

 

لم يرغب “بن غوريون” في هجرة اليهود السفارديم، لكن فقر العنصر البشري اللازم لقيام الكيان، اضطره إلى قبول هجرة الشرقيين، بهدف خدمة أسيادهم الأشكناز، وظهر ذلك جلياً عندما مُنِح اليهود الشرقيون الأراضي الهامشية المعزولة، فيما منح المهاجرون الأشكناز الأراضي الخصبة، كما خُصِّصت أسوأ المساكن للسفارديم.

 

استمر التمييز بين الفئتين حتى الوقت الراهن، إذ يسيطر الأشكناز على الأحياء الراقية في منطقة المركز في “تل أبيب”، في حين يستقر السفارديم في الأطراف في الأحياء الجنوبية الفقيرة والمهمشة.

 

من المفارقات التي تعكس تغير موازين القوى داخل الكيان اندلاع الاحتجاجات الأشكنازية منذ نحو 30 أسبوعاً بمشاركة مئات الآلاف بسبب الخشية من المسّ بمصالحهم التي توارثوها منذ نشأة الكيان، بعد انا كان الكيان اعتاد على خروج التظاهرات الصاخبة من اليهود السفارديم حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، ففي عام 1949 اندلعت احتجاجات عارمة من اليهود السفارديم، احتجاجاً على الظروف السائدة في معسكرات التأهيل التي سكنوها عقب هجرتهم إلى فلسطين، ورفضاً للمناهج العلمانية ومنعهم من التعليم الديني، وبدأ السفارديم الاعتراض على سياسات الأشكناز العنصرية تجاههم، كما اندلعت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تظاهرات أخرى لأسباب اجتماعية واقتصادية، واتسمت مواقف السفارديم واحتجاجاتهم في السبعينيات بثقةٍ أكبر.

 

بسبب مشاركتهم في حرب حزيران/ يونيو 1967، بعدما كان الأشكناز يمنّون عليهم بدورهم في نكبة 1948، التي كانت خالصة للأشكناز، لكن مطالبهم تم تهميشها، لتخرج أكبر تظاهرة من شباب السفارديم عرفها الكيان عام 1971، منددين بقوة بـ”الدولة” الأشكنازية وإعلامها و”جيشها” وأحزابها، بينما وصفتهم رئيسة حكومة العدو الأشكنازية غولدا مائير بالأولاد المشاغبين.

 

بعد فشل نظرية بن غوريون “بوتقة الانصهار” خلال حياته التي انتهت بإصابته بالاكتئاب النفسي بعدما أصيب بالإحباط من حجم الهوة داخل اليهود، اتسعت الهوة وتحوّلت إلى صراع وانقسام حاد يسعى كل طرف لحسمه لصالحه، وتغلغل الانقسام ليصل إلى المؤسسات كافة بما فيها “الجيش” الذي لم يعد “جيش” الشعب، الأمر الذي وضع الكيان أمام مستقبل مجهول، لن يعود فيه كما كان، فالانقسام يتصاعد ومظاهره تتسع، ففي نهاية المطاف لن ينتصر طرف على طرف فهما سيخسران لأن الأحداث تثبت أن الكيان يحمل عوامل فنائه واندثاره، فعامل الزمن يتناسب عكسياً مع فرضية الانصهار والاندماج، بينما يتناسب طردياً مع مقاربة الانقسام والتشظي والتدمير الذاتي.

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

«المطارنة الموارنة»: نرفض إبقاء النازحين السوريين في لبنان … خوري: المشكلة عند الأوروبي والأميركي

في الوقت الذي أكد فيه الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري على جاهزية سورية لاستقبالهم خلافاً لما يتردد وأنها اتخذت كل الخطوات الممكنة ...