آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » حمّى الفوضى تجتاح هايتي: فتّش عن أميركا

حمّى الفوضى تجتاح هايتي: فتّش عن أميركا

سعيد محمد

 

بعد الإكوادور وغواتيمالا والسلفادور وهندوراس والدومينيكان، انتقلت حمّى الحرب الأهلية بين الأنظمة الحاكمة – المدعومة تقليدياً من واشنطن – وتحالفات عصابات تجارة المخدّرات في أميركا اللاتينية، إلى هايتي، التي غَرقت في لجّة دوّامة من أعمال عنف متفاقم، دفعت بسكان العاصمة إلى الفرار من منازلهم، ولا سيما في وسط المدينة، حيث تعرّضت مبانٍ حكومية للحرق، بما فيها مقرّ وزارة الداخلية، وعدد من مخافر الشرطة، فيما أُغلقت المدارس، وهوجمت السجون، ونُهبت المستشفيات، وسيطر على الشوارع مراهقون يحملون أسلحة أتوماتيكية لا يتورّعون عن إطلاق النار لأتفه الأسباب. ويبدو، في خضمّ ما يجري، أن العصابات المتنافسة تناست خلافاتها وتوحّدت في محاولة لإطاحة رئيس الوزراء غير المنتخب، آرييل هنري، الذي تولّى السلطة، بدعم من واشنطن، بعد اغتيال الرئيس السابق، جوفينيل مويس، في منزله (تموز 2021). وغرقت هايتي، التي يبلغ تعداد سكانها 11 مليون نسمة، منذ بعض الوقت، في لجّة من الاضطرابات السياسية والأمنية، حيث عمّت الفوضى، وتعاظمت معاناة شعب يعيش في واحدة من أفقر الدول في منطقة البحر الكاريبي. غير أن مستوى العنف اشتدّ بشكل ملموس منذ اغتيال مويس، وانتشار أعمال القتل المجانيّ والاختطاف على نحو وبائيّ. ولطالما سيطرت عصابات المخدّرات على الأحياء والمناطق الشعبية في البلاد، لكنّ نفوذها وصلفها في ممارسة التعسّف وصلا الآن إلى مستوى التهديد بإطاحة النظام بالكلية، والتأسيس لجمهورية فوضى يديرها المجرمون.

على أن العصابات في هايتي ليست في النهاية سوى واجهات تديرها شخصيات نافذة، تحالفت ضدّ قوات الحكومة مع جماعة انقلابية مسلّحة يقودها السياسي المغامر، جاي فيليب، الذي عاد أخيراً إلى البلاد، بعدما أُفرج عنه من سجن فدرالي أميركي قضى فيه ست سنوات بتهمة المشاركة في انقلاب أطاح، في عام 2004، رئيس هايتي السابق. ويريد فيليب الآن إطاحة هنري، الذي يحظى بدعم أميركي ودولي، ولكن يُنظر إليه محلّياً على أنه فاقد للشرعية، بعدما كان من المقرّر أن تنتهي مهمّته المؤقتة بحلول السابع من شباط الماضي مع إجراء انتخابات عامة، علماً أن هنري قال، مساء الإثنين، إن «الحكومة التي أترأّسها، وافقت على تشكيل مجلس رئاسي انتقالي»، وستغادر «فور تشكيل المجلس».

وكانت حكومة هنري هذه ناشدت المجتمع الدولي لإرسال قوات ومساعدات عسكرية لمعاونة الأجهزة الأمنية على فرض النظام، غير أن الولايات المتحدة لم ترغب في التورّط مباشرة في الصراع، ودعمت، عوضاً عن ذلك، عرضاً من كينيا، الصيف الماضي، لقيادة قوّة متعدّدة الجنسيات تتولّى تدريب وتدعيم الشرطة المحلية، متعهّدةً بتمويلها. وإذ عارضت محكمة عليا في هايتي مبدأ استجلاب قوات أجنبية إلى البلاد، ما أخّر تنفيذ المشروع الكيني – الأميركي، لكنّ الحكومة تغلّبت على الموانع القانونية وأبرمت اتفاقاً تنفيذياً مع نيروبي، بداية الشهر الجاري، يتضمّن إنفاذ بعثة مسلحة من ألف جندي كيني ستشكّل البنية الأساس لقوّة متعدّدة الجنسيات. ولهذه الغاية، توجّه هنري، جرّاح الأعصاب السابق، إلى نيروبي لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق، فيما لم يتمكّن، إلى الآن، من العودة إلى بلاده، بسبب انعدام الأمن في مطار العاصمة، بور أو برنس، الذي استهدفته العصابات، ما اضطرّه للإقامة مؤقتاً في بورتوريكو.

تناست العصابات المتنافسة خلافاتها وتوحّدت في محاولة لإطاحة رئيس الوزراء غير المنتخب، آرييل هنري

 

وفي هذا الإطار، أبلغ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، زعماء دول الكاريبي الذين التقوا، الإثنين الماضي، في كينغستون في جامايكا، للتداول في شأن أوضاع هايتي، بأن بلاده تعتزم تقديم مبلغ 100 مليون، يضاف إلى 200 مليون تعهّدت بدفعها سابقاً لتمويل قوّة التدخّل المتعدّدة الجنسيات التي ستقودها كينيا. كذلك، أعلن بلينكن عن تخصيص 33 مليون دولار لتمويل إرسال مساعدات إنسانية عاجلة، غذائية وصحية، إلى بور أو برنس. وجاء ذلك بعدما حذّرت منظّمات أممية وغير حكومية عدّة، من تردّي الأوضاع الإنسانية في هايتي، إذ أكدت أن إمدادات الغذاء والمياه والوقود آخذة في النفاد، كما انهار القطاع الصحي بشكل كليّ تقريباً.

ونقلت الصحف عن رئيس وزراء جامايكا، أندرو هولنيس، الذي استضافت بلاده لقاء زعماء الإقليم، قوله: «(إنّنا) نشعر بحزن عميق لأن الأوان قد فات بالفعل بالنسبة إلى كثير من الهايتيين الذين فقدوا أرواحهم على أيدي العصابات الإجرامية»، معبّراً عن تعمّق المخاوف في الجوار من تفاقم الأوضاع الأمنية في هايتي لتصل إلى مستوى حرب أهلية تامّة، إذ قال: «نحن جميعنا متّفقون على أنه لا يمكن السماح بحدوث ذلك، ليس في نصف الكرة الأرضية الذي نعيش فيه». ويبدو أن الأمور مرشّحة للتطوّر سريعاً نحو الأسوأ، بعدما عمد الجيش الأميركي، مع نهاية الأسبوع الماضي، إلى إجلاء العاملين الأميركيين غير الأساسيين من مقرّ سفارة الولايات المتحدة في بور أو برنس، ونشر قوات إضافية لحماية مَن تبقّى منهم.

ويقول معلّقون متابعون للأوضاع في هذا البلد، إن شرطياً سابقاً يعرفه السكان المحليون بـ«السيد باربيكيو» (اسمه الحقيقي جيمي تشيريزييه)، تحوّل إلى أمير حرب يقود دعوات إلى تمرّد «بروليتاري عنيف» يطيح ليس فقط بحكومة هنري، بل بمجمل النظام. واستغلّ تشيريزييه سفر هنري إلى نيروبي لقيادة عملية هروب جماعية لحوالي أربعة آلاف سجين وتصوير نفسه كزعيم ثوري يقود جماهير الفقراء والمضطهدين في هايتي. ونجح «السيد باربيكيو» – الذي يقول إن لقبه متأتٍّ من ركن الشواء الذي تملكه والدته – في توحيد جهود تسع عصابات مخدّرات كانت تتقاسم السيطرة على الأحياء الفقيرة، لتعمل بتوافق غير مسبوق على هزّ أسس النظام القائم في البلاد. وقد ظهر أخيراً، في شريط مصوّر نُشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مخاطباً ثلّة من المسلّحين الملثّمين بأن «معركتنا لن تطيح فقط حكومة هنري غير الشرعية، بل ستغيّر النظام بأكمله»، مهدّداً المجتمعين في العاصمة الجامايكية، كينغستون، بأن «عدم تنحّي هنري، واستمرار المجتمع الدولي في دعمه سيقودان إلى حرب أهلية تنتهي بإبادة جماعيّة»، مشيراً إلى أنه لن يقبل بأقلّ من «كسر النظام».

وكان تحالف العصابات التسع قد رفد بمجموعات مسلّحة يمينية ملأت معاً الفراغ الأمني الذي خلّفه اغتيال الرئيس السابق في ظروف غامضة، وتسيطر الآن معاً على 80% من العاصمة، لكن كل تلك المجموعات بلا استثناء ترتبط في المحصّلة بشخصيات ثرية في البلاد، وهي، بحسب تقارير متخصّصة، كانت تحصل على نصف دخلها عبر ترتيبات معقّدة مع حكومة الرئيس السابق، ولم تمثّل لها الكتل الشعبية في أيّ وقت سوى مساحات نفوذ وأسواق لبيع المخدّرات. وفيما انتشرت في الأحياء الفقيرة في العاصمة رسومات على الجدران تصوّر «السيد باربيكيو» على أنه تشي غيفارا جديد، إلا أن الأمم المتحدة تقول إنه شارك شخصياً في ارتكاب العديد من الجرائم ضد الإنسانية أثناء عمله في جهاز الشرطة ولاحقاً بعد تحوّله إلى زعيم عصابة أشرار.

وليست هايتي في الحقيقة، بحكومتها الفاسدة وثوارها الجدد، سوى نتاج طبيعي للسياسات الأميركية في المنطقة التي حاربت، بحجة الحرب المزعومة على المخدّرات، قيام حكومات وطنية، ومكّنت يمينيين فاسدين من السلطة توازياً مع إطلاق يد العصابات الإجرامية وأباطرة المخدّرات للسيطرة على الشارع، ما دمّر الاقتصادات، وفاقم من الفقر وغياب العدالة الاجتماعية، لتنتهي الأوضاع في غير ما بلد إلى صراع دموي بين الحكومة والعصابات تدفع ثمنه الباهظ دائماً الشعوب.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بارزاني في إيران: تودّد تحدوه المصالح

محمد خواجوئي   طهران | أجرى رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، يومَي الإثنين والثلاثاء، زيارة لطهران التقى خلالها كبار المسؤولين الإيرانيين، في ما يمكن ...