آخر الأخبار
الرئيسية » الأخبار المحلية » سياسات بايدن مخادعة تجاه سورية وحروب الجيل الرابع بدأت فيها..والحل بعيد بسبب مصالح الدول اللاعبة والفساد الداخلي

سياسات بايدن مخادعة تجاه سورية وحروب الجيل الرابع بدأت فيها..والحل بعيد بسبب مصالح الدول اللاعبة والفساد الداخلي

د. عبد الحميد فجر سلوم

إنْ كانَ كافةُ الّلاعبين الفاعلين على الأرض السورية يؤكِّدون في كل مناسبة تمسكهم بالحل السياسي على أساس تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الصادر في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015، بإجماع كافة أعضاء المجلس، فأينَ إذا هي المشكلة؟.

الجواب واضحٌ جدا، أنّ لكُلِّ طرفٍ تفسيرهُ الخاص لهذا القرار وكيفية تنفيذه.. وريثما يحصلُ إجماعٌ على مفهوم القرار وخريطةُ تنفيذٍ مُتَفقٍ عليها بين الجميع، فإنّ ترسيخ حالة الأمر الواقع السائدة اليوم في شمال سورية، وشمال شرق، وشمال غرب، وتعزيز أمريكا لقواعدها، وتركيا لاحتلالها، وتتريكها لكافة المناطق التي تحتلها، وترسيخ نظام الإدارة الذاتية لقوات سورية الديمقراطية، وانفصال إدلب، واستمرار تنفيذ الأعمال الإرهابية هنا وهناك، عبر الكمائن، وغيرها، كل ذلك ماضٍ في سبيلهِ عمليا، مُقابل الكلام النظري فقط عن القرار 2254، وآخرُ الأمرِ كان في الجولة 15 من مسار آستانة، المُنعقِد في سوتشي في 16 شباط 2021، وكذلك في التصريحات الأمريكية، والأوروبية، والعربية، مع حرصِ كافة الأطراف أن لا يظهرَ أيٍّ منها مُعرقلا لتنفيذ هذا القرار.. ولذا لا نسمع إلا تبادُل الاتهامات ..

ماذا يعني ذلك؟. إنه ببساطة يعني أنّ الحلَّ بعيدٌ، وبمقدار ما يبتعدُ الحل فإن ترسيخ حالة التفتيت القائمة اليوم سوف تترسّخُ أكثر.. وهذا ما تطمحُ إليهِ إسرائيل التي تتمنّى أن ترى سورية مُشظّاة إلى أكثر من شظايا الكأس حينما يقعُ ويتكسّر..

**

فماذا بعد؟. وإلى أين؟.

بعد مجيء إدارة الرئيس “جو بايدن” إلى البيت الأبيض، كُتِب الكثيرُ من التحليلات والمقالات والتنبؤات حول ما ستكون عليهِ سياسة الرئيس الأمريكي الجديد إزاء سورية، وطُرِحت أسئلة كثيرة: ما هو شكل السياسة الأمريكية المُرتقَبة؟. هل ستكونُ مُختلِفة عن سياسة سلفهِ؟. هل ستكون أكثرُ عدائية أم استمرارا لذات النهج؟. ما هي ميولهِ واتجاهاتهِ السياسية؟. هل لديهِ خارطةُ طريقٍ للحل السوري؟. هل سيُلغي قانون قيصر أم يستمرُّ به؟. من هو فريق بايدِن المعني بالملف السوري؟. وأسئلة أخرى كثيرة طرحتها أبرزُ الفضائيات ومراكز الأبحاث والإعلاميين والمُحلِّلين والسياسيين.. الخ..

**

أوّل الأجوبة جاءت على لسان المُتحدِّث باسم الخارجية الأمريكية ” نيد برايس” في 2 شباط 2021 ، حينما قال خلال مؤتمرٍ صحفي في وزارة الخارجية الأمريكية:

(بالنسبة إلى سوريا نحن سنجدد جهود الولايات من أجل التوصل لحلٍّ سياسي وإنهاء الحرب الأهلية في سوريا بالتشاور مع حلفائنا وشركائنا وإشراك الأمم المتحدة.. وإنّ أي تسوية سياسية يجب أن تدرُسَ وتبحثَ الأسباب الجذرية للصراع الذي امتد لأكثر من عشر سنوات، وأن الإدارة الأمريكية ستستخدم الأدوات المتوفرة لها بما فيها الضغط الاقتصادي للدفع نحو إصلاح جدي والمحاسَبة ومتابعة الأمم المتحدة دورها في التفاوض على تسوية سياسية بما يتوافق مع القرار الأممي 2254 )..

**

إذا هذه هي ملامح الموقف الأمريكي باختصار، وهو السيرُ على ذات الدّرب السابق الذي سار عليهِ الرئيس ترامب، والتشديد بتطبيق قانون قيصر، مع بعض الإجراءات الجانبية التي لا تُغيِّرُ شيئا من جوهر السياسة الأمريكية، كما التوقُّف عن حماية آبار النفط، وهذا إجراء هامشي ومُخادِع، حيثُ من يقومُ بحراسة تلك الآبار أساسا هي قوات سورية الديمقراطية (قَسَدْ) والتواجُد الأمريكي شكلي ومعنوي، وقَسَدْ اتفقت بالماضي مع شركة نفط أمريكية، دِلتا كريسنت إينرجي Delta Crescent Energy لاستخراج النفط ومعالجتهِ.. ووجود القواعد الأمريكية في كل المناطق القريبة من آبار النفط هي بحدِّ ذاتها استمرارٌ لحمايتها، بل تمّ مؤخّرا إنشاء قاعدة جديدة في (عين ديوار) شرق المالكية في محافظة الحسكة قريبا من المثلث السوري العراقي التركي.. فماذا يعني ذلك؟. هل هو تغيير بالسياسة الأمريكية السابقة؟. لا أعتقد..

**

فضلا عن ذلك، قامَ وزير الخارجية الأمريكي الجديد (أنتوني بلينكن) في 12 شباط 2021 ، واستجابةً لِرسالةٍ من مجموعةِ ضغطٍ سوريةٍ مُعارِضةٍ، بالاتصال بالأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيوغوتيريش) وأكّد على كلِّ ما جاء بتلك الرسالة، لاسيما تمديد التفويض عبر الحدود لتقديم المساعدات للتخفيف من معاناة الشعب السوري..) وهذا حسبَ ما نشرتهُ الخارجية الأمريكية..

**

يُضافُ إلى ذلك مُصادقة مجلس النواب الأمريكي في 13 شباط 2021 على مشروع قانون جديد مُعدّل يهدفُ إلى توسيع برنامج (مكافآت من أجل العدالة) وهو برنامجٌ يُدارُ من طرفِ مكتب الأمن الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، وصادر منذ عام 1984 ، وتمّ تعديلهُ كي يسمح بتقديم مكافآت مالية لِمن يُقدِّمُ معلومات عن كياناتٍ أو أفرادٍ ورجالُ أعمالٍ يخرقون العقوبات الأمريكية على سورية..

**

لماذا أروي ذلك؟.

لِأقول للجميع، أن كل التعاطُف الذي يُبديهِ اللاعبون فوق الأراضي السورية إزاء الشعب السوري، هو تضليلٌ ولَعِبٌ على الوقت وعلى السوريين، وأنّ القصد والهدف لم يكُن في أي وقتٍ هو حل المُشكلة السورية وإنما إدارتها، والمطمطة بها، وهذا ما يخدمُ مصالح كافة اللاعبين: أمريكا، روسيا، تركيا، إيران، إسرائيل..

فمصالح الجميع اليوم مؤَمّنة، والاتفاق على حلٍّ بإجماع الجميع يبدو من الأحلام، لأن المصالح متضاربة مائة وثمانون درجة، وكلٍّ حريصٌ بأن لا يصطدم مع الآخر ولا يمسَّ بمصالح الآخر، وأي حلٍّ ( إذا افترضنا حُسنَ النوايا) سوف يضرُّ بهذه المصالح، ولذا الكلُّ ضمنيا راضٍ عن هذا الوضع، ويبيعُ للسوريين وعودا وخطابات وتصريحات، وكلها وهمية، ولَعِبٌ في الوقت الضائع الذي لا يعرفُ أحدٌ كم سيدُوم..

وحتى لو افترضنا جدلا أن السوريين أنفسهم اتّفقوا على خريطة طريق للحل، فهل ستسمح لهم الدول الّلاعبة بذلك، لاسيما أنها هي من باتت تمتلك خيوط اللعبة والحل؟.

**

أطراف آستانا الثلاثة لِوحدها(روسيا تركيا إيران) غير قادرة على إيجاد حلٍّ ما لم يحظى بالموافقة الأمريكية، وهذه لن تقبل بحلٍّ ما لم يضمن المصالح الإسرائيلية والأمريكية، بل أن روسيا ذاتها هي أكثر الحريصين على المصالح الإسرائيلية في إطار أي حل سوري مُستقبلي..

ولذلك، على الأرجح، أن يستمرّ في سورية حتى أمدٍ طويلٍ وضعٌ شبيهٌ بِما جاء في نظرية البروفسور الأمريكي ماكس مانورينج Max Manuring ، الأستاذ في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، عن الجيل الرابع

من الحروبFourth-generation warfare   ، والذي يبدو أنّهُ يُجرّبُ في سورية..

وللاستطراد قليلا، فإن الجيل الأول من الحروب، هو الحروب التقليدية بين الجيوش النظامية Coventional War، والجيل الثاني هو المعروف بِحربِ العصابات Guerilla War ، والجيل الثالث وهو الحرب الاستباقية أو الوقائية Preventive War ..

**

ماذا يعني الجيل الرابع من الحروب؟.

هذا ما شرحهُ البروفسور ماكس مانورينج Max Manuring خلال مُحاضرةٍ علنيةٍ في إسرائيل قبل سنوات، حيثُ يقومُ على الإنهاك والتآكُل البطيء لكُل مقومات الخصم، وزعزعةُ استقرارهِ من الداخل، بِمتابعةٍ حثيثةٍ واستمراريةٍ وِثباتٍ، عن طريق مجموعات قد تكون ناقِمة، لهذا السبب أو ذاك، فيتحوّلُ إلى دولةٍ فاشلةٍ، وبعدها سوف يستيقظُ ميِّتا..

عناصر هذه النظرية هي : قاعدة إرهابية متعددة الجنسيات ــ حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام وكافة الوسائل الأخرى ــ استخدام كل الضغوط المُتاحَة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية ــ استخدام تكتيكات حروب العصابات والتمرُّد..

جميعُ هذه العناصر شهِدناها بسورية..

**

كل هذا لم يكُن كافيا، إذْ  ما زال هناك من يشعرون أن سورية يمكنُ أن تنهض من تحت الرماد، ولذا هُم مستمرون حتى يتأكدوا أنهُ لن يكون بمقدور سورية النهوض من تحت الرماد حتى لو بعد أجيالٍ قادمة.. هذا إن عادت وحدة شعبها وأراضيها وانسحبت كافّة القوى الأجنبية منها.. وهذا بحدِّ ذاتهِ يبدو حُلُما حتى اليوم..

**

ولكن حتى نتحدّث بالمنطق، ولا نرمي بكل مصائبنا على الخارج ونعفي أنفسنا من المسؤولية، وكأننا ملائكة، علينا أن نطرح هذا السؤال: هل الّلوم يقعُ على الأعداء فقط ولا يقعُ علينا أيضا؟.

نعم، الّلومُ بالدرجة الأولى يقعُ علينا، على السوريين، على الدولة، ماذا فعلتْ كي تقطع الطريق أمام كل أشكال التآمر، وتُغلِق بوجهها كافة النوافذ والأبواب؟.

هل سعينا بشكلٍ جديٍّ وفِعليٍ لإتاحة الفرصة لِكافة أبناء الوطن بكافّة تنوعاتهم الحزبية والسياسية ليكونوا شركاء في تقرير مصيرهِ ومستقبلهِ في إطارٍ وطنيٍ مُتّفقٍ عليه من الجميع، ويحظى بالقبول الشعبي العام؟. وهل سعينا بإصرارٍ لترسيخ دولة قانون فوق الجميع مهما علا شأن واحدهم، ودولة مؤسسات وعدالة وتكافؤ فُرص ومُساءلة ومُحاسبَة، إلا للضعفاء، وتساوٍ بالمواطَنة على أرض الواقع والفِعل وليس فقط على الورق وفي التصريحات، وابتعدنا عن سياسات الإقصاء والتهميش واحتكار السُلطة والنفوذ والقرار، وعن دولة المحسوبيات والقَرَابات والمصاهرات والواسطات والرشاوى والمدعومين وأصحاب السُلطَة والنفوذ، والفساد، والحيتان، ثمّ أمراء الحرب، عدا عن العصبيات الطائفية والمناطقية، وتهميش خيرة الكوادر هنا وهناك، وتحويل المؤسسات إلى مزارِع، كما كان حالُ الخارجية في العهد السابق، ونتمنّى  أن لا يستمر بالعهد الجديد( لا احترام للأقدمية أو التراتُبية.. سفراء مابين عشر سنوات أو عشرين سنةٍ مُتواصِلة، ويُؤتى ببعضهم من خارج السلك بالمحسوبيات والواسطات ثمّ يأتون بأولادهم لِخلافتهم، وأبناءُ الكار يُقصَون، والأبناء الأكفأ بأضعاف المرات لا يجدون عَقدا لهم بالوزارة .. قانونٌ يفرز الناس إلى مدعوم وغير مدعوم، الأول يحصل على لقبْ سفير ويُصبِحُ مداهُ للتقاعُد حتى السبعين عاما، وغير المدعوم يُصرَفُ قبلهُ بعشرِ سنوات، بل المدعوم زيادة يبقى حتى بعد السبعين بموجبٍ عقدٍ وهو من مُهِمّة خارجية إلى أخرى ليقبض بالعملة الصعبة.. سائقٌ لا يحمل أي مؤهّل علمي يشغل مدير مكتب وزير وكلمته تعادل كلمة وزير..).. فضلا عن الخوف من حرية التعبير في نقد وفضحِ الفساد والفاسدين بالأسماء، حتى لا يُعاقَب البريء ويُبرّأ الفاسد..

أليسَ كل ذلك هو إضعافٌ للدولة، وينعكسُ سلبا على نفسيات المُجتمع فتُوهَنُ العزائم، ويسهل دخول المؤامرات والمشاريع الخارجية؟.

**

لم يُخفِ الأعداء مخططاتهم في أي وقتٍ، بل كانوا دوما ينشرونها في مراكز الأبحاث، وفي الصحُف، والدراسات، ويقولون علنا: هذا ما سنفعلهُ، وهذه هي مخططاتنا التفتيتية، فهل أخذنا ذلك على محمل الجد في أي وقتٍ وسعينا لإغلاق كل المنافذ أمام تلك المخططات، ومدَدنا أيادينا كسوريين لبعضنا بعضا، وتفاهمنا حول مستقبل الوطن،  قبل أن يبدأ تفعيل تلك المخططات والعملُ بها؟.

نعم نحنُ مسؤولون أيضا.. وبشكلٍ رئيسٍ.. والاعتراف بالخطأ فضيلة وثِقةٌ بالنفس.. وشرطٌ أساسٌ لإصلاحه.. ومطلوبٌ دورُ النُخب المُثقّفة الغيورة، وليس دورُ النعامات..  وأتمنى أن لا يتحسّس أحدٌ من هذه الصراحة.. لأنّ الصراحة هي المطلوبة وليس النفاق.. ومن ينزعجون من الصراحَة إنما لا يبحثون عن الإصلاح، ويناسبهم استمرار الحالْ على ما آلْ، لأنهم مستفيدون منهُ.. ولا يعتقِدنَّ أحدٌ أن هناك أسرارٌ في هذا العالم إزاء أيِّ بلدٍ، فكُلُّ شيءٍ بات مكشوفا ومعروفا.. ولا أقولُ شيئا لا يعرفهُ الجميع..

الجهادُ الأكبرُ هو في مواجهةِ كافة السلبيات التي تحدّثتُ عنها آنفا.. لاسيما بعد أن تمّ وأدُ الفتنة الطائفية (نعم الفتنة الطائفية) التي خطّطتْ لها، واشتغلتْ عليها بقوّة كافة الأحزاب والتنظيمات الإسلاموية، بِدعمٍ قويٍّ من الخارج.. ووقفَ بوجهها أوّلا الوطنيون من أهلنا وأخوتنا وأحبّتنا وأبناءُ دمِنا وجلدتنا، أهلُ السنّة والجماعة.. فلهُم التحية..

كاتب سوري ووزير مفوض دبلوماسي سابق

(سيرياهوم نيوز-رأي اليوم22-2-2021)
x

‎قد يُعجبك أيضاً

سورية تدين قيام الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام “الفيتو” ضد مشروع قرار منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة

أدانت سورية قيام الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام “الفيتو” ضد مشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر الشقيقة أمام مجلس الأمن لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ...