آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » عشرينية الاحتلال الأميركي: تغيير الوسائل وثبات الأهداف

عشرينية الاحتلال الأميركي: تغيير الوسائل وثبات الأهداف

 

رأي سعد الله مزرعاني

 

قيل أن التاريخ يكتبه المنتصرون. قيل أيضاً أن التاريخ يُكتب في ضوء مصالح اليوم لا حقائق الأمس. ترتَّب على ذلك، على مر العصور، نتائج استطاعت أن تخلق الكثير من التقاليد والأعراف والقيم والمعتقدات، بمقاييس عدة، تلك النتائج هي الأبقى والأكثر تأثيراً، على رغم مرور الحقب والقرون والدهور، وعلى رغم ما أصاب الدنيا ومن فيها، من تبدّلات ومتغيّرات قلبت بعض الوقائع أو الرواسخ رأساً على عقب. حقيقة أن التاريخ لا يكتب خارج تأثير عاملي القوة والمصلحة (الدائمة أو المؤقتة) ماثلة في صياغة كل ما أشرنا إليه. لذلك، فإن معارفنا ومعتقداتنا، تكون، غالباً، هشة، ونسبية دائماً!

 

هذه المقدمة ذات صلة بالذكرى العشرين للغزو الأميركي للعراق الذي بدأ بغارات جوّية مجنونة، في 19 آذار 2003، كان هدفها اغتيال الرئيس العراقي. تمكّن الغزاة من بسط سيطرتهم على «بلاد الرافدين» خلال حوالي 3 أسابيع! ذلك الحدث الكبير بدأ بكذبة مجلجلة: السيطرة على أسلحة الدمار الشامل ومنع الرئيس العراقي صدام حسين من استخدامها على غرار ما فعل بالأسلحة الكيماوية التي استخدمها ضد مدن كردية. تقول صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية (العدد 16182 تاريخ 19/3/2023) في قراءة ذات نفس جديد أملاه التعثر في اليمن والحرب في أوكرانيا وتراجع الدور الأميركي في العالم (نسبياً): «كان الغزو بمثابة الزلزال… لم يستمع الرئيس بوش الابن لتحذيرات كثيرة، غربية وعربية… انتصار الأميركيين السريع لم يتمكن من محو «الخطأ» الذي قاموا به، إذ تبين زيف مبرراتهم للغزو التي قدموها للعالم». تضيف: «اتخذت أميركا قرار الحرب وانهمكت أجهزتها بالبحث عن ذرائع» (ص 4 من العدد نفسه في سياق مقابلة مع الزعيم الكردي الأبرز مسعود بارزاني).

ad

 

لم يتمكن الأميركيون من إثبات صحة ما زعموا أنه سبب غزوهم للعراق: لم يجدوا أثراً لأسلحة دمار شامل ولا إثباتات على علاقة بين «القاعدة» والنظام العراقي. ومع ذلك مضوا قدماً، وبالقوة، في محاولة فرض مشروعهم («الشرق الأوسط الكبير» الممتد من باكستان حتى موريتانيا)، من خلال إطلاق إنذارات وتهديدات ضد سوريا… وشن العدوان الأميركي-الإسرائيلي ضد لبنان (تموز عام 2006) والذي وصفته كوندوليسا رايس، وزيرة خارجية أميركا آنذاك، بأنه «مخاض لولادة شرق أوسط جديد»! طبعاً، قالت ذلك قبيل أن تسفر نتائجه عن هزيمة للصهاينة الغزاة ولمن حرّض عليه وخطط له في واشنطن!

ينبغي أن نضيف هنا، بأن الصحيفة السعودية التي أشارت إلى تحذير سابق، من أن خطوة غزو العراق «ستفتح باب جهنم بإدخال العراق في فوضى واحتقان داخلي وستسمح بانتشار التطرف والإرهاب»، قد كررت هذا الكلام على لسان المسؤول الأردني (أبو الراغب) الذي ذكر، بدوره، بأن الملك عبدالله الثاني قد حذَّر هو الآخر، بوش من «فتح أبواب جهنم»! أمّا بول بريمر، حاكم العراق، وبعد أن أعلن الجيش الأميركي نفسه، رسمياً، «قوة احتلال»، فقد كرَّر نفس «الخطأ» الأميركي بالقول لـلصحيفة السعودية: «لا قانون دولياً ينص على الحصول على موافقة من الأمم المتحدة كي ندافع عن المصالح الأميركية»! نتوقف هنا لنتساءل: ماذا سيقول حكام روسيا لو قرأوا هذا الرأي الرسمي بشأن «عمليتهم» العسكرية الحالية في أوكرانيا؟! وماذا سيكون رد الأميركيين اليوم؟!

 

ad

الأساليب قد تغيّرت كمحصلة لتراكم التجارب والخسائر والهزائم على مدى السنوات؛ غاب التهديد بالغزو المباشر، شديد التكلفة، لمصلحة «الحرب الناعمة»، أو الحروب بالواسطة

 

في «تقاليد» السياسة الأميركية، منذ انخراطها الواسع دولياً بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته (1991)، أن تعلن إداراتها أهدافها العامة وأحياناً بشكل مباشر ومتحدٍ، بل وجذّاب ونبيل أيضاً! ليس صدفة، في هذا السياق، أن ذكرى مرور 20 عاماً على غزو العراق قد وقعت بين إعلان استراتيجيتين للأمن القومي الأميركي: الأولى عام 2002 من قبل رئيس «جمهوري» (بوش الابن و«المحافظون الجدد»)، والثانية من قبل رئيس «ديموقراطي» هو الرئيس الحالي بايدن، في تشرين الأول من العام الماضي. هذا يشير إلى وحدة أهداف الحزبين العامة، وحتى إلى وحدة الوسائل بما فيها أقذرها، المعتمدة، غالباً، على رغم مرور السنين وتبدّل الظروف، من قِبل الدولة الأميركية «العميقة» الدائمة. «استراتيجية الأمن القومي الأميركي» الصادرة عن البيت الأبيض (قبل غزو العراق وبعد غزو أفغانستان) تباهت وهدّدت بأن أميركا تملك قوة «غير قابلة للتحدي»، وأنها ستضع هذه القوة «في خدمة المصالح الاقتصادية الأميركية ونمط الحياة الأميركية»، وهي لن تتردّد لهذا الغرض في خوض حروب قد يكون بعضها «وقائياً» أو «استباقياً»… غزو أفغانستان والعراق جاء في هذا السياق تماماً!

ad

 

في العام الماضي، صدرت أيضاً، ككل عام، استراتيجية الأمن القومي الجديدة. العدوّان الأساسيان هما، من دون مواربة، الصين وروسيا. لكن لا بد من ملاحظة أن الأساليب قد تغيّرت كمحصلة لتراكم التجارب والخسائر والهزائم على مدى السنوات؛ غاب التهديد بالغزو المباشر، شديد التكلفة، لمصلحة «الحرب الناعمة»، أو الحروب بالواسطة: عبر إثارة التناقضات بين الدول أو في داخلها، استخدام أسلحة الحصار والعقوبات، الإبقاء على الحضور العسكري المحدود للتوجيه والتحريض وتأمين استمرارية النزاعات وللتحكم بنتائجها… إطلاق وتأجيج مرحلة جديدة من سباق التسلح، وفي السياق التخلص، عبر إثارة الحروب، وحتى نفاد الكمية، من المنظومات القديمة من الأسلحة لمصلحة منظومات جديدة (الحرب في أوكرانيا نموذجاً). ذكر تقرير معهد استوكهولم الدولي أن الإنفاق العسكري عام 2021 تجاوز ترليوني دولار، وتجارة السلاح 592 مليار دولار. فكيف في عام الحرب الأوكرانية الممتدة من أوائل عام 2022 إلى اليوم؟ الولايات المتحدة دائماً في الطليعة: إنفاقاً وبيعاً للأسلحة وتوسعاً بالانتشار والقواعد وآخرها في بولونيا منذ حوالي أسبوع. ميزانية واشنطن العسكرية تساوي ضعفي موازنات الصين وروسيا وألمانيا والهند مجتمعة. في امتداد ذلك، ونظراً للتشجيع الأميركي لتايوان على الانفصال، أمر الرئيس الصيني بتحويل جيش بلاده إلى قوة عسكرية «متفوقة عالمياً». روسيا التي دُفعت لشن هجوم وقائي في أوكرانيا، تكرس جهداً كبيراً وتنفق مالاً وتبذل دماً من أجل أمنها ووحدتها… وكل التطورات الميدانية تشير إلى احتمال خروج الصراعات والنزاعات عن السيطرة، مما يهدد وجود البشرية برمتها! لا ينبغي أن ننسى بأنه، وكالعادة، في كل استراتيجيات أميركا العامة والموجهة إلى الشرق الأوسط خصوصاً، تحتل إسرائيل موقعاً مميزاً لجهة دعم عدوانيتها التوسعية ونهجها الإجرامي لتصفية كامل حقوق الشعب الفلسطيني.

ad

 

على رغم ذلك يتواصل تراجع الدور الأميركي. عبثاً تسعى واشنطن لاستمرار التفرد والاستئثار. وحدة القوى المتضررة من الهيمنة الأميركية خيار صائب لتحقيق المزيد من النجاحات. تعزيز التعاون الصيني- الروسي والاتفاق السعودي- الإيراني، برعاية بكين، خطوتان في الاتجاه الصحيح، وينبغي أن يندرجا ضمن مسار السعي للحد من الهيمنة الأميركية ولبناء منظومات اقتصادية أمنية حصينة، دولية وإقليمية.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرد الإيراني على استهداف القنصلية: لا تنسوا هذه الحقائق!

التعتيم الإسرائيلي على الرد الإيراني كان متوقعاً، وإلا فإن الرأي العام الإسرائيلي كان سيصاب بنوبة أخرى من الذعر والخوف فيما لو وقف على حقيقة ما ...