آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » غزة تُجذّر الاصطفافات: بكين وموسكو أكثر جراءة بوجه واشنطن

غزة تُجذّر الاصطفافات: بكين وموسكو أكثر جراءة بوجه واشنطن

ريم هاني

 

على الرغم من «الهلع» الذي تعكسه مساعي المسؤولين الأميركيين الحثيثة لمنع توسّع نطاق الحرب الدائرة في غزة، وتجنّب أيّ تصعيدٍ إضافي مع «حزب الله» أو أيّ تدخّلٍ إيراني مباشر، تبدو واشنطن مصرّة على عدم اتّخاذ أيّ خطوة فعلية لوقف إطلاق النار، ووضع حدٍّ للمجازر الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، لم يَعُد الترويج الغربي للسردية القائلة إنّ مواقف الصين وروسيا نابعة «من مصالح» تبحثان عنها في المنطقة، ذا جدوى؛ إذ إنّ تعنّت الولايات المتحدة إزاء وقف إطلاق النار يلقى معارضةً متزايدة من حلفائها الغربيين حتى، سواءً في «مجلس الأمن» أو خارجه، ما يزيد واشنطن وحدةً في معركتها الوحشية ضدّ «الإنسانية».

Remember Freaky Friday? Some Actors Haven’t Even Changed!

ZESTRADAR

 

في الواقع، لم تكن المواقف التي تبنّتها الصين سابقاً في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، ترضي الإسرائيليين تماماً، ولا سيما أنّ صنّاع السياسة في بكين دعوا، في غير محطّة، الكيان الإسرائيلي إلى «تقديم تنازلات للفلسطينيين»، لم يكن من الممكن لأيّ حكومة إسرائيلية، وخاصة الحكومة الحالية شديدة التطرّف، القبول بها. بيد أن معركة «طوفان الأقصى»، التي بدأتها المقاومة في السابع من تشرين الأول، أسهمت في «تجذير» المواقف على الساحة العالمية، بعدما كانت الأخيرة تشهد بالفعل انقسامات كبيرة، في أعقاب الحرب الأوكرانية. ومنذ بدء العدوان على غزة، تتّخذ هذه الانقسامات أشكالاً عدّة، بدءاً من التصريحات والبيانات، وصولاً إلى «معارك» في «مجلس الأمن» التابع للأمم المتحدة، والذي شهد أخيراً استخدام حق النقض «الفيتو»، من قِبل الصين، جنباً إلى جنب روسيا، «وبالتشاور مع الدول العربية»، لإسقاط مشروع القرار التي تقدّمت به الولايات المتحدة أخيراً. وإذ خفّفت واشنطن من سقف مطالبها في مشروع القرار الأخير، مقارنةً بذلك الذي كانت قد تقدّمت به في وقت سابق، وشمل «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، ودعت، في المقابل، إلى «فترات مؤقّتة من وقف إطلاق النار، بهدف السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة»، فقد استند الرفض الروسي والصيني إلى ضرورة إرساء وقف إطلاق نار فوري، وهو ما لا يزال يرفضه الجانب الأميركي، باعتبار أنه يصبّ في مصلحة «حماس».

 

وقوبل «الفيتو» الروسي – الصيني بترحيبٍ من رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، الذي أشاد «بموقف كلّ من موسكو وبكين، وإفشالهما القرار الأميركي المنحاز إلى الاحتلال»، مؤكداً أنّ المقاومة الفلسطينية تقدّر «كل الدول داخل مجلس الأمن وخارجه، والتي طالبت بوقف العدوان على شعبنا الفلسطيني في غزة». وتعقيباً على الانقسام الحاصل، شبّهت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية الاتهامات والاتهامات المضادّة الصادرة عن واشنطن وموسكو، والتي شملت «سوء النية والتموضع السياسي»، وفرض المواقف على سائر الأعضاء في «مجلس الأمن» من دون «مشاورتهم»، بالجدل الذي كان يدور إبان «الحرب الباردة»، ثمّ حول أوكرانيا أخيراً. إلّا أن الصحيفة نفسها أكدت أن قلّة قليلة من الدول تدعم موقف الولايات المتحدة الرافض لمطلب وقف إطلاق النار، والذي يدعمه الأمين العام لـ«الأمم المتحدة»، أنطونيو غوتيريش، والدول العربية، إضافة إلى «معظم الدول حول العالم»، ما يشير إلى أن واشنطن هي من تتفرّد، مرّة جديدة، بالقرارات وتفرضها على سائر حكومات العالم.

وفي خطوة تهدف إلى شرح الأسس التي ارتكز عليها «الفيتو» الصيني أخيراً، بعث سفير الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جيون، برسالةٍ إلى رئاسة المجلس، يؤكد فيها أن العديد من أعضائه، بمن فيهم الصين وروسيا والإمارات والبرازيل، طالبوا بتعديلات على النصّ الأميركي، إلّا أن الولايات المتحدة تجاهلت «المشاغل الرئيسة» للأعضاء المعنيّين، وأجرت «بعض التعديلات التجميلية على النص»، محاوِلةً الدفع في اتّجاه التصويت عليه. ورأى السفير الصيني أنه «من حيث المضمون، فإنّ المشروع غير متوازنٍ بشكلٍ خطير، ولا يفرّق بين الصواب والخطأ». أمّا في ما يتعلّق بالنهج المتبع، فقد قُدّم المشروع على عجل، «وهو افتقر إلى توافق الآراء اللازم». ومن حيث الأثر، فإنّه «لا يعكس دعوات العالم القوية، إلى وقف إطلاق النار وإنهاء القتال»، ولا يساعد في حلّ المشكلة، بل على العكس، فمثل هذا القرار لا يُعتبر «غير مسؤول فحسب»، بل هو خطير أيضاً، ويمهّد لأعمال عسكرية واسعة النطاق، «ويعطي الضوء الأخضر لتصعيد الحرب»، بحسب جيون.

وتعقيباً على تصريحات غوتيريش الأخيرة، جاء في تقرير لصحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، أن ما أثار غضب إسرائيل هو قول غوتيريش إنّ «هجمات (حماس) لم تأتِ من فراغ»، وإنّ «الشعب الفلسطيني قد تعرّض لاحتلال خانق على مدى 56 عاماً»، على الرغم من أنّ هذه التصريحات، من وجهة نظرٍ محايدة، إنما هي «واقعية»، «وتنبع من فهم للسياق التاريخي المعقّد للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني»، بحسب الصحيفة الصينية. وتابع التقرير أن «لِحقّ إسرائيل في التعبير عن آرائها حدوداً»، تنتهي عند «احترام سلطة (الأمم المتحدة)»، ولا سيّما في الحالة الراهنة، التي «تشهد وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين كلّ يوم، ومن بينهم العديد من النساء والأطفال». واللافت، هنا، أنّ الأعذار الأميركية للتمنّع الأميركي عن إنهاء الممارسات الإسرائيلية الإجرامية، بدأت تنفد، إذ زعم الرئيس الأميركي، جو بايدن، أخيراً، في محاولة لتبرير وقوف بلاده مع المجازر المرتكبة بحق غزة، أنه «لا يمكن الوثوق بأعداد الضحايا من المدنيين الذين تعلن عنهم وزارة الصحة في غزة».

الأعذار الأميركية لتمنّع واشنطن عن إنهاء الممارسات الإسرائيلية الإجرامية بدأت تنفد

خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بدا واضحاً أنّ موقف الصين من القضية الفلسطينية لم يمنع العلاقات الاقتصادية بينها وبين إسرائيل من التطوّر بشكلٍ كبير، بعدما بدأت «الجمهورية الشعبية» بتبنّي «نهج أكثر براغماتية» إزاء دولة الاحتلال في أواخر السبعينيات، منهيةً عقوداً من السياسة الصينية الخارجية التي دعمت، لأهداف ثورية، عدداً من الحكومات العربية كما في العراق وسوريا وغيرهما، وحركات التحرّر الوطنية، ولا سيّما في فلسطين، في أعقاب الثورة الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ. إلا أنّ العديد من المراقبين اعتبروا، قبل معركة «طوفان الأقصى» حتى، أن مواقف الصين من إيران، و«مساعدتها لها على الالتفاف على العقوبات الغربية»، وطريقة مقاربتها لـ«حماس» و«حزب الله»، تطرح تساؤلات عدّة حول مدى قدرة تل أبيب على الاحتفاظ بعلاقة «ثابتة» مع بكين. وفي السياق، تُشير بعض وسائل الإعلام الغربية إلى مقابلة أجراها، عام 2012، السفير الصيني في لبنان آنذاك، وو زيكسيان، مع «الأخبار»، ووصف فيها إسرائيل بأنها «قوة احتلال» في لبنان، مؤكداً أنّ «جميع جهود اللبنانيين لحماية بلدهم والحفاظ على سيادته مشروعة»، وأنّ وضع «حزب الله» كجماعة مسلّحة في لبنان هو شأن داخلي محض، وأنّ على اللبنانيين وحدهم التطرّق إليه عبر الحوار في ما بينهم، بعيداً عن «أيّ تدخل خارجي». توازياً مع ذلك، ووسط أحاديث عن أنّ أيَّ حرب إقليمية شاملة قد «تصبّ في مصلحة موسكو»، وتخدم معركتها في أوكرانيا، فإنّ الموقف الروسي يبدو أكثر اتساقاً من أيّ وقت مضى مع ذلك الصيني، ورافضاً، بدوره، لأي حلّ لا يشمل وقفاً شاملاً لإطلاق النار.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بارزاني في إيران: تودّد تحدوه المصالح

محمد خواجوئي   طهران | أجرى رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، يومَي الإثنين والثلاثاء، زيارة لطهران التقى خلالها كبار المسؤولين الإيرانيين، في ما يمكن ...