آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » لعبة الدين والسياسة

لعبة الدين والسياسة

د. سليمان الصدي

لوس انجلوس- أمريكا يروى أنّ الأصمعي رأى جارية تحمل رماناً فوق رأسها في وعاء، فتسلّل إليها رجل، وأخذ رمانة منها خلسة وهي لا تشعر. قال الأصمعي: فتبعته حتى مرّ بمسكين فأعطاه الرمانة. فقال له: عجباً لك سرقتها؟ ظننتك جائعاً! أماّ أن تسرقها وتتصدق بها على مسكين فهذا أعجب، فقال الرجل: لا يا هذا.. أنا أتاجر مع ربي! فرد الأصمعي مستنكراً: تتاجر مع ربك كيف ذلك؟! فقال الرجل: سرقتها فكُتبت عليّ سيئة واحدة.. وتصدّقت بها فكتبت لي عشر حسنات.. فبقي لي عند ربي تسع حسنات! فإذاً أنا أتاجر مع ربي! فقال له الأصمعي: سرقتها فكتبت عليك سيئة، وتصدّقت بها، فلن يقبلها الله منك… لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً… فأنت كمن يغسل الثوب النجس بالبول. كم يذكّرنا وضع هذا الرجل بأولئك الذين غُرّر بهم للانتساب إلى جماعات الإخوان المسلمين وجبهة النصرة ومشتقاتهما، لقد ظنوا أنهم يتاجرون مع الله؛ ليكسبوا حسنات، فإذا بهم يغرقون في مستنقع الدم والخيانة ومخالفة تعاليم دينهم وضوابطه. وهل هنالك دليل أشدّ نصوعاً لتسخير الدين لخدمة أهداف سياسية من وثائق إدوارد سنودن؟ فقد كشف ضابط المخابرات الأمريكية السابق عن وثيقة خطيرة تعود إلى سنة 2004 تفيد أن الـ: C I A هي من استولدت المنظمة الإرهابية الجديدة (جبهة النصرة) من رحم القاعدة لتحلّ محلّها وتكون قادرة على جلب المتطرفين من جميع أنحاء العالم وتجميعهم في الشرق الأوسط في عملية سميت بعش الدبابير SWAPS NESTلزعزعة استقرار الدول العربية بعد أن وضعت أمريكا يدها على العراق سنة 2003 ويتحدث سنودن في الوثيقة نفسها عن اجتماع مديري المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية في لندن فيقصر أحد الأمراء العرب جنوب لندن لمدة ثلاثة أيام، وتقرّر أن يكون العمل ذا شقين: 1 – تأسيس التنظيم المتطرّف 2 – القضاء التام على حزب الله اللبناني وقد اختاروا أبا مصعب الزرقاوي (أحمد فاضل نزال الخلايلة) الذي كان معتقلا في الأردن، وأطلق سراحه وخضع لفترة تدريب في أحد معسكرات الـ C I A في إحدى الدول العربية ، ثم نقل إلى الأنبار العراقية، ومن هناك انطلق في تأسيس التنظيم الجديد (الدولة الإسلامية في العراق والتي أضيف إليها بعد ذلك والشام) تحت إشراف العقيد في المخابرات البريطانية مايكل أريسون الذي يجيد العربية بطلاقة، ويتحدّث بلهجة فلسطينية كأنه أحد أبناء فلسطين، وقد حُوّل للتنظيم في بداية الأمر 860 مليون دولار، وكانت الأموال تنقل إلى الزرقاوي بالشاحنات ، ليقوم بإرسال المتدربين إلى معسكر مراد ناظملي في غازي عنتاب بتركيا كي يعمل على تدمير المقاومة المسلحة العراقية التي كانت قد بدأت ضد القوات الأمريكية . وتذكر الوثائق اتساع نفوذ الزرقاوي، وتمرده على العقيد مايكل أريسون، فاضطر لقتله في بعقوبة، وسلّم التنظيم لإبراهيم البدري المكنى بأبي بكر البغدادي الذي كان سجيناً في بغداد، فتم نقله بطائرة أمريكية إلى إسرائيل، وتلقى تدريباً مكثفاً لدى الموساد الإسرائيلي، وبدأ بتجييش الشعب العراقي من الطائفة السنية بحجة التهميش وقتال المحتلين والروافض. وما إن انطلقت الانتفاضة في درعا حتى كان هناك 17 ألف مقاتل سوري تمّ تدريبهم في تركيا وبعض الدول العربية،وكانت تصرف لكل منهم 750 دولاراً راتباً شهرياً، كما طلب من البغدادي التوسع إلى الداخل السوري.. وقد عملت هذه الأجهزة على أن تكون سورية محطة يجتمع فيها كافة المتطرفين الإسلاميين في العالم.. وهكذا بلغ عدد الجنسيات التي تقاتل في سورية 78 جنسية، وعدد المقاتلين 148 ألفا،وقد أنفق على هذه العمليات 107 مليارات دولار من الدول العربية كما يقول سنودن. الملفت أن حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر السابق يقول إنهم أنفقوا على ما سمي بالثورة السورية 137 مليار دولار، وهذا يعني أن حصته من هذه الثورة كانت 30 مليار دولار. أما حسن الساعاتي المعروف باسم حسن البنا مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين في مصر في عشرينيات القرن الماضي فوالده أحد المتحولين من اليهودية إلى الإسلام، ويُعرفون باسم “الدوون ما” وتعني العودة لأرض الميعاد فلسطين، أما المسلمون فيعتقدون أنها تعني العودة إلى الدين القويم: الإسلام! وقد سبق أن صرّح بذلك الاديب المصري العملاق عباس محمود العقاد ضمن مقال نشرته له الصحف في الأربعينات من القرن الماضي. لقد تبناه الاستعمار البريطاني، وتم تحضيره لاستكمال مهمة، وأخبروه أن عليه استكمال مهمة ماسونية ولأنهم كانوا معروفين بالبنائين الأحرار تمت تسميته البنّا؛ أي الماسوني! وقد تمّ تكليفه بقيادة الخط الجديد خلفاً لجمال الدين الافغاني ولتلميذه المصري محمد عبده، وكان تياره: الإخوان المسلمون مثل الجوكر في ورق اللعب، فهو قادر على التلون والانسجام مع الجميع، وكان الهدف إقناع المسلمين بتكوين الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والحكومة الإسلامية، والدولة الإسلامية وصولاً إلى العالمية فيما عُرف بأستاذية العالم، ويعني هذا المصطلح أن هنالك أطرافاً وراء تنظيمه لغاية إقحام الدين لتحقيق شرور سياسية والسيطرة على الشعب الذي يظن أنه يتقرب إلى الله ويمحو سيئاته بحسنات الانضمام إليهم. وفعل بعض الانفصاليين الأكراد ما فعله هؤلاء في سورية مع اختلاف الانتماء، ونسوا أو تناسوا أنهم حين تحدثوا عن المكونات، ودور المكوّن الكردي أنه لا توجد مكونات في سورية، بل نسيج اجتماعي فسيفسائي غني، فثمة عرب يمتزجون بِمُقَوِّمات وشرائح سورية أخرى من الأكراد والتركمان والأرمن والشركس والعرب القدماء من (سريان وآراميين وآشوريين وكلدان). وتؤكد بعض الزعامات التي تصادر قرار الأكراد السوريين في المنطقة الشرقية، وباستمرار، أنّها لا تريد التقسيم مطلقاً ولا الانفصال عن سورية الأم، وأنّ كل ما يريدونه هو إدارة ذاتية فعلية.. ولكنهم، في الوقت ذاته، يستقوون بالأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني وبالإسرائيلي، لكي يضعوا، بالقوة العسكرية، الأسس الكفيلة لقيام الفيدرالية الإدارية مرحلة أولى، تعقبها الفيدرالية السياسية، ثم الإقليم المستقل عن الدولة السورية وصولاً إلى الانفصال الكامل، والتحالف الدائم مع أعداء الدولة السورية. إنه الطريق الذي سلكه ” البرزاني ” في شمال العراق.. ولكن هذا الطريق ملغوم ومسموم في سورية، لكل من تسوّل له نفسه إمكانية تكرار التجربة العراقية في سورية. لقد اتضحت لعبة السياسة والدين، وتبين أن من يسعون إلى نيل الحسنات بانضمامهم إلى هذه المجموعات الإرهابية قد باعوا الدنيا والآخرة؛ لأن سورية انتصرت، وفشلت كل المشاريع الصهيو وهابية لإسقاطها.

(سيرياهوم نيوز-٣١-٧-٢٠٢٢)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

خطاب المرحلة وبوصلتها

  أحمد حمادة كثيرة هي الأطراف الدولية التي تنخدع بسياسات أميركا، التي طالما تدّعي سعيها إلى تحقيق السلام في فلسطين أحمد حمادة – رئيس تحرير ...