آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » هل يُعاقِب ترامب المستشارة؟: دقّ اسفين في علاقات الاتحاد الأوروبي بسحب القوات الأمريكية من برلين ووصف ألمانيا بالدولة المُقصّرة 5 مرّات.. عقوبات على خط الغاز الروسي.. وتخوّفات من مواجهة مباشرة مع بومبيو في ملف الضفة الغربية.. والناتو وسط المزيد من التجاذب وخليفة ميركل ترد “الأمن ليس سلعة”

هل يُعاقِب ترامب المستشارة؟: دقّ اسفين في علاقات الاتحاد الأوروبي بسحب القوات الأمريكية من برلين ووصف ألمانيا بالدولة المُقصّرة 5 مرّات.. عقوبات على خط الغاز الروسي.. وتخوّفات من مواجهة مباشرة مع بومبيو في ملف الضفة الغربية.. والناتو وسط المزيد من التجاذب وخليفة ميركل ترد “الأمن ليس سلعة”

فرح مرقه:

استبق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اجتماعات الناتو المُنعقِدة الأربعاء والخميس (أمس واليوم) بإعلان أن بلاده ستسحب ما وصفه بنصف قواتها في القاعدة الألمانية رامشتاين والتي تعدّ قوة ردع لحلف شمال الأطلسي، لتؤكد تصريحاته سلسلة من التسريبات والاعلانات المبهمة التي سبقتها.

بالأثناء تبحث واشنطن وفق سفيرتها في بولندا إرسال عدد من معداتها وجنودها الى هناك، ما يعزز فكرة أن الأزمة الحقيقية اليوم تتضاعف بين حليفي الأطلسي الكبار في واشنطن وبرلين، وأن الأولى بقيادة ترامب تسعى لخلق انطباع بتبعية الثانية إليها من جهة، وأنها تحاول زرع المزيد من الشقاق في اطار الاتحاد الأوروبي وتحديدا ضد المانيا.

ورغم تصريحات ترامب الاثنين إنه يعتزم تقليص عدد القوات الأمريكية التي تتمركز في ألمانيا بشكل كبير، رفضت برلين الوقوع في فخ الصدام او حتى التصعيد الكلامي مع الأمريكيين، محافظة على سياستها الخاصة في ملف الانفاق على الدفاع والتجارة اللذين اعلن ترامب انهما السبب في قراره.

وقال ترامب الإثنين إن القوة الأميركية المنتشرة في ألمانيا والتي تشكل عماد المساهمة الأميركية في حلف شمال الأطلسي وعديدها 52 ألف جندي، تمثل “كلفة باهظة للولايات المتحدة” مضيفا “سنخفض العدد، سنخفضه إلى 25 ألف عسكري”.

لكن بحسب وزارة الدفاع الأميركية، هناك 34 إلى 35 ألف جندي فقط منتشرين بشكل دائم في ألمانيا، وتناوب الوحدات يعني أن العدد الإجمالي لا يمكن أن يتخطى 50 ألف عسكري إلا بشكل مؤقت.

وقال ترامب “ألمانيا متأخّرة عن السداد، هي متأخّرة عن السداد منذ سنوات وهي مدينة بمليارات الدولارات لحلف شمال الأطلسي وعليهم أن يدفعوا”، واصفا ألمانيا بدولة “مقصرة”. وأضاف “نحن نحمي ألمانيا وعليها متأخرات، هذا أمر مثير للسخرية”.

حرب ترامبية ضد ميركل؟

وكان اكثر ما قيل ردا على تصريحات ترامب حول سحب القوات تصريح وزيرة الدفاع الحالية والمرشحة لخلافة المستشارة اغريت كرامب كارنباور، والتي اكدت ان “الناتو ليس منظمة تجارية وان الامن ليس سلعة”، وهذه تصريحات بكل الأحوال تظهر انزعاج برلين وقد كان سبقها وزير الخارجية هايكو ماس بقوله “العلاقات (مع الأمريكيين) معقّدة” قبيل ذهابه في رحلته الى الشرق الأوسط.

وفي زيارة ماس الأسبوع الماضي لإدانة ضم أجزاء من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، حذّرت وسائل اعلام محلية في بلاده بأن رفضه للخطة، يعني مواجهة جديدة بينه وبين نظيره الأمريكي مايك بومبيو مباشرة في توقيت لا تتمتع فيه العلاقات بين الأطلسي وتحديدا بين المانيا والولايات المتحدة بأفضل مراحلها. إشارة توحي بحجم الحساسية بين البلدين واحتمالات تأججها.

الكثير من السياسيين في برلين يرون المشهد فيما يشبه النكايات السياسية، والتصريحات في ألمانيا تؤكد ان الرئيس الأمريكي اتخذ خطوته الأخيرة ردا على رفض المستشارة الألمانية انجيلا ميركل حضور قمة السبع في واشنطن التي كان المفترض ان تحصل خلال الشهر الحالي، الامر الذي تسبب في تأجيل الاجتماع وغضب ترامب.

يعزز ذلك تصريحات ماس الثلاثاء إذ أكد خلال زيارته لوارسو أن برلين لم تتلق تفاصيل حول تاريخ وكيفية خفض عديد القوات الأميركية. وأوضح “لم يكن بإمكان وزارة الخارجية الأميركية ولا البنتاغون تقديم أي معلومات بهذا الصدد”، مضيفا أن أي تغييرات في الهيكلية الأمنية في أوروبا “تحتاج بالتأكيد إلى بحث”.

أزمة ترامب مع المستشارة ميركل عميقة منذ استلامه السلطة، إذ يصر على الهيمنة على العلاقات الألمانية الخارجية من جهة وتقييد برلين تجاريا من جهة ثانية، إلى جانب اصراره على زيادة انفاقها الدفاعي؛ كل هذا تقاومه العاصمة الألمانية، ودلالات الازمة وعلاماتها كثيرة منها خطاب ميركل في هارفرد والذي اثار الاعجاب باعتباره مناهض تماما لسياسة ترامب ولكن دون ان تذكره.

بالعودة لسحب القوات، فالخطوة الأمريكية تضاعف بالضرورة الشرخ بين الحليفين من جهة، وتخلق من جهة ثانية المزيد من الرغبة الأوروبية في الاستقلال عن واشنطن، والتي ظهرت ليس فقط من تصريحات ميركل بل ومن مقترحها مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول صندوق الإقراض لما بعد كورونا، والذي قرأته صحيفة الغارديان كأول خطوات الشركاء الأوروبيين لاستخدام النهج الأمريكي في الاستقلال قبل أكثر من قرنين.

وجددت فرنسا دعوتها إلى “استقلالية استراتيجية” أكبر لأوروبا داخل الحلف الأطلسي في مواجهة الانكفاء الأميركي. إذ قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في مقابلة نشرتها صحيفة “لا كروا” الأربعاء إن “التطورات ترغمنا نحن الأوروبيين على تأكيد استقلاليتنا الاستراتيجية داخل الحلف لضمان أمننا الخاص”.

الناتو.. حائر في المنتصف؟

وعلق الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ على سحب القوات الامريكية من برلين الثلاثاء “إنه اتفاق ثنائي بين ألمانيا والولايات المتحدة، لكن المسألة مهمة بالنسبة للحلف”. وبدون التعليق على انتقادات ترامب لألمانيا، دافع عن مطالبته بتقاسم أفضل للنفقات الدفاعية قائلا “ما زال ينبغي بذل المزيد قبل التوصل إلى نسبة 2% من إجمالي الناتج الداخلي” التي تعهدت جميع بلدان الحلف تخصيصها لنفقاتها العسكرية بحلول العام 2024.

وأدت تصريحات ترامب وهجماته على برلين إلى تصعيد التوتر بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين في الحلف الأطلسي، الذي يشهد تجاذبات أيضا بين تركيا وفرنسا جعلته يبدو بحالة تشظّي.

وقال دبلوماسي أوروبي مستنكرا اتهامات الرئيس الأميركي “وُصفت ألمانيا خمس مرات بالدولة المقصرة”.

وتتمركز القوات الأميركية في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما شكلت نقطة منتصف بين القوات الامريكية في العراق وأفغانستان وبين موطنهم؛ لكنها اكتسبت أهمية جديدة في ضوء الطموحات العسكرية الروسية في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، وضم جزيرة القرم.

هل يتوسع الشرخ في أوروبا بسبب قوات ترامب؟

ويجتمع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي عبر الفيديو الخميس استكمالا لنقاشات الأربعاء، بعد ان ظهرت بعض الإشكالات المتعلقة بسحب القوات من المانيا، وتسريبات من سفيرة واشنطن في وارسو جورجيت موسباخر، أن واشنطن قد تعيد نقل أسلحتها النووية الموجودة حاليا في ألمانيا إلى بولندا. في محاولة أمريكية لاعادة احياء الحساسيات بين البلدين.

وجاءت تصريحات موسياخر قبيل زيارة وزير الخارجية الألماني إلى بولندا، حيث أبدى نظيره البولندي جاسيك تشابوتوفيتش تضامنه مع ألمانيا، بقوله خلال مؤتمر صحافي مشترك “من وجهة نظرنا، القوات الأميركية في ألمانيا تخدم أيضا أمننا. نود أن يستمر هذا الوجود في ألمانيا”.

وفيما تسعى وارسو منذ وقت طويل لتعزيز الوجود الأميركي على أرضها وتجري محادثات حول هذه المسألة مع واشنطن، أكد تشابوتوفيتش أن “هذه المحادثات لا علاقة لها بالإعلانات الأميركية الأخيرة والعلاقات الأميركية الألمانية فيما يتعلق بوجود أو خفض القوات الأميركية في ألمانيا”.

وسبق أن عزز ترامب تناوب الجنود الأميركيين في بولندا إلى 5500 عنصر في إطار استجابة الحلف الأطلسي للمخاوف الناجمة عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.

وبعد قضاء عقود تحت السيطرة السوفياتية قبل العام 1991، رحبت لاتفيا أيضا باحتمال نشر قوات أميركية في المناطقة المحاذية لروسيا.

وقال وزير الدفاع اللاتفي أرتيس بابريكس لوكالة فرانس برس في ريغا “سنرحب بانخراط أميركي أكبر في أمن دول البلطيق، بما في ذلك القوات الأميركية المتمركزة هنا”.

كذلك قال رئيس ليتوانيا جيتاناس نوسيدا “نأمل أن تبقى بعض القوات التي تعتزم الولايات المتحدة سحبها من المانيا في أوروبا” مضيفا أن ليتوانيا “ستكون مسرورة باستضافة القوات الأميركية بشكل منتظم”.

وظهرت هذه الدعوات كاحتمال لصراع أو شرخ قد يتسبب به ترامب بين الدول الأوروبية، الامر الذي تحاول مبادرة ماكرون- ميركل للاستدانة لصالح الدول الأكثر تضررا من ازمة كورونا كعامل تقريب وتوحيد بعد الكثير من الازمات التي عصفت بالاتحاد الأوروبي وعرّاها اكثر وجود ترامب.

بكل الأحوال، أزمة ترامب مع ألمانيا لا يبدو أنها ستقف عند حدود سحب القوات من ألمانيا، إذ بدأت الانباء أيضا الأسبوع الماضي تتحدث عن مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأمريكي يسعى لتوسيع العقوبات على خط الغاز الروسي نوردستريم2 والذي يمس بدرجة كبيرة المانيا.

(سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 18/6/2020)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

«فيالق أفريقيا» تصل إلى النيجر: أميركا تُلفظ… وروسيا تتمدّد

محمد عبد الكريم أحمد   كما في الستينيات، حين كانت القارة الأفريقية حافلة بالتقلّبات الجيواستراتيجية الحادّة على خلفية انحياز دولها إلى المعسكرَين الشرقي أو الغربي، ...