| محمد نور الدين
لا تزال مجزرة زاخو في محافظة دهوك العراقية، والتي يعتقد الأكراد أنها استثارت اهتماماً عراقياً وعربياً لكون ضحاياها مِن العرب، تحوز اهتماماً وتفاعلاً في الأوساط السياسية والإعلامية التركية. وإذ يَعتقد بعض هذه الأوساط أن ردّ الفعل العراقي، وعلى الرغم من أنه لا يزال مضبوطاً، يؤشّر إلى نهج مختلف في التعامل، فإن تحذيرات تَبرز من أن ما حصل يمكن أن يعزّز الشرْخ بين أنقرة وبغداد، ويمثّل «نقطة انكسار لتركيا في العراق»، بينما يعتقد آخرون أن العلاقات بين الجانبين لا تزال متحكَّماً بها، وأنه لا يمكنها أن تسلك مساراً «انحدارياً» بسهولة
على رغم مواصلة تركيا عملياتها العسكرية في شمال العراق، منذ سنوات، وإعلانها مساحات واسعة من الأراضي العراقية «مناطق أمنيّة»، إلّا أن الهجوم الذي استهدف، أخيراً، منتجعاً سياحيّاً في منطقة زاخو التابعة لمحافظة دهوك، وسقوط ما لا يقلّ عن تسعة قتلى وعشرات الجرحى من المدنيين، أثار ردود فعل مختلفة، هذه المرّة. واكتفت الحكومات العراقية المتعاقِبة، لغاية الآن، بالوقوف متفرّجةً على ما يجري في شمال البلاد من استهدافٍ تركي لـ«حزب العمّال الكردستاني»، كما لو أن المعارك تجري في بلد آخر. أمّا مسؤولو إقليم كردستان، فَلَم يحرّكوا، من جهتهم، ساكناً، على اعتبار أن العمليّات تجري ضدّ فصيلٍ كردي معارض لحُكم الأسرة البارزانية، وهو ما يعطي دفْعاً لأنقرة لمواصلة هجماتها. لكن ما جرى في زاخو أربك حسابات تركيا، ولا سيما أن الواقعة قوبلت بشبه إجماع عراقي على التنديد بها، والمطالبة بإصدار قرار يُلزِم أنقرة بسحب قواتها العسكرية من كامل الأراضي العراقية، وأيضاً ببيان إدانةٍ أصدره مجلس الأمن الدولي، من دون أن يسمّي الجهة التي تقف وراءه، إذ اكتفى بالدعوة إلى تعاون الحكومتَين العراقية والتركية لتحديد المسؤوليات. بدوره، دان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الهجوم الذي قال إن الجيش التركي «لا يمكن أن يقوم بمثله».
ومن بين التعليقات الكثيرة التي صدرت في أعقاب الحادثة، رأى وهاب جوشكون، من جامعة دجلة التركية، في حديث إلى صحيفة «غازيتيه دوار»، أنه من الضروري جدّاً تحديد الجهة المسؤولة عن الهجوم، معتبراً أنه «إذا ثَبُتت مسؤولية تركيا، فإن العلاقات مع العالم العربي ستتوتّر حتماً». وتحدّث عن احتمالَين وراء هذا العمل: «إمّا خطأ استخباري، وإمّا تسلُّل إلى داخل الجيش». وبحسب جوشكون، تُبيّن المعلومات أن حصيلة الضحايا المدنيين للعمليات العسكرية في شمال العراق بلغت، في السنوات الأخيرة، 138 شخصاً، وهو «رقم كبير»، ولفت إلى أن وقوع العديد من القتلى المدنيين في صفوف الأكراد لم يُثِر ردّ فعل جديّاً، لكن سقوط هذا العدد من الضحايا من أصول عربية، يثير حفيظة العالم العربي. وقال جوشكون إن هناك «تنافساً شديداً بين تركيا والعراق يتمحور حول طبيعة الحكومة العراقية المقبلة، والهجوم على زاخو ربّما يفيد طهران في تنافسها مع أنقرة».
من جهته، وصف بلال صمبور، من جامعة يلديريم بايزيد، ما حصل بأنه «مجزرة»، ورأى أن رواية تركيا حول أن «العمّال الكردستاني» يقف وراء العملية، لم تَجِد صدىً كبيراً في الولايات المتحدة وروسيا وإيران والعراق، لافتاً إلى أن موقف بغداد مختلف هذه المرّة، إذ يمكن أن يبعدها أكثر عن الأتراك في المستقبل. وقال إنه «كان للسنّة والشيعة في العراق موقف شبه موحّد، فيما حرصت أربيل على عدم تأثير الحادثة على العلاقات بينها وبين أنقرة»، معتبراً أن حادثة زاخو ربّما تمثّل «نقطة انكسار لتركيا في العراق لفترة طويلة». وبخلاف صمبور، لا يعتقد بيلغاي دومان، منسّق دراسات العراق في مركز «أورسام» للدراسات الاستراتيجية، أن العلاقات التركية – العراقية تدهورت، كون البلدَين حريصَين على استمرارها. ووفق الباحث، هناك أطراف غير مرتاحة للعلاقات بين أنقرة وبغداد وتريد تعطيلها، ولكن «بعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ستمضي العلاقات أقوى من ذي قَبل، والحكومة العراقية تحتاج إلى تركيا أكثر من حاجتها إلى العراق».
لم يحرّك مسؤولو كردستان ساكناً، لأن العمليّات تجري ضدّ فصيلٍ كردي معارض لحُكم الأسرة البارزانية
من جانبه، شدّد السفير التركي السابق والنائب عن «حزب الشعب الجمهوري» الحالي، أونال تشيفيك أوز، على أن على تركيا توضيح الوضع حتى لا تبقى متَّهمة، فيما دعا «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي، البرلمان، إلى الاجتماع الفوري، واصفاً الهجوم على زاخو بأنه «روبوسكي الثاني»، في إشارة إلى هجوم لطائرات «إف-16» تركية عام 2011 على قرية روبوسكي الكردية في محافظة شيرناك، ومقتل 34 شخصاً. وقال نائب الحزب عن ديار بكر، هوشيار أوزصوي، إن تركيا تُواصل انتهاج سياسة الإنكار التي أصبحت سياسة الدولة، إلّا أن «ما يميّز هذه الحادثة عن سابقاتها، هو أن القتلى من العرب، وهو ما خلق توتّراً في العراق»، معتبراً أن أصل المشكلة هو «عسكرة القضيّة الكردية» في تركيا وخارجها، وغياب أيّ حلٍّ لها. ورأى أنه «إذا لم تتغيّر النظرة إلى القضيّة الكردية، ستستمرّ المجازر». أمّا الكاتب فهيم طاشتكين، فنبّه إلى أن نتائج العمليات العسكرية التركية في شمال العراق ليست كما هي معلَنة، إذ تمّ دفع تركيا إلى مواضع حسّاسة دبلوماسياً وتجارياً. وانتقد الكاتب المعارضة التركية، معتبراً أن وقوفها إلى جانب الحكومة في ما يتعلّق بالعمليات العسكرية خارج الحدود، يتطلّب منها تقييماً جديداً ومختلفاً.
وكتبت صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» الكردية، من جهته، أنه في وقت كان يُنتظر فيه ما إذا كانت قمّة طهران قد أعطت الضوء الأخضر لإردوغان ليهاجم شمال سوريا، حدثت المجزرة التركية في زاخو، مشيرةً إلى «أهميّة أن يكون القتلى من العرب، حتى ينتفض المجتمع العراقي والعربي، لأنه لو كان القتلى من الأكراد لما سمع بهم أحد». وانتقدت الصحيفة موقف قيادة إقليم كردستان الذي يرى أنه لولا وجود «العمّال الكردستاني» في شمال العراق، لَمَا هاجم الجيش التركي المنطقة، متسائلةً: «هل كان هناك حزب عمّال كردستاني عندما ارتكبت أنقرة المجازر بحقّ الأكراد في العشرينيات والثلاثينيات؟ أفضل ردٍّ على مجزرة زاخو هو مطالبة الجيش التركي بالانسحاب الكامل من شمال العراق».
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار