يفخر البشر كثيرًا بأدمغتهم. إذ نحب أن نعتقد أننا كائنات ذكية. وعلى الرغم من أن الحجم ليس كل شيء، إلا أن ذراتنا هي من أكبر الأنواع التي تقدمها الطبيعة.
وفكرة أن أدمغتنا تتقلص ليست فكرة نحبها. ولأكثر من أربعة عقود، تجاهل الخبراء في الغالب الفرضية التي طرحت مرارًا وتكرارًا من قبل مجموعة متماسكة من علماء الحفريات. والآن، يتم اختبار فرضية انكماش الدماغ مرة أخرى، حيث قال فريق من جامعة نيفادا بلاس فيغاس (NLV) «إنها لا تصمد أمام التدقيق».
وبدأ النقاش حقًا العام الماضي؛ عندما نشرت ورقة أعدها عالم الأنثروبولوجيا القديمة جيريمي دا سيلفا وزملاؤه، استنادًا إلى مقارنة الحفريات البشرية بالأنماط التطورية في مستعمرات النمل، فكرة أن الدماغ البشري قد تقلص في الحجم بنحو أربع كرات بينغ بونغ. وعلاوة على ذلك، زعموا أن هذا حدث قبل 3000 عام فقط، وذلك وفق ما نشر موقع «ساينس إليرت» العلمي المتخصص، نقلا عن دراسة جديدة نشرت بمجلة «Frontiers in Ecology and Evolution».
ومقارنة بالنظريات الأخرى، يقول بعض العلماء إن أدمغة البشر بدأت تتقلص في وقت ما بعد العصر الجليدي الأخير؛ الذي انتهى قبل حوالى 11700 عام.
وحددت ورقة دا سيلفا الخسارة بحجم الدماغ في وقت قريب من ظهور المجتمعات البشرية المعقدة.
وعلى هذا النحو، تم اقتراح تطوير دماغ أصغر لأنه يمكن الآن تخزين المعلومات كتابة أو توزيعها بين الآخرين في المجتمع؛ وبعبارة أخرى، فإن أدمغتنا لم تصبح أغبى لكنها أصبحت أكثر كفاءة.
وحظيت النظرية الجذابة باهتمام عالمي، لكن لم يقتنع الجميع بها، فيما يدعي فريق «UNLV» الآن بأنه اقتلع الفكرة بأكملها.
من جانبه، يقول عالم الأنثروبولوجيا بجامعة «UNLV» برايان فيلموار «لقد أعدنا فحص مجموعة بيانات دا سيلفا ووجدنا أن حجم دماغ الإنسان لم يتغير منذ 30000 عام، وربما لم يتغير في 300000 عام… في الواقع، استنادًا إلى مجموعة البيانات هذه لا يمكننا تحديد أي انخفاض في حجم الدماغ لدى البشر المعاصرين خلال أي فترة زمنية منذ نشأة جنسنا البشري».
وتستند النتائج إلى تحليل جديد للجماجم المتحجرة وضعه فيلموار وزملاؤه يختلف عن ورقة دا سيلفا بعدة طرق مهمة.
ومن بين 987 جمجمة حللها دا سيلفا وزملاؤه، هناك فقط 23 جمجمة تأتي من الإطار الزمني المهم لفرضية انكماش الدماغ. إلا ان مجموعة البيانات في الدراسة الجديدة أضيق بكثير لتجنب تحريف النتائج. إنه يركز على الإنسان الحديث من 300000 سنة الماضية فقط. وهذا لأن الباحثين في «UNLV» غير مقتنعين بأن كل ما يقرب من 10 ملايين سنة من تاريخ البشرية المبكر ذو صلة بحدث يُفترض أنه جرى قبل 3000 عام.
وحتى في الـ 300 ألف سنة الماضية، كانت معظم الحفريات البشرية المدرجة في تحليل «UNLV» مؤرخة في آخر 10 في المائة من السلسلة الزمنية، ومن الصعب العثور على الحفريات القديمة.
وللتعويض عن هذه المقارنة غير المتوازنة، شحذ الباحثون أحافير الجمجمة البشرية من الثلاثين ألف سنة الماضية على وجه التحديد، ما خلق توزيعًا طبيعيا أكثر.
وباستخدام نفس أساليب دا سيلفا في مجموعة البيانات التي تم شحذها حديثًا، لم يجد الباحثون نقطة تغيير مهمة في حجم الجمجمة البشرية عند أو ما يقرب من 3000 سنة مضت.
بدوره، كتب فيلموار وزملاؤه «بشكل عام، استنتاجنا هو أنه بالنظر إلى مجموعة البيانات الأكثر ملاءمة لسؤال البحث، كان حجم الدماغ البشري مستقرًا بشكل ملحوظ على مدى الـ 300 ألف عام الماضية… وبالتالي، فإن فرضيات التغيير الأخيرة لا تدعمها الأدلة».
ولم يرد دا سيلفا وزملاؤه بعد على الانتقادات الأخيرة؛ لكن ليس هناك شك في أنه سيكون لديهم ما يقولونه؛ ففي عام 2021، قال المؤلفون إنهم يأملون في أن يضع الآخرون فرضياتهم على المحك. ولقد حصلوا بالتأكيد على ما تمنوه.
سيرياهوم نيوز 6 الشرق الأوسط