السويد باتت مرآة لمحاربة المجتمع المسلم في الغرب، وهي تشهد دائماً أفعالاً استفزازية من اختطاف أطفال المسلمين إلى إحراق نسخ من المصحف الشريف، فما الأسباب وراء ذلك؟
لا يمكن إنكار حقيقة أنّ أحداث الحاضر والمستقبل امتداد لسلسلة مسارات في الماضي، خصوصاً فيما يخص السياسة والاقتصاد وبناء المجتمعات وثقافتها. ربما انعكاس هذه الحقيقة يمكن لمسه في المحاولات المستمرة لتحويل ما بات يعرف بـ”الإسلاموفوبيا” أو “رهاب الإسلام” من ظاهرة إلى “ثقافة”، وهو الفكر الذي عمدت جماعات وناشطين على إخمادها على مدار عقود، لكن الحركات اليمينية المتطرفة تحاول دائماً إشعال نار الفتنة والعنصرية، وآخرها كان في السويد، عندما أُحرقت نسخة من المصحف الشريف أمام مسجد ستوكهولم.
لعلّ هذا التصرف المسيء إلى الإسلام والمسلمين ليس الأول من نوعه في السويد؛ فلسنوات كانت هناك تحركات وإساءات فيها على وجه الخصوص، وفي دول غربية أخرى، لكن في السويد لم تكن الأمور مقتصرة على الشعارات والتحركات، إنما تشعبت ليكون جزءاً منها اختطاف أطفال المسلمين من أهلهم بذرائع مختلفة من بينها “القلق على مستقلبهم”.
أسئلة كثيرة تطرح حول هذا التوجه المعادي للإسلام، منها: لماذا إحراق المصحف واختطاف الأطفال والتضييق على المهاجرين ومحاربة المسلمين؟ لا شك في أن الأمور مزيج من عملية تهدف إلى تحديد البنية السلطوية والاجتماعية للدول الغربية بناءً على خلفية تاريخية تقف عند صراع الغرب مع الإسلام.
هنا، يمكننا الانطلاق في محاولة البحث عن أسباب الحرب ضد المسلمين في الدول الغربية مما كتبه المفكر السياسي الأميركي صمويل هنتنغتون في كتابه “صدام الحضارات”: “الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضع شك، وقد فعل ذلك مرتين”.
تعريف “الإسلاموفوبيا” وصناعته في السويد
في البداية، لا بد من الوقوف عند تعريف مصطلح “إسلاموفوبيا”، وهو الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم والتحامل عليهم، مما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب والتهديد والمضايقة والإساءة إليهم والتحريض عليهم، سواء في أرض الواقع أو في شبكة الإنترنت.
“الإسلاموفوبيا” هي نتاج تحوّلات عدّة على مستوى العلاقة التاريخيّة بين العالم الإسلاميّ والغرب من جهة، وعلى مستوى التحوّلات المعاصرة التي حصلت في المجتمعات الإسلاميّة، وفي داخل الدول الغربيّة نفسها، من جهة ثانية.
ظهر المصطلح مع بدايات القرن العشرين، لكنه في الممارسات كان موجوداً سابقاً. واستعمل علماء اجتماع فرنسيون هذا المفهوم لوصف رفض جزء من الإداريين الفرنسيين ومعاداتهم المجتمعات المسلمة التي كانوا يتولون إدارة شؤونها في زمن الاستعمار والانتداب، بعدما كانوا يعيشون ويندمجون مع المجتمعات المسلمة من أجل إدارة شؤونها إدارياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
ولا شكّ في أن مصدر الكراهية عنصري في الدرجة الأولى وثقافي ونفسي، وهو يعود إلى الخطاب الاستعماري السائد الذي ما زال مستمراً حتى اليوم، والذي يهدف إلى دحض المجتمعات المسلمة وإظهار أنها “همجية” و”وحشية” و”بعيدة عن الحريات”.
لذلك، فإن الماكينة الغربية رفعت وتيرة ترويجها وتحريضها ضد الإسلام منذ مطلع الألفية الجديدة بصورة لافتة. ومع السنوات، وفي ظل تعاظم قوة الدول المسلمة اقتصادياً وفكرياً، ووصول عدد كبير من المسلمين إلى الدول الغربية، كان لا بد من محاولة تشويه صورتهم.
توالت الحملات مع كل حدث عالمي، بداية من هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وصولاً إلى محاولة إظهار جميع المسلمين على هيئة “داعش”، وكان جزء من أهداف هذا العمل هو منع اندماج المسلمين وتقبلهم خشية وصولهم إلى السلطة في الغرب.
ممارسات كثيرة تعكس هذه الحرب على المسلمين بكل أبعادها، إذ تنامت الأعمال العدائية ضد المسلمين والعرب وبحق المساجد والمقابر التي تعرضت للتدنيس في أكثر من مناسبة، كما ظهرت مجموعات من شبان اليمين التي تعتدي بشكل منظم ومنهجي على المسلمين في شوارع وأزقة المدن الأوروبية كلما سنحت لها الفرصة، كما حدث في السويد مرات عدة.
الإساءات في السويد
آخر الإساءات المتطرفة كان في السويد، حيث يبحث المسلمون عن الاندماج في المجتمع، لكن الحركات المتطرفة، كما في فرنسا والنمسا وبولندا وهولندا وغيرها، تسعى إلى عدم حدوث ذلك، ومنها حركة “الخط المتشدد” أو “سترام كورس” المناهضة للهجرة والإسلام بقيادة راسموس بالودان الحامل للجنسيتين الدنماركية والسويدية.
اللافت أن هذه الحركة تفعل ما تشاء بحماية الشرطة، وهذا ما حدث في آخر إساءة إلى الإسلام، التي تجلت بإحراق نسخة من المصحف منذ أيام، بموافقة من الشرطة السويدية التي أعلنت سماحها بتنظيم تظاهرة يخطط منظمها لإحراق نسخة من المصحف الشريف خارج مسجد ستوكهولم الرئيسي.
وقد جاءت الموافقة بعد أسبوعين من رفض محكمة استئناف حظر كانت الشرطة قد أعلنته على التظاهرات التي تنظَّم لإحراق نسخ من المصحف الشريف، والمنفذ كان شاباً من أصول عربية. ربما لم تكن الأمور محض مصادفة، فهو “الرجل المناسب” لتوجيه رسالة مفادها “أنّ العرب يهربون من مجتمعاتهم المسلمة”.
اقرأ أيضاً.. جريمة إحراق المصحف الشريف.. لماذا تتكرر في أوروبا؟
في مرات سابقة، كان المسلمون في السويد يحاولون الخروج ضد هذه التصرفات، لترد عليهم الشرطة بعنف، وتدفعهم إلى الرد بالمثل، وهو ما تريده منهم: الظهور بصورة عنيفة في السويد، للترويج لصورة غير متوازنة عنهم، وتعزيز ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في المجتمع.
أما في البعد السياسي، فإن تنامي التيار المتغذي على “الإسلاموفوبيا” في أوروبا يدفع السويد إلى تبنّيه أيضاً، لأنه من وسائل الوصول إلى الحكم. لذلك، إنّ جريمة إحراق نسخة من المصحف تهدف إلى استفزاز المسلمين في السويد وإهانتهم وإذلالهم وإظهار الإسلام وسلطته في العالم ضعيفة غير قادرة على حماية مقدساتها (المصحف)، بهدف إدارة صراع طويل المدى، ما يقلل الهجرات المسلمة، ويبعد اللاجئين، ويفتح الباب أمام رحيل المسلمين.
اختطاف أطفال المسلمين
وفيما يخصّ اختطاف الأطفال، فإن نظام “السوسيال” أو الخدمات الاجتماعية يقوم بمخالفات، من بينها سحب أطفال المسلمين من منازل أهلهم بذرائع غير مقنعة. وقد وصل الأمر بهم إلى أخذ الرضع من المستشفيات من العوائل المسلمة.
يرى هذا النظام أن حديث الوالدين إلى ابنتهما مثلاً عن أهمية الاحتشام والترغيب في الحجاب يعدّ من “القهر الأسري”، ويصنفون تحذير الأسرة لأولادها من الزنا والخنا (الفحش في الكلام) والعلاقات المحرمة على أنها “جريمة شرف”، معتبرين أن ما يندرج تحت مصطلح “الشرف” في الثقافة الإسلامية هو “عدوان على الحرية الشخصية”.
تكشف المحامية سيو ويستربرغ، عضو اللجنة الإسكندنافية لحقوق الإنسان، بعضاً من خفايا نظام الخدمات الاجتماعية في السويد، وتنبّه إلى الجانب المالي في المسألة.
وفي حديثها إلى وكالة “الأناضول”، تقول ويستربرغ، المحامية الدولية التي كسبت 8 قضايا في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على الخدمات الاجتماعية السويدية، إنَّ السلطات “تختطف أطفال المسلمين، ولا تتقبل فكرة أن لدى المسلمين طرقاً أخرى للعيش”.
المسلمون في السويد.. تنامٍ يشعل المخاوف الغربية المتطرفة
وصول المسلمين إلى السويد كان تدريجياً؛ ففي البدايات، كانت الهجرة بالتزامن مع الحرب العالمية الثانية. أما موجة الهجرة الثانية، فكان الهدف منها البحث عن العمل، فقد هاجر الآلاف من الأيدي العاملة من تركيا وشمال أفريقيا وفلسطين والعراق ودول يوغسلافيا، وبدأوا بشكل رسمي بتدشين أول أقلية إسلامية في البلاد، فأقاموا الجمعيات والأندية التي تعكس هويتهم الدينية والاجتماعية.
في منتصف السبعينيات، تحولت الهجرة من عمالية إلى سياسية-إنسانية، فنزح إلى السويد أبناء لبنان وكردستان وبنغلادش وأوغندا وفلسطين، الذين هربوا من الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية ليستقروا في عدد من المدن، أبرزها يتبوري ومالمو وأبسالا.
عام 1975، تأسَّس أول اتحاد إسلامي في البلاد، ومقره مالمو (جنوباً)، وسمي “رابطة الجمعيات الإسلامية في السويد”، واكتسب شرعية باعتراف الحكومة السويدية، لتتواصل الهجرات من إيران والعراق وإريتريا وبلغاريا وتركيا وباكستان، ووصل عدد المسلمين في نهاية الثمانينيات إلى أكثر من 150 ألفاً.
وبحسب “المركز السويدي للمعلومات”، كان عدد المسلمين في السويد يبلغ ألف شخص عام 1966، لكنه وصل إلى 875 ألف شخص عام 2023، ليشكّلوا 8.5% من السكّان، إذ يبلغ إجمالي عدد السكان 10 ملايين نسمة.
هذه الأرقام، وإن دلت على شيء، فهي تدل على تعزيز المجتمع الإسلامي في السويد، ما قد يفتح له الباب في المستقبل للمطالبة بتمثيل في السلطة، وهو ما لن يسمح به الأوروبيون بشكل عام، والسويديون بشكل خاص، وخصوصاً المتطرفين منهم.
عام 2015، أغلقت السويد باب الهجرة، ووضعت قيوداً أمام المهاجرين، ما أدى إلى تعرضها لانتقادات دولية. تزامن ذلك مع تصاعد نفوذ اليمين المتطرف، وعلى رأسه حزب “ديمقراطيي السويد”، الذي اتخذ من مناهضة المسلمين واللاجئين شعاره الأبرز الذي يوظفه بين الحين والآخر لكسب دعم “الشعبويين”.
ولكي تبرر هذا التطرف، قالت الاستخبارات السويدية إن “التطرف” بات متنامياً بين المهاجرين، وادعت أن أعداد “المتطرفين” ارتفعت بنسبة 1000% في أقل من عقد، وأن أكثر من 300 شخص من السويد التحقوا بتنظيم “داعش” خلال السنوات الماضية، على الرغم من انسحاب 140 منهم من التنظيم لاحقاً.
ولتشريع ملاحقة المسلمين، قال رئيس الجهاز أنديرز ثورنبرغ إنه يجب مراقبة المتطرفين، وإذا صح التعبير المسلمين، خشية “تنفيذ هجمات ضد أهداف سويدية”.
وبعيداً من “دعاية التطرف”، فإنّ كلية الأمن السويدية قدمت تقريراً خاصاً للهيئة المدنية عن خريطة انتشار المسلمين وتمددهم الديموغرافي، كاشفةً أن عدد المسلمين تضاعف في أقل من 10 سنوات بمقدار 10 أضعاف.
وحذّرت الكلية من أنَّ الدعاة والدعوة إلى الإسلام سيؤدون إلى ارتفاع هذا العدد، وهو ما يشكل “خطراً على الديموغرافيا الوطنية مستقبلاً”.
المشكلات الاقتصادية في السويد.. المهاجرون سبب الأزمة؟
عام 2007، ارتفعت موجة “الإسلاموفوبيا” بالتزامن مع الأزمة المالية العالمية. وقد أخذ اليمين المتطرف يروّج لفكرة مفادها أنّ الهجرات من شمال أفريقيا والشرق الأوسط هي سبب الأزمة، وأن هؤلاء يحاولون سرقة الفرص من الأوروبيين، ويُكلفون الميزانية العمومية نفقاتٍ باهظة، وهي الفكرة نفسها التي رُوّج لها مع ازدياد النزوح السوري بسبب الحرب على سوريا.
في السويد، وبالتزامن مع الموجة المعادية للإسلام والتصرفات المسيئة إلى مقدسات المسلمين منذ مطلع العام الحالي، هناك مشكلات اقتصادية لم تعد تقتصر على التضخم، الذي وصل معدله، بحسب الأرقام الرسمية، إلى 10.5% في نيسان/أبريل الماضي، فالبطالة في تزايد، ومبيعات التجزئة في تراجع وسط الغلاء، إلى جانب ارتفاع معدلات الفائدة التي أضحت تمثل تهديداً لقطاعات حيوية.
لهذا، رفع البنك المركزي السويدي سعر الفائدة إلى 3.75%، وهو الأعلى منذ 15 عاماً. هذا التغير الاقتصادي سيكون له تأثير في الدول التي ترتبط شركاتها مع هذا البلد. إن رفع أسعار الفائدة في السويد مستمر منذ بداية العام الجاري، وذلك لمحاولة خفض التضخم ومستوى الأسعار وإبطاء الاستهلاك الذي وصل إلى مستويات قياسية.
بالعودة إلى الخطاب في الأزمة المالية العالمية والمشكلات الاقتصادية في السويد، لن يكون مستغرباً إذا ظهرت الحركات اليمينية المتطرفة لتعزو أسباب هذه الأزمة إلى تزايد عدد المسلمين في الغرب. كل هذا يصب في خدمة تهميش المجتمع المسلم في الغرب ومحاربته للحد من ازدياد حضوره الذي لا يشكل أي جريمة ضد الحريات ومحاولة السويد دعم موقفها من الدخول في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
سيرياهوم نيوز1-الميادين