مصعب أيوب
في بيت عربي أصيل فيه من العبق والدفء الشيء الكثير الذي طالما أضحى محجاً لكبار الفنانين والطبقة المثقفة أواسط القرن المنصرم، والذين منهم أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وأحمد شوقي، وضمن فسحة وسيعة من بيت الزعيم فخري البارودي بحي القنوات في دمشق أقيم أمس معرض (قتيبة في البارودي) ليضم مجموعة من أعمال الطبيب قتيبة الشهابي وبعض أعمال طلاب البارودي ضمن احتفالية مرور مئة عام على تأسيس جامعة دمشق.
تاريخ دمشق
في كلمة للصحافة بين وزير السياحة محمد رامي رضوان مرتيني أن الراحل قتيبة الشهابي غني عن التعريف، ولكن الأهم اليوم هو التوثيق لمراحل تاريخية مهمة وإحياء التراث المادي واللامادي ورسالة هذا الرجل المعطاء التي تنوعت بين التوثيق والتصوير والرسم لتاريخ دمشق بحقبها المختلفة عبر كتب غنية جداً تحدث عنها المختصون، وأكد أن كل ما نراه اليوم كنز مهم يفيد في الترويج السياحي الذي يستند أساساً للحضارة الإنسانية ومقوماتها من ذاكرتنا وتاريخنا ومن كل العصور وصولاً إلى يومنا الحالي ويفيد أيضاً هذا التوثيق للطلاب الأكاديميين لمعاينة دمشق تاريخياً وغوطتها ونهر بردى وأبنيتها التاريخية وكيفية التعامل معها من خلال المقارنة بين قبل وبعد ولدينا عمل كبير لدى الجهات العامة لإنقاذ ما تبقى وإعادة إحياء بعض الأماكن التاريخية إضافة للجهود الكبيرة التي بذلت قبل الحرب الإرهابية على سورية بدمشق القديمة وحلب القديمة وقد آن الأوان لصون وحفظ ما تبقى وتعميم التجربة على كل المناطق في الجمهورية العربية السورية.
تراث مادي
من جانبه محافظ دمشق محمد طارق كريشاتي أفاد أن المعرض مهم جداً لأنه يضم مجموعة لأعمال وتوثيقات الدكتور قتيبة الشهابي الذي يحوي العديد من كتبه ومؤلفاته والصور التي التقطها بنفسه ووثقها، ونحن في محافظة دمشق نوليها أهمية كبيرة جداً ولكثير من الأماكن التي نستطيع ما أمكننا أن نحافظ عليها وعلى تراثنا المادي والذاكرة التاريخية لبعض الأماكن المهمة في مدينة دمشق.
احتفاء بالمتميزين
وفي تصريح لـ«الوطن» أكد رئيس جامعة دمشق د. أسامة الجبان أن الدكتور الراحل قتيبة الشهابي كان أستاذاً عظيماً في كليات طب الأسنان والعمارة والفنون الجميلة، وقد قدم الشيء الكثير لدمشق، ومن واجبه علينا في جامعة دمشق أن نحتفي بقامة وشخصية عظيمة جداً كالدكتور قتيبة الشهابي، وركز الجبان على أن المعرض يوثق الكثير من الحياة في دمشق ومن الطراز المعماري الدمشقي المميز الذي قد تم توثيقه من خلال العديد من الأعمال المميزة للدكتور قتيبة الشهابي، ونحن في جامعة دمشق نخطو خطوات متتابعة في الاحتفاء بالمميزين في الاختصاصات كافة وسنقوم قريباً بفعاليات متنوعة وعديدة هنا في بيت فخري البارودي.
جهودٌ كبيرة
وقد بينت المهندسة يارا توما أن المعرض يقام بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس جامعة دمشق ونحن نعتمد على الدكتور قتيبة الشهابي كمرجع مهم في أثناء الدراسة في ماجستير الترميم وإعادة التأهيل الذي تعود مرجعيته لكلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق، ونحن بطبيعة الحال نتطرق إلى أعماله ومنشوراته ومؤلفاته، وعندما حصلنا عليها بإهداء من زوجته الكريمة وبعد أن نظمناها وفرزناها وبذلنا مجهوداً كبيراً قررنا مؤخراً أن نقيم هذا المعرض.
قاعات غنية
وتابعت توما: لعله لا يخفى على أحد أن إقامة مثل هذه الفعاليات والمعارض تحتاج إلى تمويل ودعم مادي وهذا ما تلافيناه، وبمناسبة العمل التطوعي في الخامس من كانون الأول طلبنا من الطلاب التطوع ولم يتردد أحدهم في ذلك، إضافة إلى بعض الأساتذة أيضاً، ونحن قمنا بجولة على كل غرف وأقسام البيت، وكل ما نراه هنا هو من صنعنا ومجهودات جماعية ومبادرات تطوعية، فضم المعرض ما يقرب من الـ300 لوحة في 7 قاعات وقد ضمت القاعة الأولى قصة حياة الراحل قتيبة الشهابي والزعيم فخري البارودي وبعض أعمالنا، والقاعة الثانية تحوي ذكريات الشهابي خلال فترة الثمانينيات والسبعينيات وهي مجموعة صور وذكريات جميلة، والقاعة الثالثة تتضمن صوراً لبعض المقارنات لصور التقطها الشهابي خلال القرن الماضي وصور من صورنا في الوقت الحالي ومضاف إليها التعديلات التي طرأت على المنطقة عمرانياً، وفي القاعة التي تليها وضعنا بعض الصور عن المهن والحرف اليدوية التي وثقها وصورها الشهابي لبعض عناصر التراث اللامادي السوري، ولعل أهم القاعات هي تلك التي تضم صورة من تصوير الراحل قتيبة الشهابي لإحدى المدارس أو الأماكن التاريخية والجوامع مع توثيق هندسي ومخططات للطلاب، وفي قاعة دمشق العتيقة تضم «ماكيت» عن دمشق داخل السور وفيها أهم المنشآت وفيها أهم المنشورات عن قتيبة الشهابي، والقاعة الأخيرة المسماة قاعة تفاصيل فيها شكل باب ومشربية ودقاقة الباب، ولعل أهم الأشخاص والبيوت ككل التي من الممكن أن يضمها هذا الكنز القامة الثقافية الكبيرة والعروبي والقومي فخري البارودي.
مكتبات فريدة
من جانبها عميد كلية الهندسة المعمارية د. ريدا ديب صرحت لـ«الوطن» أن الفكرة جاءت من الهدية التي تقدمت بها زوجة الراحل قتيبة الشهابي لكلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق لبرنامج ماجستير الترميم وإحياء المباني ونتيجة أهمية هذا الماجستير ولأن دمشق القديمة تعد مرجعاً مهماً فكان لا بد من توثيق جميع الصور التي صورها ونحاول أن نقارن ما حصل في دمشق اليوم وما كانت عليه سابقاً.
وأكدت ديب أن التوثيق يعد من أهم عناصر الإحياء وهذه العملية مهمة بالنسبة لمن يعمل في هذه المهنة لنجاح إعادة الإحياء، وأن تقدم للكلية هذه الوثائق يعد نوعاً من الكنوز، والكنز بحاجة للإعلان عنه وأن نقول أنا بت أملك هذا النوع من الوثائق وبالتالي ما يأتي من دراسات في الفترة المستقبلية نتيجة حصولك على هذه المكتبات الفريدة يدعو لأن تكون دراسات فريدة وموثوقة وبالتالي يستحق أن نقيم له معرضاً ونعلن هذا الإعلان، وأنا أتقدم بالشكر الجزيل للأشخاص القائمين على هذا المشروع والذين منهم الأستاذ ياسر الجابي والمهندسة يارا توما والأستاذ أمين صعب والأستاذ أحمد قويدر والدكتورة رهف كركوكي وكل ذلك بمباركة ميمونة من الدكتور أسامة الجبان رئيس الجامعة وتشجيع منه لإنجاح هذا المعرض.
توصيف وتوثيق
من جانبها الصديقة المقربة من عائلة الدكتور قتيبة الشهابي سوسن الزعيم نوهت بأن الراحل الشهابي كان من الأشخاص المحببين والذين كان لهم أياد ماهرة بتوصيف دمشق وتوثيق كل ما خصها من المسكية إلى الأضرحة إلى الصرح المهم بدمشق وكل ذلك وثقه الشهابي بالصوت والصورة مستخدماً معدات احترافية ومهمة ويتنقل شخصياً على أرض الواقع، إضافة إلى مجهوده الكبير في دمشق بتسمية الحارات وعرف بأسماء الكتاب والمجاهدين الذين زينوا جدران دمشق، وشددت الزعيم على أن زوجة الراحل الشهابي كانت اليد المساعدة دائماً له والتي تدعمه وتقدم له كل العون وتسهر ليلها بصحبته ليترك لنا إرثاً وفناً من الصعب تكراره.
لقطات متميزة
الطالبة في برنامج الدراسات العليا في كلية الهندسة المعمارية ريما عربش بينت أنها اشتغلت على نموذج من بيت اليوسف لتوثق إحدى القاعات وقدمت الماكيت التي هي نماذج من دمشق القديمة في المعرض، وأفادت أن عدداً من زملائها أنجز أيضاً بعض الأعمال التي منها نماذج عن أبواب ونوافذ وأثاث منزل قديم وقد تم توزيع هذه الأعمال في القاعة مع الصور التي نسقها الراحل قتيبة الشهابي مع ما استطعنا أن نستلهمه من منجزاته وأعماله وتوثيقاته، ولاسيما أنه كان يأخذ لقطات متميزة ويختار الأماكن المهمة في دمشق ويصورها ونحن تابعنا في هذه المسيرة وقمنا بإعادة تجسيد تلك الأماكن التي صورها ووثقها بطريقة هندسية معتمدة على الأرقام وآمل أن نكون قد أصبنا وحققنا شيئاً مهماً ومتميزاً.
أعمال مهمة
كما لفتت المقربة من عائلة الشهابي رشا نيرزو أن الاحتفاء بالراحل يشعرنا بالفخر والسعاد الكبيرة التي لا توصف ولاسيما أنه يجسد أعمال الشهابي بعناية وبدقة كبيرة وهو ما يمكن وصفه بالشيء الجميل جداً، مبينةً أن الأعمال التي قدمت في المعرض على درجة عالية من الأهمية وربما ستنال إعجاب الأغلبية العظمى من الحضور، وركزت نيرزو على أن الشهابي كان إنساناً لطيفاً ومتعاوناً ويمد يده للخير ويهتم بشكل كبير في التوثيق والتصوير، إضافة إلى اجتهاده ونشاطه الكبيرين وتميزه في عدة اختصاصات.
بطاقة تعريفية بالراحل
حمل قتيبة الشهابي دكتوراه في جراحة الفم والأسنان من لندن بتخصص التصوير الضوئي وله العديد من المعارض الفنية والتشكيلية في سورية وخارجها، كما أنه عضو هيئة تعليمية في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق حتى 1994 وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين وأستاذ التشريح الفني في كلية الفنون الجميلة وله الكثير من المؤلفات في التراث والتاريخ والآثار ومنها: أبواب دمشق وأحداثها التاريخية، مآذن دمشق تاريخ وطراز، طريف النداء في دمشق الفيحاء، عباقرة وأباطرة من بلاد الشام، تاريخ ما أهمله التاريخ، وغير ذلك وقد توفي الشهابي عام 2008 عن عمر ناهز 73 عاماً أمضاها في العلم والعطاء.
سيرياهوم نيوز1-الوطن