الرئيسية » يومياً ... 100% » خبراء الفيس بوك!!

خبراء الفيس بوك!!

 

 

علي عبود

 

لو استعرضنا عدد “الخبراء” والمحللين الإقتصاديين والسياسيين والإستراتيجيين في سورية لاكتشفنا إننا من أغنى دول العالم في الإختصاصات بمختلف مسمياتها ومتدرجاتها وأنواعها، بل لانبالغ ان قلنا انها تحولت إلى (برستيج علمي) حينا، وإلى مهنة من لامهنة له في أغلب الأحيان.

وقد ساعدت الفيس بوك الأكثر إنتشارا في سورية بظهور كم كبير من “الخبراء” الذين لديهم يوميا تقريبا مقترحات للحكومة يزعمون إنها المنقذ للإقتصاد السوري، والمدخل لتحسين أوضاع السوريين.

يقوم الواحد من هؤلاء، وما أكثرهم، بإنشاء صفحة على الفيس، ويبدأ بمهاجمة المؤسسات العامة لأن العاملين فيها سذج لايفقهون شيئا في قضايا البلاد والعباد، ويتبرعون بمقترحات “مجانية” للحكومة إن لم تأخذ بها فهي جاهلة لاتكترث بالأذكياء والعباقرة، وإنما بالجهلة والأغبياء..الخ.

وبما أن الشغل الشاغل لغالبية خبراء الفيس إثارة اهتمام أكبر عدد من متصفحي الفيس، ولإدراكهم بأن الكثير من المواقع الألكترونية تلهث وراء (السكووب) و اللامألوف وخاصة مايتعلق بأمور تُنغّص حياة السوريين، فإنهم ينشرون كخبراء ومحللين ومنظّرين مقترحات يومية تقريبا، أقل مايُقال فيها أنها “هراء بهراء”، كي تتحول إلى حديث الناس والمواقع الإخبارية..الخ.

باستثناء قلة من أساتذة الجامعات الموثوقين، والذين لهم باع طويل في تقديم مقترحات ودراسات ورؤى علمية يمكن أن تستفيد منها أيّ حكومة، وخاصة أنهم يطرحونها في كل الندوات وورشات العمل المتخصصة، فإننا لم نسمع أن لدى “خبراء الفيس بوك” أيّ كتب أو دراسات علمية في أيّ مجال، ومن يحمل منهم لقبا، فربما إنجازه الوحيد رسالة الماجستير أو الدكتوراة!

حسنا، إذا كان “خبراء الفيس” من الأفذاذ والعباقرة، لماذا لا “تشفطهم” المؤسسات الإقليمية والدولية، أو الدول الغربية من سورية كي تستفيد من خبراتهم الفذة ودراساتهم ورؤاهم الإستراتيجية، بدلا من تقديمها مجانا لحكومة ليس لديها الوقت حتى لقراءتها !!

ومن الخطورة بمكان أن ينبهر بعض أساتذة الجامعات بألقاب (الخبير والمحلل الإستراتيجي، ومدير مركز..) متخليا عن لقبه العلمي الغني عن أيّ “بهارات” إعلامية، إذ يكفي لقب (مدرس مادة كذا .. في جامعة..) كي يثق المتلقي بما يصدر عنه من آراء ومقترحات، وخاصة من شغل موقعا حكوميا عاما أوفي مؤسسة دولية..الخ.

من السهل جدا على أيّ مواطن وليس من ينتحل صفة “الخبير” فقط أن يقدم إقتراحات سواء كانت اجتهاد شخصي أو نقلا عن تجربة مطبقة في دولة أخري تدغدغ مشاعر ملايين السوريين، لكنها تبقى “سريالية” أيّ غير قابلة للتطبيق، في أيّ بلد.

مثلا، مامن أحد إلا ويعرف جيدا أن دخل ملايين السوريين الشهري لايكفي الأسرة سوى لبضعة أيام، ولكن كم عدد الخبراء الذين اقترحوا حلولا عملية لهذا المأزق الحياتي يمكن تنفيذها على الأمد القصير أو البعيد؟

أليس ملفتا أن يكون لعدد من أساتذة الجامعات وغرف الصناعة والزراعة والنقابات مثل هذه الحلول مقابل مقترحات “سيريالية” أو (هراء بهراء) لايملّ “خبراء الفيس” من إتحافنا بها على مدار الساعة؟!

ربما الإنجاز الوحيد لهؤلاء أنهم نجحوا بتحريض آلاف الشباب على تفجير مواهبهم بالسبّ والشتم والتحقير والتنمّر على إدارات ومؤسسات الدولة، مقدمين أنفسهم كمنقذين للبلاد والعباد؟!

وبدلا من أن يوضح بعض “الخبراء” مثلا أن الحل لم يكن أبدا على مدى العقود الماضية بزيادة في الرواتب والأجور، فإنه يتجنب التوضيح لأنه سيجلب له الإنتقاد والسخرية من المتابعين، لذا يتجاوب مع الأمنيات والأوهام ويُدغدغ غرائز الناس المكتوية بنار الغلاء فيطالب بزيادة الراتب بما لايقل عن 50 ضعفا!!

طبعا هذا “الخبير” يعرف جيدا أن مثل هذه الزيادة مستحيلة لأنها تعني رفع كتلة الرواتب والأجور من 4580 مليار ليرة في موازنة 2024 إلى 229 الف مليار ليرة ، أي أكثر من 6.45 أضعاف موازنة 2024 البالغة 35500 مليار ليرة!!!!

نعم، هناك خبير يتقصّد إثارة إعجاب المتابعين الذين لايكفيهم دخلهم سوى لثلاثة أيام ، وبالمقابل هناك خبير يقترح على الحكومة دعم مشاريع اسروية كفيلة بتأمين احتياجاتها من سلع أساسية مع دخل يتيح لها تلبية احتياجاتها الأخرى، وشتان مابين هذين النوعين من الخبراء!

الكل متفق على أنه ليس للحكومة رؤيا إقتصادية واستراتيجية سواء بأمد قريب أو متوسط أو بعيد، وبأن كل قرارتها زادت من بؤس الناس وتقهقر الإنتاج، وبالتالي ماالإضافة التي يتحفنا بها “خبراء الفيس” لمواجهة هذا الإستعصاء؟

نحن هنا اما مع خبير يسهب بشرح الواقع ، أوخبير يتفنّن بتقديم مقترحات لاتستند إلى الواقع وتطبيقها من المستحيلات، بل وبعضها يسبّب الخراب، مقابل قلة من الخبراء لاتتوقف عن وصف العلاج بآليات يمكن لأي حكومة جادة تنفيذها دون تكبيد خزينة الدولة الكثير من الأموال، ومردودها المادي مجزٍ لآلاف الأسر السورية في أمد لايتجاوز السنة الواحدة.

بالمختصر المفيد: لاتتابعوا “خبراء الفيس”، لأن شغلهم الشاغل إثارة غرائزكم بآراء ومقترحات خلبية، فأي زيادة للرواتب لن تكفي أي عامل بأجر لحياة كريمة، فما من حكومة، أي حكومة قادرة على منح زيادة تتجاوز موازنتها بعدة أضعاف، فالحل بالإعتماد على مشروع اسروي صغير أومتناهي الصغر، وهذا مااكتشفته آلاف الأسر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، واكتشفت أن الفيس بوك منصة مجانية لتسويق منتجاتها بدلا من التسلي بمقترحات خبراء الفيس “الخنفشارية”!!

(موقع سيرياهوم نيوز-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عندما تزغرد رصاصات الكرامة…

  بقلم د. حسن أحمد حسن بوركت يمينك أيها الماهر القاهر أعداء الله والإنسانية… بورك حسبك ونسبك وأصلك ودماء النخوة والشهامة والإباء التي تجري في ...