في اللحظة التي تقرأ فيها هذه الكلمات، هناك من يراقبك، ليس شخصاً يقف خلفك، بل خوارزمية صامتة تسجل كل نقرة، كل بحث، وحتى لو دعابة عابرة تكتبها لصديق.
إن أكثر من ثلاثة ملايين مستخدم، ربما أنت، أو أمك، أو طفلك، وجدوا بياناتهم الحساسة في أيدي السلطات الأمريكية بين 2014 و2024، بمساعدة عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل وميتا وآبل.
مرحباً بك في عالم لم تعد فيه الخصوصية ملكك، بل سلعة تُباع لمن يدفع أكثر، وكل ما تحتاجه هو لحظة غفلة واحدة لتصبح الضحية التالية.
كيف تُجمع البيانات؟
أدوات التتبع في جيبك
تخيل أن كل خطوة تقوم بها على الانترنت تترك خلفها بصمة رقمية، كأنك تسير على رمال تُسجل آثارك، هكذا شركات التكنولوجيا الكبرى مثل جوجل وميتا وآبل لجمع بياناتك، والأدوات التي تستخدمها هذه الشركات ليست معقدة، كما تبدو، هناك ملفات تعريف الارتباط – أو “الكوكيز”، وهي ملفات صغيرة تُزرع في جهازك لتتذكر ما تفضله، من المواقع التي تزورها إلى المنتجات التي تشاهدها.
ثم تأتي تحليلات السلوك، التي تراقب كيف تتفاعل مع التطبيقات، مثل الوقت الذي تقضيه في تصفح إنستغرام أو الفيديوهات التي تتخطاها على يوتيوب، وتتبع الموقع، الذي يعرف مكانك بدقة سواء كنت في مقهى أو في منزلك، بفضل هاتفك الذكي.
لماذا تُسلم هذه البيانات؟
الحكومات تضع يدها على كنزك الرقمي
إذا كنت تتساءل لماذا تتخلى شركات مثل جوجل وميتا عن بياناتك بسهولة، فالجواب يكمن في كلمة واحدة: الحكومات، وبخاصة الحكومة الأمريكية، حيث إنها تملك أدوات قانونية مثل قانون “كلاود”، الذي أُقر في 2018، لتجبر هذه الشركات على فتح أبواب خزائنها الرقمية.
هذا القانون يسمح للسلطات باستدعاء بياناتك، سواء كنت في نيويورك أو دمشق، طالما تخضع الشركة للقضاء الأمريكي.
والنتيجة.. أرقام تُصيب بالذهول، الطلبات الحكومية لجوجل قفزت بنسبة 530%، ولـميتا بنسبة 675% بين 2014 و2024، حسب تقرير “بروتون”، هذه ليست مجرد زيادة، بل انفجار في الرغبة بمراقبة كل شيء.
في العام الماضي وحده، تلقت هذه الشركات 500 ألف طلب من الوكالات الفيدرالية الأمريكية، مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي، وهو عدد يتجاوز ما جمعته دول تحالف “العيون الـ14” مجتمعة، والتي تضم الدول التالية: “الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، كندا، أستراليا، نيوزيلندا، فرنسا، الدنمارك، هولندا، النرويج، ألمانيا، بلجيكا، إيطاليا، إسبانيا، السويد”.
وهذا التحرك لم يعد يُظهر الشركات كمجرد مقدمي خدمات، محرك بحث هنا، أو تطبيق دردشة هناك، بل كشركاء فعليين في شبكة المراقبة الرقمية، وإن الوكالات الفيدرالية قد تحولت إلى زبائن دائمة، حيث تعتمد على هذه الشركات لتحويل كل نقرة وموقع جغرافي إلى ملف يمكن استغلاله.
إن الخصوصية؟ لم تعد مجرد كلمة تُكتب في شروط الاستخدام، بل أصبحت حلماً بعيد المنال في ظل هذا التعاون المظلم.
ماذا يعني هذا لك؟..
حياتك تحت العدسة
توقف لحظة وفكر: كيف تبدو حياتك اليومية إذا كان كل شيء تفعله مراقباً؟ عندما تفتح هاتفك للبحث عن شيء، أو ترسل رسالة لصديق عبر واتساب، أو حتى تلتقط صورة لأطفالك، أنت لا تفعل ذلك بمفردك، بل هناك عين رقمية ترصدك.
إن هذه الممارسات التي تقوم بها شركات مثل جوجل وميتا وآبل، والتي تُسلم بياناتك للسلطات، تعني أن خصوصيتك لم تعد ملكك، كل نقرة، كل موقع تزوره، وحتى اللحظات التي تعتقد أنها خاصة، يمكن أن تُحفظ في ملف بعيد عن عينيك.
تخيل أن صورك العائلية التي التقطتها، تلك اللحظات المليئة بالذكريات، قد تكون الآن جزءاً من قاعدة بيانات حكومية، تُحللها خوارزميات أو تُستخدم في تحقيق لا تعرف عنه شيئاً.
هذا ليس خيالاً بل هو واقع يواجهه ملايين الأشخاص يومياً، بينما تستمتع بحياتك، تتراكم بياناتك لتصبح أداة في يد من لا يهمهم سوى المعلومات، سواء للإعلانات أو المراقبة.
ما يجعل الأمر أكثر ألماً هو أنك، بكل بساطة، لا تملك خياراً كبيراً للهروب من هذا الفخ الرقمي، فمن منا يستطيع العيش من دون هاتف أو الانترنت اليوم؟
اخبار سورية الوطن 2_الثورة