الرئيسية » كتاب وآراء » بين أيّارَين: هذه حقوقنا وهذه مهامنا

بين أيّارَين: هذه حقوقنا وهذه مهامنا

| علي حمية

عشيّة الذكرى الرابعة والسبعين لـ«يوم النكبة» (15 أيار 1948)، تنتفض فلسطين، كلها، بساحلها وسهلها وجردها والهضاب، ببحرها ونهرها وجليلها وغزّة وما بعدها وما حولها من بقاع ممتدّة مدى العين، تنتفض فلسطين، كما لو أنها تنتفض، لأول مرّة، على وقع «صواريخ العطّار» ترافقها أهازيج الفتية وزغاريد النسوة وأصوات المكبرين، مهدّدة، بالزوال والمحق، كيان العدو الذي يهتزّ، مترنحاً، ذات اليمين وذات الشمال، قارعاً ناقوس الخطر في إشارة إلى العاصفة التي تتهدّده قبل أن ينهار، تماماً، فوق رؤوس لاجئيه ويتحول إلى مجرد حكاية بليدة ممجوجة.

هذا يحدث، اليوم، في شهر أيار 2022، أمّا في أيار 1948، فثمة شبان دافعوا باللحم الحيّ، تارة، وبسلاح قديم وذخيرة قليلة، تارة أخرى، عن مدنهم وقراهم ومنازلهم، تدعمهم مجموعات من المتطوعين من سائر بقاع الوطن السوري، وبذل الجميع جهوداً عظيمة ولكنها لم تكن كافية لإيقاف الاستيطان الصهيوني وإبطال مشروع الدولة اليهودية الغازية.
إلى أولئك الشبان والمتطوعين، يوم ذاك، ثمة حكومات وأنظمة: بعضها تواطأ مع الغازي الجديد فمنع التطوع وحجب المساعدات عن المجاهدين على جبهات القتال، وبعضها دخل الحرب طمعاً في حبة تراب من فلسطين، وبعضها وقف موقف المتفرّج في انتظار ما سينجلي عليه الموقف. هكذا دخلت بعض الجيوش أرض فلسطين عام 1948 ولكن دخولها الحرب لم يغيّر من المسألة الفلسطينية غير ما سمّاها أنطون سعادة، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، يومها، «الناحية السورية»، فكل ما حدث هو أن المنطقة التي كانت لا تزال سوريّةً في فلسطين قد تجزّأت بين السوريين والمصريين، إذ احتلّ الجيش المصري جزءاً مهمّاً من جنوب فلسطين واستولى على منطقة النقب الغنية بالنفط، وجرت مفاوضات لجعل ملك الأردن (عبدالله)، الحجازي الأصل، الذي أعلن ضمّ الضفة الغربية لنهر الأردن إلى إمارته تحت مسمّى: «المملكة الأردنية الهاشمية»، لجعله يتنازل لابن سعود (عبد العزيز) عن العقبة السورية فتخسر سورية العقبة وتتقلص شواطئها عند البحر الأحمر. إن الجيوش التي دخلت فلسطين عام 1948 لم تدخل لتحرّر فلسطين بل لتستولي على ما تبقى من فلسطين!

هكذا، هو المشهد اليوم: من جهة، شعب بأكمله ينتفض ضد المحتل زارعاً الرعب بين مستوطنيه، عازلاً مناطق بأكملها عن سيطرة جيشه، مستعيداً، لأول مرّة، زمام المبادرة في قرى ومزارع كان، لعقود طويلة، يحسب نفسه غريباً عنها، بل لاجئاً فيها، بإرادة العدو، لا بإرادته هو. ومن جهة أخرى، نجد حكومات عربية وخليجية، تحديداً، بعضها طبّع سرّاً، منذ سنين، وبعضها يطبّع، اليوم، في احتفاليات مهينة، وينغمس جهاراً، مع العدو، في علاقات اقتصادية وأمنية وسياحية وديبلوماسية، ويفتتح، بوقاحة ما بعدها وقاحة، «حارات» و«كنيس» و«أسواق تجارية» على امتداد إماراته ومشيخاته: كاراخانات كانت، لفترة قريبة، سرّية، وما لبثت فصولها تتكشف، يوماً بعد يوم، فاضحة زيف «عروبتهم» و«إسلامهم».
إذ نستعيد كلمات سعادة ومواقفه، على امتداد المرحلة التي سبقت إعلان اغتصاب فلسطين عام 1948 وشهدت اغتصابها ورافقت محاولات استرجاعها وتحريرها، والتي يتردّد صداها، اليوم، في القدس واللّد والرملة وغزة وسائر فلسطين، فإننا، كمواطنين متمسكين بالعودة إلى فلسطين وطرد المغتصب منها، ندعو إلى ما حالت الإرادات الأجنبية وأذنابها دون الدعوة إليه في الماضي وما لا تزال تحاول الحؤول دون الدعوة إليه في الحاضر، ندعو الأحزاب السورية في مشرق المتوسط، القومية و«الكيانية» الهويّة، بالسواء، إلى عقد مؤتمر مستعجل تُقرّر فيه إرادة الأمة وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها، وندعو السوريين، على امتداد الجغرافية السورية في الهلال الخصيب، إلى نبذ الحزبيات الدينية والتآويل الطائفية البغيضة، تلك الحزبيات التي أوّلت الدين تأويلاً فاسداً وقالت غير ما قال الله. وندعو العالم العربي إلى تأييد سيادتنا على أرضنا وحقنا في وطننا. كما ندعو الدول الكبرى إلى احترام حقنا في الحياة والحرية والاستقلال والتقدم. وندعو دول جوار فلسطين كافة إلى إزالة نظام جوازات السفر والفيزا وما إلى ذلك من معوقات العبور والترانزيت في ما بينها وبين فلسطين، لكي يُصبح في مقدور كل لبناني وكل شامي وكل أردني وكل عراقي وكل كويتي وكل قبرصي أن يدخل فلسطين، مجاهداً كان أو سائحاً، كلما شاء، ولكي يصير في مقدور كل فلسطيني أن يدخل كل دولة من هذه الدول، عابراً أو متجولاً أو سائحاً أو عاملاً أو مقيماً، موسمياً أو بشكل دائم. بحرية تامة.

إننا، كمواطنين متمسكين بالعودة إلى فلسطين وطرد المغتصب منها، ندعو إلى ما حالت الإرادات الأجنبية وأذنابها دون الدعوة إليه في الماضي

أيها المجاهدون في محور المقاومة: في الذكرى الرابعة والسبعين لاغتصاب فلسطين، ها هي كلمات سعادة تؤكد، باسمكم، للقاصي والداني، للقريب والغريب، للصديق والعدو: «أن كارثة فلسطين مسؤولة عنها سياسة الخصوصيات والحزبيات الدينية والعشائرية، وأن الأمة السورية هي وحدها صاحبة الحق الطبيعي والشرعي في فلسطين، وأنه ليس لغيرها أن يقول الكلمة الأولى والأخيرة في مصيرها». ليس لبريطانيا أن تقرّر مصير فلسطين، وليس لروسيا أن تقرّر مصير فلسطين، وليس للولايات المتحدة الأميركية أن تقرّر مصير فلسطين، بل ليس لمصر والسعودية أن تُقرّر مصير فلسطين. ليس من حقّ «جمعية الأمم المتحدة» كلها أن تفرض على الأمة السوريّة مقررات تنزع سيادة الأمة عن وطنها أو حقها في الحياة. إن كل مقررات أنترناسيونية تخالف إرادة الأمة السوريّة وحقها في تقرير مصيرها ومصير وطنها، بملء حريتها، هي مقررات باطلة. وأن عمل «الجامعة العربية» ومقرراتها يجب أن يخضع أيضاً لهذا المبدأ عينه، فليس من حق الجامعة العربية إلغاء سيادة الأمة السورية على نفسها ووطنها، وليس من حقها إقرار ما ترفضه الأمة السورية أو ما لم يُتح لها إعلان إرادتها الحرّة فيه.

اليوم، بعد مرور أكثر من 70 عاماً على نكبة 1948، ومع ازدياد الوعي القومي بقضايا الأمة وانكشاف معادلة الأصدقاء والأعداء، بوضوح ما بعده وضوح، على الصعيد القومي والعربي والدولي، واحتلال المقاومة، فصائل ومحوراً، موقعاً متقدماً، بل حاسماً، في إدارة الصراع ضد العدو الصهيوني وحلفائه من عرب مطبّعين وقوى إقليمية ودولية، فإن المطلوب، الآن:
– فلسطينياً: إن «السلطة الوطنية الفلسطينية» مطالبة بإعلان الاتفاقيات والتفاهمات وكل أشكال التنسيق القائمة مع العدو الصهيوني، باطلة وغير شرعية، ومطالبة، أيضاً، باستعادة دورها في الصراع مع هذا العدو.
– أردنياً: إعلان «اتفاقية وادي عربة» وما بُني عليها، لاحقاً، اتفاقية باطلة، و«تحرير» مياه نهري الأردن واليرموك و«سدّ الوحدة» من الهيمنة والتعديات الصهيونية.
– مصرياً: رفع الحصار عن غزة وجنوب فلسطين وتحرير معبر رفح وكل المعابر التي تربط سيناء بغزّة، وضمان حرية انتقال الأشخاص والبضائع والرساميل والآليات عبر هذه المعابر، وربط قطاع غزة بسيناء وربط هاتين المنطقتين السوريتين بمصر.
– عربياً: نتوجه، هنا، تحديداً لـ«المطبّعين» مع العدو الصهيوني من الخليج والسودان وبعض المغرب العربي: لا توهموا أنفسكم ولا تخدعوا أجيالكم القادمة بأن إسرائيل التي تَبيّن، بالدليل القاطع، أنها «أوهن من بيت العنكبوت»، ستحميكم من عدو مفترض حاضر في مخيالكم السياسي والديني تستحضرونه – بمبرّر ومن دون مبرّر – ساعة تشاؤون، إن إسرائيل هذه غير قادرة على حمايتكم ولن يحميكم إلا قوتكم الخاصة والتزامكم بمبدأ الرابطة الجبهوية العربية فهي ملاذكم ومنها تكتسبون الحماية والرعاية.

  • دولياً: إن بريطانيا وفرنسا الدولتين اللتين اقتسمتا سوريا، في غفلة من السوريين، في «اتفاقية سايكس- بيكو» (1916) ومرّرتا «وعد بلفور» (1917) وانتُدبتا على سوريا بموجب قرارات «عصبة الأمم» لفترة طويلة (1919-1945/1948)، مطالبتان بالاعتذار من السوريين على ما اقترفتاه جراء سياستهما ضد السوريين، والتعويض للدول السورية عن الخسائر الجسيمة التي نزلت بالبلاد السورية أثناء فترة استعمارهما لها.
  • أممياً: إن جمعية الأمم المتحدة التي شرّعت، ولا تزال، جميع انتهاكات الدول الكبرى في ما خصّ فلسطين والفلسطينيين، مطالبة بإعلان بطلان قرارها الذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة يهودية ودولة عربية (سوريّة)، في مثل هذا اليوم من عام 1948، وإلغاء كل القرارات المشينة التي اتخذتها بحق شعبنا في فلسطين ومحيط فلسطين القومي، ومن ضمنها قرارات «عصبة الأمم» السابقة والسيئة الذكر والتي ثبّتتها «جمعية الأمم» الحالية وزادت عليها.
    هذه بعض حقوقكم وحقوقنا، أيها الفلسطينيون، تمسّكوا بها واحملوها إلى كل المنابر العربية والإقليمية والدولية، واجعلوها جزءاً من مهامكم الإعلامية والثقافية والسياسية، ولا تستهينوا بها فهي، إلى جانب قوتكم العسكرية، حجتكم القوية في مواجهة عالم مستكبر ظالم!

سيرياهوم نيوز3 – الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...