آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب الأسبوع » البكاء شاهد على قدرة الإنسان من شخص يعاني الهذيان إلى شخص عادي تحول بالحوار

البكاء شاهد على قدرة الإنسان من شخص يعاني الهذيان إلى شخص عادي تحول بالحوار

| نيرمين البيطار

«كيف يبكي الناس» يوميات طبيب نفسي؟ للطبيب رفيف المهنا الأخصائي في الأمراض النفسية. حيث تم توقيع الكتاب في دمشق، تحدث الطبيب عن علاقته بنصوصه التي تحكي تجارب المرضى وما يعانون من ألم معتبراً الكتابة عن هذه المواضيع تستحق النشر في مجتمعاتنا ونحن غير معتادين على كتابة تجاربنا الشخصية فمثلا المهندس لا يكتب عن تجربته المهنية حتى لو كان كاتبا وكذلك الممرض وأي مهنة فهذا الكتاب بمثابة بداية والهدف منه تشجيع الناس على كتابة تجاربهم..

كيف يبكي الناس؟ ليس سؤالا بل هو وصف لحالهم وهم مستسلمون أو يحاولون الاستسلام لملاك البكاء المعزّى. كتاب أبطاله ثلاثة المريض والطبيب والبكاء الذي هو حاضر في الكثير من هذه النصوص وتنبع أهمية الكتاب بالدرجة الأولى من أنه محاولة أولى لطبيب متخصص يقدم لنا تجاربه السريرية مع حالات تشبهنا في كثير من الأحيان ولا ندري، وحالات يمكن أن نقع فيها في حياتنا وسيرورتها اليومية.. وما قدمه الطبيب في كتابه وحديثه عنه يؤكد أهميته.

تفاعلات إنسانية

يكشف الطبيب من خلال هذا الكتاب عن العالم السري للطبيب النفسي أو العيادة النفسية باعتبارها منطقة سرية للغاية ليست مكشوفة لأحد حتى ينتاب بعضهم الرغبة في الجلوس في إحدى خزائن تلك العيادة والاستماع إلى حكايا الناس.. فمن وجهة نظر الطبيب الناس على اختلافهم يعيشون حياة في الخارج مختلفة تماما عن حياتهم ووجودهم داخل العيادة النفسية فهي المكان الذي يسمح للناس أن يعيشوا ضعفهم من دون إحكام أو اتهام.. ما يجعل من العلاقة مع المرضى معقدة وصعبة للغاية فكان هذا الكتاب لتخفيف تلك الفجوة بين الطبيب والمريض وبين المريض ومرضه نفسه من خلال المزج بين الإنساني والمرضي بهدف الوصول إلى شكل جديد يخفف غربتنا عن حياتنا الداخلية من خلال الحديث عن دواخل الناس.

اليد الحانية

ومما جاء في الكتاب ويسترعي الانتباه بالأسلوب والغاية ما سرده الطبيب مهنا: هذا الصباح وخلال مناوبتي تتصل بي الممرضة لتخبرني عن مريضة مصابة بالفصام في الخمسين من عمرها قد عرفت أن ابنها ذا الخامسة والعشرين قد مات هذا الصباح.. أذهب إلى مكان المريضة في حين تحركت في رأسي كل ذكريات الأمهات اللواتي خسرن أولادهن ومررن في حياتي. كانت جالسة على الكرسي تمسح دموعها بمنديل ورقي بكل هدوء وسكينة.. عرفت عن نفسي فمدت يدها للسلام وعرفت بدورها عن نفسها ونظرت مباشرة في عيني تسألني أسئلة طبيعية في مثل هذه الحالات عن سبب موت ابنها وعما إذا كنت قد اتصلت بالمشفى حيث يرقد ابنها للحصول على تفاصيل أكثر.

بعض هبات البكاء كانت تقاطع قدرتها على الكلام وتعتذر مني في كل مرة بدا وجهها صافياً مرتاحاً.

بعد نهاية المقابلة استوقفتني ممرضة القسم التي تعرف جيداً هذه المريضة وقالت لي إنها مع باقي الممرضات مستغربات جداً مما حدث مع المريضة الثكلى فقد تحولت من إنسان دائم الاضطراب والصراخ والهذيان إلى شخص آخر في فترة لا تتجاوز الساعة وقد صدمن بردة فعلها الهادئة هي التي تنفجر بركانا إذا سرقت منها سيجارة واحدة. حتى شكلها قد تغير لتغيب عن وجهها علامات السخط الدائم وبدت أكثر جمالا وقبولا. لم أجد تفسيراً لأرد به على استفسار الممرضات سوى أن أذكرهن بحقيقة أخرى تصادفنا كثيراً في علاج مرضى الفصام المرض النفسي الأشد ضراوة وهي أن تحولاً عجيباً يصيب سلوك المريض المصاب عندما يمرض مرضاً جسدياً: السكري الكسور الجروح.. حيث يبدو فجأة أكثر هدوءا وتفهما ويأتي بتصرفات تكاد تماثل لوهلة السلوك الطبيعي.

في غرفتي فكرت بتفسير آخر قد يشرح حال الأم الحزينة، أظن أن الموت يلمس مكانا لا نعرفه ولا نستطيع إدراكه، يمنح الإنسان المفجوع سليماً أو مريضاً حالة من التخدير العام تساعده على امتصاص الصدمة، وتخطي المرحلة. يقربنا الموت منا ويخفف من مساحة الصراع بيننا وبين أنفسنا، فنصير أكثر تسامحا وتقبلا لأخطائنا وسلبياتنا.

عند الموت، هناك من يقودنا ويهتم بنا ويساعدنا بحسب إمكانياتنا، إنها يد الحياة الحانية.

غريبٌ أن يكون أحياناً موت أحبائنا شفاءً لنا.

كتاب يغري بالمزيد من الغوص في قصصه وحكاياه لأنه يمكن أن يلهمنا رسائل خاصة لعلاج ذواتنا في حالات مماثلة، ما يؤكد الموروث الذي عبّر عنه أن البكاء يمكن أن يكون مصدر راحة للإنسان، ويجعلنا نتعامل مع حالاتنا النفسية بكثير من الجدية لنتخلص من واقع أسرنا نتيجة ظرف ما، أو فقد عزيز ما، أو حتى نتيجة إخفاقنا في مسألة هامة ومفصلية في حياتنا.

 

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

علم اجتماع الهجرات

علم اجتماع الهجرات كتاب للباحثة سيلفي مازيلا ترجمة شادي سميع حمود يسلط الضوء على المهاجرين من دولة إلى أخرى لتحسين دخلهم المادي أو لتطوير تحصيلهم ...