آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الرئيس الفرنسي للبنانيين: لا تطلبوا من فرنسا عدم احترام سيادتكم

الرئيس الفرنسي للبنانيين: لا تطلبوا من فرنسا عدم احترام سيادتكم

د. أسامة الشبيب

لقد أثارت زيارة الرئيس الفرنسي ( ايمانويل ماكرون ) الى بيروت , واطلاعه على آثار الانفجار الكبير في مرفأ بيروت يوم 4 آب 2020 والذي تسبب بجرح الالاف ومقتل أكثر من مائة شخص وتسبب بتدمير هائل لنصف مدينة بيروت تقريبا , ما طرحه المفكر الجزائري مالك بن نبي ( 1905 – 1973 م ) , لمفهوم ( القابلية للاستعمار ) وربما هي من أبرز الأفكار التي طرحها في سياق فهم وتحليل جذور المشكلات الحضارية التي تعاني منها المجتمعات العربية والاسلامية وهي ترزح متحت احتلال وهيمنة الدول الكبرى على مقدراتها وثرواتها .

حيث عنى مالك بن نبي بالقابلية للاستعمار , ان الاحتلال والمستعمر ( بالكسر ) يمثل العامل الخارجي , وفي ذات الوقت أن هناك عامل ذاتي وداخلي ونفسي يتمثل بالقابلية للاستعمار والاستجابة للمستعمر, حيث يغدو الفرد نتيجة ظروف وأسباب معينة خاضعا وخانعا ومستجيب لكل ما يفرضه المستعمر , بل ويدافع عنه ويبرر له ويتمسك بحدوده ومساراته التي يرسمها له . وفي هذا المضمار يشرح مالك ابن نبي تلك الفكرة بقوله : أن هذه الملاحظة الاجتماعية تدعونا لأن نقرر أن الاستعمار ليس من عبث السياسيين ولا من أفعالهم، بل هو من النفس ذاتها التي تقبل ذل الاستعمار والتي تمكّن له في أرضها، وليس ينجو شعب من الاستعمار وأجناده إلا إذا نجت نفسه من أن تتسع لذُل مستعمِر، وتخلصت من تلك الروح التي تؤهلها للاستعمار ( مالك بن نبي ، شروط النهضة , ص 33. ) .

اللافت في جولة الرئيس الفرنسي لبيروت , هي لقاءاته مع بعض الناس والشباب في الشوارع التي تجول فيها , وقد طلب بعض اللبنانيين منه بشكل مباشر بالعودة لانتداب فرنسي على لبنان , بالإضافة الى جمع تواقيع عشرات الالاف في عريضة تطالب بعودة الانتداب الفرنسي على لبنان بحسب موقع  BBCبالعربي .

والأكثر وضوحا من ذلك والأنكى في نفس الوقت , ما جرى في المؤتمر الصحفي للرئيس الفرنسي , وسؤال أكثر الصحفيين اللبنانيين لماكرون ؛ بمحاسبة مسؤولين ( لبنانيين ) , أو المطالبة بدور سياسي مباشر في لبنان وبعضهم طالبه بتعديل دستوري , بل لم يخفي بعض الصحافيين الايحاء بالأمل والتمني بالتدخل أو الانتداب مجددا لفرنسا على لبنان . وفي الوقت الذي حاول فيه الرئيس الفرنسي أن يستخدم مهارته الخطابية ولغته السياسية العاطفية التي تناغمهم وتنساق مع مزاجهم , لكنه من شدة الحرج اضطر أن يقول لهم : انا رئيس جمهورية فرنسا وليس لبنان , ولا تطلبوا من فرنسا أن لا تحترم سيادتكم .

هذا المؤشر الاجتماعي والاعلامي الذي يعبر عن خلل ومرض في الذات الاجتماعية والسلوكية , وان كان نسبيا ولا يمثل جميع الشعب اللبناني بالتأكيد , حيث يوجد في لبنان أيضا ناس وأفراد وشخصيات تعتز بوطنيتها وتقدم دمائها في سبيل كرامتها , كما هو الحال في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وإخراجه عام 2000 م . كما أن هذا المؤشر الاجتماعي المرضي موجود في أكثر من بلد ومجتمع عربي ولا يقتصر على لبنان .

وإن كان مالك بن نبي قد وضع يده على القابلية النفسية والاجتماعية للمستعمر (بالفتح) , وذلك عندما يفرض الاستعمار نفسه بقوة الاحتلال والسطوة العسكرية كما حصل في القرنين التاسع عشر والعشرين لكثير من البلدان العربية والاسلامية , واستجابة المجتمع بمرور الأيام وقبوله بأحكام القوة المحتلة وقوانينها وثقافتها ولغتها , فلعله اليوم نعيش في مرحلة تنبئ عن مرض اجتماعي أكثر تعقيدا وأصعب تفسيرا وتحليلا , عندما يطلب ناس أو أفراد مهما كانت نسبتهم من بلد كان يمارس الاحتلال قبل مائة سنة عليهم , أن يعود ليفرض إنتدابه واحتلاله من جديد ؟

ما يعانيه المجتمع من فساد السلطة السياسية , وسوء الادارة وتردي الخدمات والفقر والجهل الذي ينتج عنه , هو في جذوره ليس بعيدا عن المجتمع الذي يعشعش فيه وينمو , بل كثير من الفساد السياسي والاداري يجد غطاءه في أفراد المجتمع . ودليل ذلك هو التدوير المستمر من المجتمع للطبقة السياسية الفاسد وزعاماتها رغم اتهامهم لهم بأنواع الفساد والخيانة , بل والدفاع عنهم .

اللجوء الى الاجنبي ليفرض احتلاله وانتدابه على الدولة والمجتمع , يمثل حالة مرضية معقدة في الذات والنفسية الفردية والاجتماعية لا تقل خطورة وسوءا من وجود سلطة سياسية فاسدة وفاشلة بما تحمله من سوء , بل أن تلك الدول أمثال فرنسا في كثير من سياساتها تحافظ على وجود حكام وطبقة سياسية تضمن مصالحها ولو كانت موغلة في قعر الفساد والظلم الاجتماعي , كما صرح بذلك ماكرون في مؤتمره الصحفي : فرنسا لا توقع شيك على بياض للبنان .

وأن تصحيح المسار وتحقيق التغيير الانتقال من الواقع السياسي والاقتصادي المتردي والمنهار ليس بالهروب للأمام , ولا بالهزيمة النفسية والخضوع والخنوع لهذه الدولة او تلك , بل بإصلاح البنى التحتية الاجتماعية فكريا ونفسيا ومعالجة الاعتلال والمرض الذاتي في الفرد والمجتمع فان { الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } .

 

سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 8/8/2020

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إسرائيل لن ترد؟! واذا ردت ستتلقى صفعة كاسرة وتخسر وجودها

  ميخائيل عوض الشغل الشاغل للجميع؛ هل سترد اسرائيل على ايران؟؟ متى سترد؟ ما هو حجم وطبيعة الرد؟ وماذا عن الرد الايراني؟ حقا يجب ان ...