آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الشاطران عبدالله علي عبدالله وآخر …

الشاطران عبدالله علي عبدالله وآخر …

|عبدالله ابراهيم الشيخ

 

هذه رواية تقترب من الخيال ، لا بل إنّها واقع وحقيقة ، أدخلنا عليها بعض ” الفزلكات ” ، كما يقال ، لكن إدخال هذه الفزلكات ” لم يغير من واقع أحداثها في شيئ فقط كالسيدة الماهرة التي تحرص على وضع بعض الطّيوب والزينة على ماتقوم به من تحضيره من طعام ثم تزيد الطاولة لكي يتلذّذ أهل البيت أو الضيوف بالجلوس إلى المائدة ” ليأكلوا بشهية طيبة كما يقال …وهذا مانتوق إليه .. مع فارق المحتوى …

بالمقابل ، لعلّ بعض أحداث هذه الرواية ” قد تكون محزنة ” بعض الشيئ لأناس معيّنين ، وقد تكون مبكية ” لآخرين فقدوا أعزِّة ، وما أكثرهم في بلدنا وبلدان أخرى … وقد يشكّل حافزاً لآخرين على متابعة السّير في هذه الأحداث ليعود الحب والتآلف والتضامن كما كان ، وهذا ما تتمنّاه الكثرة الواعية المثقّفة في هذا الوطن ، معزّين النفسومتفائلين بالماضي الرّائع الّذي كان يطوف بالمحبّة والألفة والتّسامح والإحترام المتبادل بكلّ عفوية ….

من سمع منكم بهذا الاسم : عبدالله علي عبدالله ؟ شخصياً لا أعرفه وماعرفته أبداً ولم ألتق به يوماً .. إلا أنني علمت مؤخراً أنه من إحدى قرى ريف حماه ..

هل عبدالله ” بندقية ” ولن نقول لكم نوعها ، حين علم بوصول الإرهابيين إلى قريته وأخذ يتنقل بين سطح المنزل والسّرير الذي ينام عليه …. منتظراً قدوم أولئك الذين حاولوا في المرّة الأولى اقتحام منزله ، أو استهداف قريته أو قتل أحد جيرانه ، وكلهم أحبّة لديه بالطّبع .. هاهم .. لقد جاؤوا .. أمسك عبدالله بالبندقية ” حاول الإمساك بها بقوة لكن يداه خانتاه .. أو ربما ” البندقية ” التي لم تكن فاعلة ” …

قتل عبدالله علي عبدالله .. قتل أبواه .. شوهوا إخوته الثلاثة .. كل هذا حدث بدم بارد ..

في الطرف الآخر .. وفي مدينتنا الصغيرة ، قلب كبيرهو الآخر وسع الدنيا ، مملوء بالشفافية ، وحب الآخرين واحترام عقائدهم وإيمانهم وانتماءاتهم ..

هو يعرف أنه لم يكن لديه أو لدى الآخرين من عباد الله خيار في أن يولدوا في هذه المدينة أو تلك أو في هذه الطّائفة أو تلك .. بالنسبة له يعرف أنه ولد في جزيرة سورية في البحر المتوسط اسمها ” أرواد ” وعاش قسماً من حياته فيها .. سكّانها يحبونالأسفار .. وهناك ربما تعلّموا : منذ نعومة اظفارهم ، وفي بيئتهم ، ربما تعلموا محبة الآخر والتضحية والتسامح والتآلف ”

وهو يعرف من خلال أحاديث قدماء الجزيرة ، ومن كتب التاريخ ، أن أهلها كانوا يخبّئون الأطعمة تحت قمصانهم ليدخلوها خلسة إلى المساجين السوريين واللبنانيين الّذين سجنهم المحتلّ الفرنسي في الأربعينات من القرن الماضي في قلعة أرواد ليتعلموا منهم أيضاّ ، وليعلموهم حبّ الوطن والإخلاص لهذا الحب وكيف تكون المواطنة الصحيحة  ..

على أن سؤالاً يقض مضجعه ويؤرق غيره بحكم وعيهم ولايستطيع الإجابة عليه : هل خلقنا الله وآخرين معنا ليقتلنا من حكم علينا بالموت دون أيّ ذنب ودون أيّة محاكمة ؟ نحن لانريد مجابهة القتلة بالعصيّ أو الحراب أو فوهات المدافع أو البنادق .. وإذا كانوا حريصين على قتلنا وقتل أطفالنا فلا حيلة لنا .. فمن أضمر في نفسه نيّة شرّيرة يستطيع أن يخفيها .. والنية الحسنة والطيبة تقرأ في الأوجه بسهولة ويسر ..

نحن لانريد لأطفالنا أن يموتوا ( أو يقتلوا ) لمجرد تلبية لرغبة آخرين دفعتهم غرائزهم الشّريرة ليتلذّذوا بهذا القتل سواء كان برصاصة أو سيف أو تجويع أو حصار دوائي أو غيره .. وإذا كان إيمانهم ” يدفعهم إلى ارتكاب هذه المعاصي ” وهو تعريف صحيح وسليم وتعريف دقيق لأفعالهم كما أوصى الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ” ولاتقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ……. ” صدق الله العظيم

فإن هذه دعوة صادقة لإطاعة الله وفهم القرآن الكريم ومعانيه ومقاصده التي تدعو إلى الخير والصلاح دائماً إن كانوا لايزالون على إيمانهم وتمسّكهم بشريعة الله والإسلام والقرآن الكريم لأن هذه البدع التي خرجت على لسان من اعتبروا أنفسهم ” فقهاء ” في الدين والشريعة ، فحلّلوا لأتباعهم من الجهلة ماحرّم الله على أمة الإسلام لأنهم يقتلون أنفساً ” بغير ذنب ” ..

من هذا المنطلق الواعي وفي هذا الجو المتسامح عاش صاحبي الخارج من جزيرة أرواد ليقوم بمشروع إنساني رائع يستحق عليه كل شكر ومحبة من الجميع .. لقد أشاد بناء في الجهة الشرقية من مدينة طرطوس أسماه ” جامع السيدة مريم العذراء ” ..

وبالتالي فإن الجميع يستطيعون الدخول إليه والصّلاة فيه كلّ على طريقته .. وهو مشروع ،

أرى شخصياً ويرى كثير من غيري ، ممن يودّون لهذا الوطن أن يخرج من حضيضه الذي ينزلق فيه ، طالما نحن على هذه الطرق البدائية التي استطاب للبعض البقاء فيها وإبقاء آخرين ” أتباعاً ” فيها لا بل الإنزلاق إلى أسفل حضيضها …

هل أحكي لكم قصّة هذا الاستاذ الجامعي ، الذي كان يوماً مندوب سوري في مجلس الأمن الدّولي ، حين جلس على كرسي المندوب الفرنسي في مجلس الأمن وحين رآه المندوب الفرنسي احتج عليه وسأله كيف يسمح لنفسه بالجلوس على هذا المقعد ولو لمدة خمس دقائق أجابه المندوب السوري : أنت لم تتحمل بقائي على هذا الكرسي لمدة خمس دقائق فكيف تطلبون منا ، نحن في سوريا ، أن نتحمل بقاءكم لخمس وعشرين عاماً . حينها أجابه المندوب الفرنسي نحن جئنا لحماية المسيحيين في الشّرق .. وحين عاد المندوب السوري إلى سوريا قصد الجامع الأموي ، في يوم جمعة ، وكان يزخر بالمصلين ، واستأذن ليعتلي المنبر وقال : إذا كانت فرنسا تدعي أنها جاءت لحمايتنا من المسلمين فأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله فأقبل عليه المصلون وحملوه على الأكتاف وخرجوا به إلى شوارع دمشق القديمة في مشهد رائع يمثّل قمة في التلاحم الوطني ، وهو صورة من صور كثيرة لمواقفه الرائعة ، إنه فارس الخوري المشهود دائماً بوطنيته وإخلاصه .

بقي أن نعرف أن عبدالله علي عبدالله لم يكن سوى طفل في الرابعة من عمره وأنها لم تكن سوى خشبة صغيرة شأنه في ذلك شأن أطفال كثيرين يلعبون على أن هذه ” الخشبة ” قادرة على قتل من يسمونهم أعداء لهم متخيّلين …

رحم الله عبدالله علي عبدالله .. ونسأل الله تعالى أن يجزي صاحبنا ” الأروادي ” بالخير وأن يوفقه الله في مسعاه النبيل هذا وأن يكتب له منزلاً في الجنة .. وأن يثبت الله أقدامنا لنتمكن من تقديم مايفيد وطننا ويساهم في تطوره وتحابب أهله فيما بينهم وهو السبيل القويم لتقوية بنيانه وحمايته من أعداء متربصين به .

(سيرياهوم نيوز-16-8-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرد الإيراني على استهداف القنصلية: لا تنسوا هذه الحقائق!

التعتيم الإسرائيلي على الرد الإيراني كان متوقعاً، وإلا فإن الرأي العام الإسرائيلي كان سيصاب بنوبة أخرى من الذعر والخوف فيما لو وقف على حقيقة ما ...