آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » القرى الصينية فن في النهوض المادي والفكري

القرى الصينية فن في النهوض المادي والفكري

 

الصين :لجين سليمان

 

قد لا يكون المثل الصيني القديم “إذا أردت أن تصبح ثريا فابدأ ببناء طريق أولا” مجرّد مثل شعبي قديم بل هو بمثابة موجّه لمختلف حركات التحضّر وتطوير القرى التي تتم في الصين، فلا قرى نائية بعد إيصال الحياة إليها ليس فقط بمدّ الطرقات، وإنما بالنهوض بسكانها ماديا وفكريا، لا سيما وأنّ عملية التحضّر في الصين تشتمل على التخلص من الفقر المدقع، وكذلك الارتقاء الفكري، وإن كان هذا النهوض يتم عبر الكمّ حاليا فإنه سيصل إلى الجودة العالية في المستقبل القريب.

 

تطوير النباتات

 

كثيرا ما اعتدنا في بلادنا العربية أن نقول “تلك العشبة تقوّي المناعة” و “تلك النبتة تقي من نزلات البرد” ، في الصين يُقال الأمر ذاته مع إرفاق تلك العبارات بالكثير من الجهود لاستغلال هذه النباتات بالطريقة الفعّالة، وكأنّ الهدف هو الحفاظ على مختلف أنواع الموارد مهما كانت بسيطة.

 

تشتهر قرية “جونغ يي” التي تنتمي إلى مدينة “شي زو” والتي تقع جنوب شرق مدينة تشونغتشينغ بنبتة تدعى “خوان جينغ” والتي عادة ما تستخدم من أجل حالات الإرهاق والتعب الناتجة عن عدد من المشاكل مثل القصور الكلوي وغيرها، تلك النبتة التي تمّ العمل على تحسين إنتاجها وإضافتها لمعظم المواد الغذائية التي تعد بمثابة وجبات غذائية رئيسية للصينيين، وقد سبق هذا الأمر دراسات وأبحاث لتفاعل تلك النبتة مع المواد التي ستضاف إليها، فمثلا تمت إضافة هذه النبتة إلى “النودلز” و”الشاي” الموجود في تلك المنطقة أيضا، وأصبحت تباع على شكل منتجات غذائية تحوي ميزة إضافية. كما تمت إضافتها إلى العسل الذي يُنتج بوفرة أيضا في تلك المناطق، وبذلك بات العسل يُباع للزائرين مع خصوصية إضافية ألا وهي ذلك النبات والذي يستغرق أربع سنوات لإنضاجه بالكامل.

 

يتحدث أحد المزارعين في تلك القرية أنه وبعد زيارة الرئيس الصيني شي جينغ بينغ، وتقديم الدعم الحكومي تمت زيادة عدد الأنواع المزروعة من النبات من 200 نوع فقط إلى 20 ألف نوع، هذا بالإضافة إلى زيادة كثافة الإنتاج بشكل كبير، وهو ما ساهم بتحسين الأوضاع الاقتصادية للسكان.

 

ولعلّ من أكثر الأمور الملفتة للنظر هو الثقة الكبيرة لدى السكان المحليين بأنّ القادم أفضل، وكذلك طموحهم الكبير الذي يدفعهم إلى بذل المزيد من الجهود بحيث لا يقفون عند حد معين، فمنذ الآن بدأ العمل على استغلال النباتات والمزروعات في مأكولات وحلويات بسيطة وتقليدية لتقديمها لمختلف الوافدين.

 

تطوير البنى التحتية والفوقية

 

تشتهر الصين بقدرتها على إنشاء البنى التحتية، وكذلك السرعة الكبيرة في عمليات الإنشاء، إلا أن تلك الجمل المقتضبة لا يمكن أن تختصر هدف الصين من عمليات التشييد والبناء، إذ غالبا ما يكون خلف كل جسر أونفق أو بناء فكرة تؤدي إلى الارتقاء بالتنمية الاقتصادية بما يعود بالفائدة الاجتماعية على الجميع.

 

يقول أحد متعهدي البناء الحكوميين في قرية “تسياوتو” النائية والتي تنتمي أيضا إلى مدينة “شي زو” إلى أنه يتم العمل حاليا على تطوير البنى التحتية، وتشييد المباني الحديثة وتجهيزها لنقل السكان إليها، واستقطاب المزيد من السكان الجدد في تلك القرية، ومن ثم توجيه السكان إلى تطوير الزراعة والعناية بها بشكل جيد، ومن ثم تحويل تلك القرية إلى مركز سياحي. وبالفعل فمن الآن قد بدأت تنتشر الفنادق السياحية والشاليهات الجبلية في تلك المناطق تحضيرا للمرحلة القادمة عندما سنتنعش تلك المناطق سياحيا.

 

هذا بالإضافة إلى إيلاء اهتمام كبير بالأطفال وطلاب لمدارس من صغار السن، القاطنين في تلك الأماكن، إذ يتم إقامة أنشطة ثقافية بشكل دائم بغية إطلاعهم على الثقافات الأخرى، وهو ما يعني بشكل أو بآخر القضاء على البعد الجغرافي ببناء الجسور والطرق لتسهيل الوصول إلى تلك الأماكن، وكذلك الارتقاء بالمستوى الفكري في الوقت ذاته.

وعلى الرغم من التوجه نحو تطوير تلك القرى، والاتجاه بها نحو الحداثة إلا أنّ الحفاظ على التراث هو من العادات الملفتة، فعلى سبيل المثال يتم تجميع حكايات كبار السن غير القادرين على الكتابة، ومن ثم كتابتها على أوراق ووضعها في لوحات ومن ثم عرضها في متحف القرية، هذا فضلا عن تخليد النباتات التي يتم تطوير اقتصاد القرية من خلالها في تلك المعارض أيضا.

 

ولعلّ العبارات التالية التي وردت في كتاب “ولد الإصلاح مقومات التجربة الصينية” لكاتبه أستاذ الاقتصاد “لوه تشونغ مين” هي أفضل ما يعكس عمليات التطوير إذ قال: “يظهر في المجتمع الريفي الكثير من المشكلات التي تعيق عملية التنمية مثل فكرة الإنتاج البسيط، وبعض التأثيرات من بقايا الفكر والمجتمع الإقطاعي والعادات غير الصحية وغير الحضارية، وغيرها من المشكلات الخطيرة، ولذلك أصبح تحديث شكل الحياة الريفية مهمة أساسية يجب الانتهاء منها من أجل دفع التنمية الشاملة للنشاط المجتمع الريفي الزراعي.” وهو ما تقوم به الصين فعلا.

 

لا يمكن التنبؤ بالمستقبل، ولكن من الممكن صنعه، هي الفكرة التي طُبّقت في مختلف المناطق الصينية للوصول إلى مجتمع الرفاه المشترك، ليس فقط في الصين وإنما في العالم أجمع.

 

(سيرياهوم نيوز ١-صفحة الكاتبة)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أبو سعدى يكرم المدرسين الحاصلين على مراكز متقدمة في مسابقه المدرسين المتميزين على مستوى الجمهورية

كرم محافظ ريف دمشق المحامي صفوان أبو سعدى اليوم المدرسين الذين حصلوا على مراكز متقدمة في مسابقه المدرسين المتميزين على مستوى الجمهورية العربية السورية وهم ...