الرئيسية » ثقافة وفن » اللوحة الأنثى وجهٌ لمدينةٍ .. لوّنتها الحربِ الكارثية

اللوحة الأنثى وجهٌ لمدينةٍ .. لوّنتها الحربِ الكارثية

هفاف ميهوب:
عهدناها شفافة في مضامينها الشاعرية، وبارعة في عزف الحياة على إيقاعِ اللون المتدفق من روحها الموسيقية. روح اللوحة التي تحاكي بهدوئها وجمالها واكتمالها، البهاء الساطع والطالعِ من زهوِّ ألوانها.. اللوحة التي تراقص الصمت بصمتٍ لا ينام، والشغوفة أبداً لكونها، المرأة، الحياة، الطبيعة، السماء، والأنغام.
هكذا عهدنا لوحات الفنان التشكيلي “عصام درويش” وهكذا ميّزناها. لكن، أنى للإنسان المبدع أن يبقى معرّفاً بسحرِ الحياة في زمنٍ، أغرقت فيه الحرب الحياة بويلاتها؟ الويلات التي أحالت ذاكرته، إلى مدينة احتشدت فيها وجوه حزينة وترتسم على قسماتها مشاعر الخوف، الترقب، القلق، الرعب، الفجيعة، الحزن، الألم، الرفض، الاستنكار، وسوى ذلك من التعابير التي وحّدت اللون ورؤاه الخالية إلا من ألوان السواد والحزن والدمار..
إن ما نراه لدى فنان تحولت موسيقى لوحاته العاشقة، إلى ألحانٍ لحناجرٍ مختنقة. تحولت فتفرّدت في قدرتها على حملِ آلامنا ونزيفنا وفجيعتنا وصرختنا وأحاسيسنا.. الأحاسيس التي شُلّت بسبب همجية الحرب وما تلاها من حصار ومعاناة، والتي اعتلّت بفعل أوبئة تفنّنت في انتهاكاتها، كما تتفنّن حرائق اليوم بانتهاكِ رئة الحياة.
حتماً، هو تحولٌ إلى ما فرضه عليه واقع انعكس بشكلٍ واضح على غالبية أعماله. اللوحات التي اختفى منها البريق وظهر الحريق، وبكلِّ ألوانه وآثاره..
ظهر الحريق في وجوه نساء لوحاته اللواتي، استبدلت الحرب ملامحهنّ الجميلة بملامحٍ تعكسُ فداحة المأساة. لقد صدمتهن هذه الحرب، وبمشاهدها التي جعلتهن يغضبن ويصرخن ويمزقن فضاء الصمت والرعب.
صدمتهنَّ إلى أن أصبحن، لوحات لوجوه عنونها “درويش” بهنّ، ولونها بألوان جسدت معاناتهن.. لوحات مذهلة في إبداعها.. كارثية لكنه شاءها:
“أعمال تظهر فيها الكارثة السورية. لكن، دون أن تمتلئ اللوحة بالدماء والأشلاء، فهناك دائماً تعبير عن الألم والكارثة دون إحضار الجثث إلى الأعمال الفنية”.
وكأنها سلسلة لوجوه بتعابير وقسمات محاصرة، بل هي فعلاً سلسلة لـ “وجوه عربية معاصرة”.. وجوهنا التي تظهر عليها آثار الذهول من الهول الذي يجري أمامها. وجوه الحياة التي عاش فيها عالمه الآخر الذي اكتشفه، والذي دعانا إليه لأنه وكما وصفه:
“هناك عالم آخر خلف العالم اليومي الذي نعيش فيه، وهو العالم الذي يغرف منه الفن. عالم يكفي أن نعرف إحدى أبوابه ونفتحها، لينبثق كمٌّ من الجمال والضوء، ينير درب أيامنا ما حيينا..”.
لا شك أنها دعوة مضيئة وواعية، ومن فنان حقّق حضوراً لافتاً، وسواء في معارض فردية في سوريا والوطن العربي، أو حتى على المستوى العالمي. فنان هو الناقد التشكيلي الدمشقي “عصام درويش” خريج كلية الفنون الجميلة، قسم التصوير الزيتي، وصاحب صالة عشتار للفنون التشكيلية.

 

سيرياهوم نيوز 5 – الثورة 9/9/2020

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المثقف الذي نحتاج اليه للمجتمع والدولة

  بقلم:الباحث والكاتب أيمن أحمد شعبان * قبل أن نتحدث عن هذا المثقفِ الذي يمثلنا، لا بد لنا من أن نتحدث، ولو قليلاً، عن مفهوم ...