آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » باريس رهينة الإنكار المزمن | «إكواس» تليّن لهجتها: التدخُّل العسكري مؤجّل

باريس رهينة الإنكار المزمن | «إكواس» تليّن لهجتها: التدخُّل العسكري مؤجّل

| محمد عبد الكريم أحمد

عادت التطوّرات في النيجر إلى الواجهة، بعد أيام قليلة من خفوت الضجّة التي رافقت قمّة مجموعة «بريكس» في جوهانسبرغ، وانضمام ستة أعضاء جدد إليها، وسط استبعاد ملفّ نيجيريا (الساعية إلى الانضمام) التي تتصدّر راهناً الجهود الإقليمية لتفعيل مشروع التدخُّل العسكري في النيجر. وقد بادر «المجلس العسكري الانتقالي» (25 الجاري) إلى إصدار أوامر للاستعداد الأقصى «في حالة وقوع هجوم»، وسط استشعاره تصاعُد تهديدات «العدوان». وبصرف النظر عن جانب المباغتة المتوقّع في خطوة «الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إكواس)، كان ملموساً جنوحها نحو «التهدئة» نسبياً مع النيجر، وفق بيان أكّدت فيه التصميم على «اللجوء إلى الجهود الدبلوماسية»، في موازاة الاستمرار في وضْع خيار التدخّل العسكري على الطاولة. وفي محاولة لتبديد الشكوك حول مسعى «إكواس» إلى التدخّل العسكري، أوضح رئيسها، عمر توراي، أنها «لم تعلن الحرب على شعب النيجر، ولا توجد خطّة (لديها)، كما أشيع، لغزو البلاد». وفي ظلّ هذا «التوازن المحسوب»، بادر «المجلس العسكري» إلى إمهال السفير الفرنسي في نيامي، سيلفان إتي، مهلة 48 ساعة فقط (انتهت مساء 27 الجاري) لمغادرة البلاد، وهو ما رفضته باريس على خلفية «عدم اعترافها بسلطة الحكّام العسكريين».

فرنسا وفرص تصعيد الأزمة في النيجر
لم يتمكّن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من تخفيف نهجه الصدامي مع نيامي في كلمة أخيرة له (23 الجاري) تطرّق فيها إلى المسألة، إذ دعا مجدّداً إلى «استعادة النظام الدستوري في النيجر»، والإفراج عن الرئيس المعزول، محمد بازوم. وإذ اعتبر أن «هذا الانقلاب ضربة ضدّ الديموقراطية في النيجر، وضدّ شعب النيجر، وضدّ الحرب على الإرهاب»، توقّعت «لوموند» الفرنسية أن يكرّر ماكرون خطابه (المتشدّد) هذا، خلال اجتماع السفراء الفرنسيين في باريس، يوم 28 الجاري، وهو ما حدث بالفعل، حيث أعلن أن سفير بلاده «باقٍ في نيامي رغم ضغوط قادة الانقلاب»، معتبراً أنّه بات على باريس البحث عن «شركاء جدد في أفريقيا». وجدّد دعمه بازوم، مؤكداً أنّه «إذا تخلت (إكواس) عن بازوم، فإن رؤساء المجموعة سيكونون معرّضين للخطر».

ويمكن ملاحظة أن استجابة باريس للأزمة الدبلوماسية الراهنة مع نيامي، اتّسمت بتوتّر بالغ، ولا سيما وسط تراجع فرص خياراتها «السياسية»، ومواجهتها رفضاً شعبيّاً متنامياً في النيجر وعدد من دول غرب أفريقيا (ولا سيما في شمال نيجيريا حيث تمتدّ الروابط الإثنية والأسريّة الوثيقة عبرها إلى جنوب النيجر والعاصمة نيامي)، ما يجعل من أيّ عمل عسكري (تدعمه وتدفع نحوه بكلّ قوّة) للتدخّل في النيجر، موضع معارضة بالغة داخل دول «إكواس» نفسها. واستمرّ اتجاه التصعيد، مع توقّع تداعيات سلبية مستدامة على مسار العلاقات الفرنسية – النيجرية، مع اقتراب انتهاء مهلة مغادرة السفير الفرنسي؛ إذ شهدت العاصمة نيامي ومناطق متفرّقة في البلاد تظاهرات حاشدة للغاية للتنديد بفرنسا ودعم «المجلس العسكري الانتقالي»، أبرزها ما شهده محيط السفارة الفرنسية، حيث ارتفعت الأعلام النيجرية مع نظيرتها الروسية، في دلالة بالغة على تآكل الحضور الفرنسي.

العامل الروسي في النيجر: «فاغنر» مجدّداً؟

على رغم الصورة الاختزالية السائدة غربياً – وأفريقيّاً إلى حدّ كبير – عن تمثّل الدور الروسي في النيجر (وغيرها من دول القارة) في وجود مجموعة «فاغنر»، فإن مسؤولين روساً أكّدوا مراراً سعي بلادهم إلى استعادة علاقات قويّة مع دول القارة عبر تعزيز الشراكات ومبدأ «الفوز للجميع»، ودعم هذه الدول في جهودها لمواجهة قضاياها الملحّة، من مثل الحفاظ على أمنها ومواجهة الإرهاب وتحقيق تنمية اقتصادية. وأرست روسيا بالفعل نموذجاً واضحاً في هذا المسار، بتبنّيها دبلوماسية نشطة نسبيّاً في القارة، مصحوبة بتوقيع اتفاقات متنوّعة تشمل تعاوناً عسكريّاً وأمنيّاً، تضمّن تقديم تدريبات عسكرية مهمّة لجيوش عدد من الدول، أبرزها مالي وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى، إلى جانب اضطلاع عناصر «فاغنر» بمهامّ معاونة هذه الجيوش.

وأشارت الاتصالات المباشرة وغير المباشرة (عبر حكومة مالي) التي أجراها «المجلس العسكري الانتقالي» في النيجر، مع روسيا، إلى وجود توجّه حقيقي لتعزيز التعاون الروسي – النيجري، وليس مجرّد الاستعانة بخدمات مجموعة «فاغنر». ويلبّي التوجّه النيجري أهداف روسيا الراهنة بشكل كبير، ومن بينها شغل الفراغ الذي تتركه فرنسا في واحدة من الدول الأفريقية الساعية بدورها إلى استبدال سياسات فرنسا المكلفة. ومع تزايد مقبولية الدور الروسي بكل جوانبه في النيجر، ومطالب شعبية موسّعة بتقوية هذا الدور، ارتقى الخطاب الروسي تجاه أزمة النيجر إلى مستوى جديد خلال مشاركة وزير الخارجية، سيرغي لافروف، في «قمة بريكس»، إذ طرح (24 الجاري) قلق بلاده من أيّ تدخُّل عسكري «إقليمي» في هذا البلد، وربَط بدقّة واضحة بين تداعيات ضرب «الناتو» لليبيا في عام 2011، والاضطرابات التي يشهدها إقليم الساحل منذ ذلك الوقت، مفسّراً التظاهرات الحاشدة في النيجر (وغيرها) التي تحمل الأعلام الروسية، على أنها انعكاس لرغبة الشعب النيجري في التعاون مع «حلفاء يُعتمد عليهم» بعد عقود من فشل فرنسا والغرب في تعميق التعاون على أسس عادلة.

الفشل النيجيري في الأزمة
كشفت تصريحات الرئيس النيجيري، بولا تينوبو، الأخيرة بخصوص الأزمة في النيجر وقوله إن سياساته نحوها لن تؤثّر في أيّ خطط لإصلاح اقتصاد بلاده، بالتزامن مع فشل أبوجا في الحصول على قبول ملفّها للالتحاق بتجمّع «بريكس»، عن فشل ذريع لإدارة تينوبو في أول اختبار حقيقي له منذ تقلُّده رئاسة البلاد. كما جاءت تصريحات هذا الأخير (24 الجاري) باعتباره رئيساً لـ»إكواس»، بخصوص توجّه المجموعة نحو إعطاء مساحة كبرى للعمل الدبلوماسي بعد السماح لوفد من رجال الدين بالتوجّه إلى نيامي لإجراء محادثات مع قادة «المجلس الوطني لتأمين الوطن»، دالّة على فشل «مرحلي» لمقاربة أبوجا التي كانت تدفع بقوّة نحو تدخُّل عسكري لإعادة نظام بازوم، على رغم وجود معارضة وتخوّفات حقيقية من جانب عدد من دول «إكواس»، وكذلك من قِبَل تشاد الوثيقة الصلة بباريس. كما افتقدت أبوجا قدْراً كبيراً من سمعتها الإقليمية كقوّة كبيرة تحترم مبادئ العمل الجماعي الأفريقي واستقلال دول القارة وسيادتها عقب تأكيد «مجلس السلم والأمن الأفريقي» مجدّداً رفضه أيّ تدخُّل عسكري، على رغم قبوله عقوبات «إكواس» ضدّ نيامي، ودعوته إلى الإفراج عن بازوم (وليس عودته إلى السلطة) وعودة الجيش إلى الثكنات، في ما عدّه مراقبون استعداداً إقليميّاً مدعوماً بغطاء «الاتحاد الأفريقي» (الذي سبق أن طالب، قبل أيام، بدراسة موسّعة للأثر المحتمل للتدخُّل العسكري قبل الانتشار الفعلي، ما يعني الدفع بتأجيل هذا العمل فعلياً) لعقد حوار موسّع مع «المجلس العسكري» حول انتقال سلمي للسلطة إلى المدنيين (وفق جدول زمني يُتّفق عليه).

وبين مسعى تينوبو لتوظيف أزمة النيجر في سياسات بلاده داخليّاً، وتراجع حظوظ الخطّة النيجيرية للتدخّل وفق أجندة فرنسية – غربية في الأساس، كما رشح من سير الأحداث منذ أكثر من شهر تقريباً، فإن خيارات أبوجا بدت محدودة للغاية في لعب دور أكبر في النيجر.

خلاصة
عادت «إكواس»، مرغمةً على ما يبدو بسبب الانشقاقات الداخلية التي سعت نيجيريا وغانا إلى تجاوزها نحو عمل عسكري مكلف وبالغ التعقيد إقليمياً، إلى دراسة السُّبل الدبلوماسية لمقاربة الأزمة في النيجر. وأكّدت، في بيان، أن قرار رؤساء دول الجماعة كان مجرّد تفعيلٍ لمادة قانونية في أدواتها، خشيةً من تمدّد ظاهرة الانقلابات في الإقليم، وبعد استنفاد فرص الحوار (مع المجلس العسكري الانتقالي). لكن تبقى فرص التصعيد قائمة من بوابة فرنسا التي ترفض حتى اللحظة قرار نيامي طرْد سفيرها، في سلوك دبلوماسي بالغ الغرابة، وإن كان دالّاً على تعذُّر تغيير باريس سياساتها الأفريقية وربّما دخولها في مرحلة إنكار مزمنة.

 

سيرياهوم نيوز3 – الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ترحيب حافل بالرئيس الصيني في صربيا

  بلغراد: – أكد الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش مجددًا دعمه القوي لسيادة الصين على تايوان الأربعاء لدى ترحيبه الحار بالرئيس شي جينبينغ الذي يسعى إلى ...