آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » تركيا ما بعد المعركة: إردوغان يبدأ ورشة الحكم… والمعارضة تدرس خساراتها

تركيا ما بعد المعركة: إردوغان يبدأ ورشة الحكم… والمعارضة تدرس خساراتها

محمد نور الدين

تبدأ، بعد أيام قليلة، مرحلة جديدة من تاريخ تركيا، ستتحدَّد ملامحها، كما أمدها، تبعاً للنهج الذي سيسير عليه الرئيس الفائز، رجب طيب إردوغان، وتيّاره القومي المحافظ. ولعلّ ما تخلّل خطاب النصر الذي ألقاه ليل أول من أمس، من تصويب على المعارضة ممثّلةً بمرشّحها الخاسر، كمال كيليتشدار أوغلو، والحركة الكردية، لا ينبئ إلّا بمزيد من الغطرسة على مستوى الداخل. وإذا كانت توجّهات السلطة بدأت ترتسم، إلّا أن مآل «الطاولة السداسية» لم يتوضّح بعد، فيما قرّر زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، إرجاء المؤتمر العام لحزبه ريثما يتمّ الانتهاء من الانتخابات البلدية العام المقبل، ممّا يعني بقاءه على رأس الحزب لعام على الأقلّ، فيما تشخص الأنظار، في هذا الوقت، نحو رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أغلو، الذي لمّح إلى ضرورة التغيير داخل «الشعب الجمهوري»

 

 

طُويت واحدة من أقسى المعارك الانتخابية في تركيا، والتي لم تَعرف الحسم سوى في اللحظات الأخيرة من الدورة الثانية. ومع أن مخرجات الدورة الأولى كانت تشي بملامح ما ستكون عليه نتائج الدورة الثانية، إلّا أن الباب أمام حدوث مفاجآت، لم يكن مغلقاً، بدليل النسبة المتقاربة في الأصوات التي نالها الرئيس الفائز رجب طيب إردوغان، والمرشّح الخاسر كمال كيليتشدار أوغلو، والتي قاربت الأربع نقاط، إذ حصل الأول على 52.16% (27 مليوناً و725 ألفاً)، والثاني على 47.84% (25 مليوناً و432 ألفاً)، أي بفارق مليونَين و300 ألف صوت في بلد اقترع فيه 85% من مجموع 65 مليون ناخب. وسينجلي بعد انتهاء حزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» من الاحتفال بالنصر، غبار المعركة، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ تركيا مدّتها خمس سنوات، غير أن تأثيراتها قد تتعدّى ذلك لسنوات مقبلة تبعاً للنهج الذي سيسير عليه التيار القومي – المحافظ الفائز، والتياران العلماني والكردي الخاسران.

ad

 

وقد عكست عناوين الصفحات الأولى من الصحف الموالية فوز إردوغان، كما يلي: «النصر من جديد لإردوغان» (حرييات)؛ «رجل الشعب انتصر» (صباح)؛ «انتصر إردوغان وربح 85 مليوناً» (يني شفق)»؛ «مهر القرن» (تركيا)؛ «انتصار إردوغان على الدول السبع» (أي الدول الاستعمارية الغربية) (يني عقد)؛ «إردوغان من جديد» (ميللييات). وجاءت عناوين الصحف المعارضة، على الشكل التالي: «ربح (إردوغان) رغم الخسائر» (جمهورييات)؛ «رغم كل شيء إردوغان يخرج من صندوقة الاقتراع ويواصل هذا الطريق (طريق الأزمات)» (سوزجي)؛ «إردوغان: خمس سنوات أخرى» (قرار)؛ «الاستمرار يخرج من الصندوق» (مللي غازيتيه)؛ «الصندوق يدعو إلى النضال» (ايفرنسيل).

ومع صدور النتائج التي استقبلها الرئيس التركي من إسطنبول، توجّه هذا الأخير إلى العاصمة أنقرة، حيث اجتمع إلى قادة أحزاب «تحالف الجمهور» في القصر الجمهوري، ومعهم المرشّح السابق، سنان أوغان، الذي وصفه إردوغان بأنه أحد «أعضاء» تحالفه، بعدما تحوّل خلال أسبوع واحد فقط من عدوّ إلى حليف وثيق. ثم ألقى بحضورهم، وكعادته بعد كل انتصار، «خطاب البلكون» من على شرفة القصر الجمهوري هذه المرّة، وليس شرفة مقرّ «العدالة والتنمية»، متعهّداً «السَيْر في القرن التركي» وسط ارتفاع القبضات بشعار «رابعة» (العدالة والتنمية) و»الذئب» (الحركة القومية). وتخلّلت الخطاب، في مؤشّر سلبي، حملة عنيفة على كيليتشدار أوغلو، وعلى الحركة الكردية، حين وصف إردوغان زعيم «حزب الشعوب الديموقراطي» السابق، صلاح الدين ديميرطاش، المعتقل في سجن أدرنة منذ عام 2017، بـ«الإرهابي»، فتعالت الصيحات مطالبةً بإعدام «سيلو» (اختصار اسمه وفقاً لإردوغان). وفي هذا الوقت، كان كيليتشدار أوغلو يلتقي في مقرّ «حزب الشعب الجمهوري» في أنقرة، بقادة «تحالف الستة» المعارض، حيث أدلى بتصريح أكد فيه أن «طريق النضال سيتواصل، ولن يتوقّف هنا»، معتبراً أن «المعركة لم تكن متكافئة، في ظلّ تسخير إردوغان إمكانات الدولة لمصلحته».

 

ad

أَظهر التصويت في مناطق الزلزال تقدُّماً واضحاً لإردوغان، حيث أعطته معظم المحافظات أصواتاً إضافية في الدورة الثانية

 

وعلى رغم الهزيمة التي تلقّتها المعارضة في الانتخابات النيابية كما الرئاسية، أَظهرت الأرقام استمرار التحوّل، الذي بدأ في الانتخابات البلدية عام 2019، لمصلحة المعارضة في المدن الكبرى، حيث تقدَّم كيليتشدار أوغلو بنسبة 52% في إسطنبول في مقابل 48% لإردوغان، و بـ51% مقابل 49% في أنقرة، فيما حُسمِت إزمير وبفارق كبير للمعارضة بـ67% في مقابل 33%، كذلك تقدَّم مرشّح المعارضة في أنطاليا بـ57% في مقابل 43% للرئيس الفائز. وأَظهر التصويت في مناطق الزلزال تقدُّماً واضحاً لإردوغان، حيث أعطته معظم المحافظات أصواتاً إضافية في الدورة الثانية، جاءت على الشكل التالي: قهرمان مراش (76%)، غازي عينتاب (63%)، شانلي أورفه (65%)، آدي يمان (69%)، ملاطيا (72%)، إيلازيغ (70%)، عثمانية (66%)، كيليس (70%)، فيما لم يَعرف كيليتشدار أوغلو تقدُّماً سوى في محافظة أضنة، حيث نال 54% من الأصوات. وحتى في هاتاي، معقل «حزب الشعب الجمهوري»، تقدَّم إردوغان ولو بفارق 0.24%. وتراوح معدَّل تقدُّم الرئيس التركي في محافظات الزلزال، مقارنة مع الدورة الأولى، بين 3 وخمس نقاط.

ad

 

أمّا في المناطق الكردية، فقد تقدَّم كيليتشدار أوغلو بفارق كبير، بلغ في مدينة ديار بكر 42 نقطة، حيث نال 72% في مقابل 28% لإردوغان. كما تقدَّم مرشّح المعارضة في جميع المحافظات الكردية بغالبية ساحقة، تتراوح بين 65% و75%. لكن اللافت، هو أن نسبة الإقبال على التصويت في المناطق الكردية – مِن مِثل ديار بكر وماردين وفان وحقاري وشيرناق وباتمان -، تراجعت عن الدورة الأولى بمعدّل خمس نقاط. ورّبما يعود ذلك إلى استنكاف البعض من الأكراد عن التصويت، بعدما استاؤوا من الاتفاق الذي وقّعه كيليتشدار أوغلو قبل أيام قليلة من الدورة الثانية، مع زعيم «حزب النصر» القومي المتشدّد، أوميت أوزداغ، من أجل الحصول على أصوات الأخير البالغة نحو 2.5%، والذي اعتبره الأكراد معادياً لهم.

ولا شكّ في أن الأنظار ستتّجه الآن نحو توزيع المهامّ التنفيذية والإجراءات البروتوكولية، حيث يُنتظر أن تعلن «اللجنة العليا للانتخابات» الأرقام الرسمية يوم الخميس المقبل، في الأول من حزيران، ليصار بعدها، خلال ثلاثة أيام، إلى أداء إردوغان القسم أمام البرلمان، على أن يباشر من بعدها بتعيين نواب الرئيس والوزراء. وليس واضحاً بعد ما إذا كان أحد من الوزراء الذين انتخبوا نواباً سيعود إلى الحكومة، مع انتشار أنباء حول إبقاء ثلاثة وزراء انتخبوا نواباً في مناصبهم، هم وزراء الدفاع والخارجية والداخلية. وسيتمثّل في البرلمان 16 حزباً ترشّح بعضهم على لوائح أحزاب أخرى، وخمسة تكتّلات كبيرة، هي: أحزاب «العدالة والتنمية»، «الشعب الجمهوري»، «اليسار الأخضر»، «الحركة القومية» و«الجيّد». ولجهة توزُّع الأصوات، كان لافتاً تقدُّم إردوغان في البلدان العربية وإيران وباكستان، وتخلّفه في الدول الأوروبية واليابان وإسرائيل والصين، فيما بلغت النسبة الأعلى التي نالها في لبنان (95% في مقابل 5% لكيليتشدار أوغلو)، وفي الأردن 90%، و79% من الأصوات في مصر.

ad

 

ومن الطبيعي أن تبدأ، منذ الآن، النقاشات حول ملامح المرحلة المقبلة، ولا سيما أن كيليتشدار أوغلو لمّح إلى تأجيل المؤتمر العام لـ«حزب الشعب الجمهوري» إلى ما بعد الانتخابات البلدية في ربيع 2024، ممّا يعني أنه سيستمرّ كونه رئيساً للحزب لسنة على الأقلّ، وسط حديث عن مؤتمر عام قريب لـ«الحزب الجيّد». لكن الأنظار تبقى دائماً متّجهة إلى رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أغلو، الذي قال إن «الشيء الوحيد الذي لا يتغيّر هو التغيير. ولا يمكن توقُّع نتائج مختلفة إذا كنت تقوم بالأشياء نفسها»، في ما فُسّر على أنه دعوة إلى التغيير داخل الحزب. ويكتب سرتاتش إش، في صحيفة «جمهورييات»، أن المعارضة نجحت في إظهار وحدتها، ولكن بعد الآن سيتغيّر الهدف من «تغيير» النظام إلى «ترميمه»، لافتاً إلى أن «حزب العدالة والتنمية» الذي بدأ حكمه بانفتاحات أثارت «نقزة» لدى القوميين، تحوّل لاحقاً إلى المعبّر الأول عن التشدّد القومي، وقاد من هذا المنطلق حملة ضخمة ضدّ «الشعب الجمهوري». وقد أَدركت المعارضة أهميّة العامل القومي لاحقاً، ولكن ذلك جاء بعد فوات الأوان. ووفق الكاتب، فإنه، وعلى رغم الأصوات المرتفعة التي نالها كيليتشدار أوغلو، فهو لم يربح المعركة، فيما ازداد الإحباط مع حصول الأحزاب الصغيرة على نواب كثر (36 نائباً) على لوائح «الشعب الجمهوري»، كما لو أن الحزب يرشّ الملح على جرحه. ويشير الكاتب إلى أن الحراك داخل الحزب بدأ، لكن تدخُّل السلطة في المسار القضائي وتحريك دعوى ضدّ أكرم إمام أوغلو أربكا «الشعب الجمهوري» وإمكانية التغيير داخله. ومن جهته، يرى الباحث تانجو طوسون، أن ميول ناخبي سنان أوغان كانت نحو كيليتشدار أوغلو، ولكن على ما يبدو توزّعت أصواتهم مناصفة بين المرشّحَين، لافتاً إلى أن اتفاق كيليتشدار أوغلو مع أوميت أوزداغ ربّما أثّر في تناقص الأصوات الكردية التي نالها مرشّح المعارضة في الدورة الثانية.

ad

 

أمّا مراد يتكين فيقول إن إردوغان ربح، لكن المسألة الأصعب التي ستقف في وجهه هي كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية، خصوصاً أن الانتخابات البلدية ستستحقّ بعد عشرة أشهر، مع ما تتطلّبه من عدم شدّ الأحزمة، وطرْح التساؤل عمّا إذا كانت روسيا ودول الخليج ستواصل ضخّ المال لمصلحته. كذلك، سيواجه الرئيس التركي، في الانتخابات البلدية، عقبة إسطنبول وأنقرة اللتين لم يستطع أن يربح فيهما في الدورة الثانية. ولكن الحفاظ عليهما من جانب المعارضة، يتطلّب استمرار تحالفها الحالي. ويرى يتكين أن انتصار التيار القومي في تركيا ينسجم مع صعوده في معظم بلدان العالم، وأن أولوية الولايات المتحدة الآن هي الحصول على موافقة تركيا في اجتماع «حلف شمال الأطلسي» المرتقب في حزيران المقبل، على انضمام السويد إلى الحلف. وما لم تُظهر هذه الأخيرة تنازلات في شأن الأكراد، فمن غير الممكن تغيير موقف أنقرة المعارض. والثمن الذي يريده إردوغان على الأقلّ، هو شراء طائرات «أف-16» الأميركية لضرب «حزب العمال الكردستاني». أمّا الاتحاد الأوروبي، فهمّه الأساسي ينحصر في بقاء اللاجئين السوريين في تركيا وعدم انتقالهم إلى أوروبا، فيما يبدو بعض زعماء هذه الأخيرة مستفيدين من بقاء إردوغان كون استهدافه في حملاتهم الانتخابية يتيح لهم كسْب أصوات القوميين في بلادهم.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

روسيا ما بعد «هجوم موسكو»: كل الطرق تؤدي إلى أوكرانيا!

  انبرت الأطراف الغربية لتكون أشبه بـ«هيئة دفاع» عن أوكرانيا، ينحصر اهتمامها في «ردّ الدفوع» الروسيّة عنها (أ ف ب)   سرعان ما تحوّل هجوم ...