بعدما أحاطها بكثير من الغموض، ومنع النقاش حولها إلّا في دائرة ضيّقة من الخبراء معيّنة من قِبَله، أخرج قيس سعيد مسودة دستوره التي سيعرضها على الاستفتاء أواخر الشهر الحالي. مسودةٌ لعلّ أهمّ ما فيها أنها تؤسّس لحُكم الفرد المطلق؛ لا لكونها أسندت صلاحيات واسعة إلى الرئيس بصورة عشوائية فحسب، بل بفعل تعطيلها أيضاً السلطات الأخرى، وإغلاقها الأبواب على أيّ إمكانية لمراقبة رأس الهرم ومحاسبته
حتى القليل من «ميكانيزمات» الرقابة المقترَحة، تُواجهها «ميكانيزمات» مضادّة لتجاوزها
أمّا الأهمّ، فبقيّة الأبواب التي أقرّت قيام نظام رئاسي فجّ، لا رقابة فيه على الرئيس ولا رادع له، وحتى القليل من «ميكانيزمات» الرقابة المقترَحة، تُواجهها «ميكانيزمات» مضادّة لتجاوزها، فيما رئيس الحكومة بات مجرّد موظف لدى الرئيس لا يحقّ له حتى اقتراح مشاريع قوانين وعرضها على البرلمان، علماً أن الديموقراطية التي تسند صلاحيات واسعة إلى رئيس البلاد، تخلق مؤسّسات مضادّة مهمّتها ردعه ومراقبته والتأسيس للتوازن معه. وبخصوص السلطة التشريعية، فهي مفرَغة من أيّ صلاحيات حقيقية، باستثناء تلك المتعلّقة بسنّ القوانين، والتي أصبحت تُقاسمها إيّاها مجلس الجهات والأقاليم – في ما يمثّل غرفة ثانية للبرلمان -، التي أعاد سعيد إحياءها حتى يكون لها دور في رسم السياسات التنموية العامة وإقرار مشاريع الموازنات. كذلك، سُحبت من النواب المستقبليين حصانتهم، وحُظرت عليهم «الانتدابات»؛ أي أن مَن يُنتخب عن حزب معيّن أو كتلة معيّنة لا يجوز له أن ينضمّ إلى أخرى بعد انتخابه، مُنهياً بهذا ما اصطُلح على تسميته «مركاتو البرلمان التونسي»، والذي كان فيه النوّاب يبدّلون ولاءاتهم لصالح الحزب الأثرى. وانتهاءً إلى المحكمة الدستورية، فلم ينصّ عليها دستور سعيد إلّا خجلاً، في حين أن تركيبتها وصلاحياتها يبعثان على الاعتقاد بأنها ستكون مجرّد ذراع من أذرع الرئاسة؛ إذ إن الرئيس هو مَن يسمّي القضاة، والأقدم بينهم يكون عضواً في المحكمة.