آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » زيادةٌ لا تغني ولا تسمن: رواتب السوريين تكفي لأسبوع واحد

زيادةٌ لا تغني ولا تسمن: رواتب السوريين تكفي لأسبوع واحد

| لمى علي

لم يفلح قرار زيادة الأجور بنسبة 100%، والذي انتظره السوريون طويلاً، في إرواء عطش هؤلاء، لا بل إنه استثار غضبهم لما رافقه من زيادة في أسعار المحروقات – التي كانت ارتفعت مرّات عدّة أصلاً منذ بداية العام -، ستؤدي بدورها إلى زيادة في نسب التضخّم والفقر، ومزيد من التدهور في مستوى المعيشة، على اعتبار أن الارتفاع سيطال أسعار السلع كافة، بأضعاف ما كانت عليه قبل صدور المرسومَين التشريعيَين 11 و12. ولعلّ أولى بوادر التداعيات المنتظَرة، تجلّت في الصباح التالي للقرارات الأخيرة، والذي شهد أزمة مواصلات كبيرة في أغلب المناطق بسبب امتناع الكثير من سائقي التاكسي والباصات عن العمل بتعرفة النقل القديمة، والتي لم تَصدر تعديلاتها حتى آخر النهار، بعدما عانى وتضرّر الكثير من المواطنين، وعلى رأسهم طلاب الجامعات الذين لم يصلوا إلى امتحاناتهم في الوقت المحدّد، وموظفون دفعوا أجوراً مضاعفة ليصلوا إلى أماكن عملهم.

بالورقة والقلم
وفق الأرقام الصادرة عن «المكتب المركزي للإحصاء»، فإن معدّل التضخم بين عامَي 2011 و2021، بلغ 3852.29‎%، أي أن الأسعار تضاعفت خلال تلك الفترة بحوالى 40 مرّة. أمّا معدّله لعامَي 2022 و2023، بحسب البيان المالي لوزارة المالية، فبلغ 100.7 و104.7%، أي أن الأسعار ازدادت بحوالى 160 مرة. وبالتالي، فإن الحدّ الأدنى للرواتب والأجور، والذي يمكن أن يتناسب مع الزيادات المذكورة، يجب أن يصل إلى 1.5 مليون ليرة شهرياً على أقلّ تقدير، علماً أنه وفقاً لدراسة محلّية حديثة، أعدّتها صحيفة «قاسيون»، فإن حاجة الأسرة المكوَّنة من 5 أفراد تصل إلى 6.5 ملايين ليرة شهرياً للعيش بصورة مقبولة.

تقول المواطنة سلاف الحسين، في حديث إلى «الأخبار»: «عشنا وقتاً طويلاً من التخدير في انتظار زيادة رواتب تناسب الوضع المعيشي البائس الذي نتحمّله، وكانت الطروحات المتداولة أن نسبة الزيادة ستصل إلى 400% وهذا هو المنطق لنتمكّن من العيش، إلا أننا خُدعنا وخُذلنا». أمّا المواطن ورد الخيّر فيقول: «كنّا نتوقّع ألّا يحصل الموظف على راتب مليون ليرة كما يجب أن يكون، لكن على الأقلّ أن يصل الراتب إلى 500 ألف حتى يتمكّن ربّ الأسرة الذي يعمل عملين أو ثلاثة من أن يعيش وعائلته بكرامة».
من جهته، يعتقد عضو «مجلس الشعب» المستقل، ناصر الناصر، أن الحكومة «عاجزة عن فعل أيّ شيء لتحسين الوضع المعيشي، وخاصّة مع التخبّط والعشوائية في القرارات»، لافتاً إلى أن «الحجّة دائماً هي عدم استقرار سعر الصرف، ولا نعرف لماذا على الشعب أن يدفع ثمن ذلك، وتبقى الحكومة هي الرابحة». ويؤكد أنه «لم يعد هناك فائدة من الكلام والمطالبات والمداخلات تحت قبّة البرلمان، لأنها لم تثمر أبداً»، قائلاً: «لم نَعُد قادرين حتى على مواجهة ممثّلينا من الشعب الذي خذله نوابه وحكومته».

لا تحسُّن سيطرأ على معيشة المواطن نتيجة زيادة الرواتب والأُجور

حدود الكرامة
لا يبرح الموظفون السوريون يقارنون رواتبهم الهزيلة برواتب موظفي الدول العربية الفقيرة منها والغنية، و«يُقرّشون» أجورهم بالدولار ليجدوا أنهم يَقبلون العمل في دولتهم بأبخس الأثمان على الإطلاق. وفي هذا الإطار، يقول المواطن جاد عز الدين، الموظف منذ 16 سنة، لـ«الأخبار»: «لا يتجاوز راتبي الشهري الـ20 دولاراً»، وهو ما يعدّ «بقشيشاً في بعض الدول الأخرى»، متسائلاً: «هل فكّرت الحكومة قبل إقرار هذه الزيادة المنتظرة، كيف سيتحسّن الوضع المعيشي للمواطن؟ هل تريدنا أن نلجأ إلى السرقة وأكل المال الحرام؟».
أمّا سراء إبراهيم، فتقول باستهزاء: «كان الراتب يكفي أسرة صغيرة لمدّة 3 أيام، والآن أصبح يكفيها لـ6 أيام»، فيما تشير المدرّسة المتقاعدة، هيام عبد الله، إلى أن راتبها التقاعدي الذي تضاعف «بالكاد يؤمّن لها ثمن أدويتها التي طالها ارتفاع أسعار الدواء الأخير بنسبة 50%، إضافة إلى كيلو من البن»، مضيفةً أنها «تعتمد بشكل أساسي على الحوالات التي تصلها من أبنائها في المغترب». وتقول: «ياريت ما زادوا هالراتب»، لما سيرافق ذلك من ارتفاع في أسعار كل السلع كما جرت العادة.
وإذا كان موظفو القطاع الحكومي، الذين مُنِحوا زيادة على رواتبهم، هم الفئة الأكثر فقراً في المجتمع السوري، والذين تبلغ نسبتهم 14.5% من حجم قوة العمل، وفق أرقام «المركزي للإحصاء» لعام 2021، فالواقع أن ميزات العمل جميعها في هذا القطاع تلاشت أمام الأجور المتدنيّة التي لا تحقّق للموظف أدنى مقومات الحياة. ويتّهم الموظف عادل السبع الحكومة بأنها «أهدرت كرامة الموظف بهذه القرارات، ومن الأفضل البحث عن عمل في القطاع الخاص، الذي على الأقلّ يعطي في أسوأ حالاته ضعف راتب العمل الحكومي»، مضيفاً أن «العمل في سوريا بات بالنسبة إلى أغلب أبنائها نوعاً من أنواع العبودية، لكنها عبودية لا تشبع عبدها الطعام حتى يقوى على العمل في اليوم التالي».

أولويات الحكومة
بدوره، يؤكد الباحث الاقتصادي، محمد كوسا، أنه «لا تحسُّن سيطرأ على معيشة المواطن نتيجة هذه الزيادة، إذ إن السوق امتصّها حتى قبل الحصول عليها، فأسعار السلع والخدمات ارتفعت متأثّرةً بقرارات رفع أسعار مشتقّات الطاقة وتقليص الدعم»، مُضيفاً أن «التأثير الحاصل من تلك الزيادة لن يتعدّى العودة بالقدرة الشرائية إلى ما كانت عليه قبل شهرين فقط». ويرى كوسا، في حديث إلى «الأخبار»، أن «إعادة هيكلة الدعم مسألة ضرورية لأيّ حكومة، لكن من غير الصحيح القول إن نسبة زيادة الرواتب هي من كتلة الدعم، وإنما تخفيض كتلة الدعم هو تصحيح لوضع الموازنة العامة وتوجيه للإنفاق العام في اتّجاهات لها أولوية لتخفيض أو تصفير العجز في بعض بنود الموازنة»، متابعاً أن «الحكومة مضطرّة للإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات العامة من كتلة الدعم بدلاً من تخصيصها لزيادة الرواتب».
ويعتقد كوسا أن الخلل «يكمن في صناعة القرارات الاقتصادية الإدارية التي تتطلّب العقول الخبيرة لتقوم بالدراسات الكاملة الدقيقة، بعد فهم الأهداف والسياسات الموضوعة، وإن وجدت تلك الخبرات تصاب القرارات بالانحراف عند تطبيقها، ممّا يفسح المجال للفساد للتغلغل بسبب ضعف مقدرة المنفّذين». وعن الحلول الممكنة، يعتبر أنه «لا بدّ من تحسين الدخول» كـ«ضرورة حكومية اقتصادية واجتماعية»، مضيفاً أنه «على المدى القصير، يتوجّب العمل على إصدار زيادات متواترة متلاحقة ومتقاربة على الرواتب والأجور، ويمكن تعديل شرائح الضريبة على الراتب أو تعليقها لمدة عام مع إيقاف حسميات التأمينات الاجتماعية وصناديق التكافل وغيرها للوصول إلى الحدّ الأدنى من الدخل الذي يتمكّن معه الموظف من تأمين أساسيات متطلّبات المعيشة، مع الاستمرار في تقديم المنح المالية». أمّا على المدى البعيد، فيتحدّث عن «حلول مركبة جوهرها الخروج من التضخم البنيوي للاقتصاد السوري بالاعتماد على مسألة التشغيل السياسي».

سيرياهوم نيوز3 – الأخبار
x

‎قد يُعجبك أيضاً

«المطارنة الموارنة»: نرفض إبقاء النازحين السوريين في لبنان … خوري: المشكلة عند الأوروبي والأميركي

في الوقت الذي أكد فيه الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري على جاهزية سورية لاستقبالهم خلافاً لما يتردد وأنها اتخذت كل الخطوات الممكنة ...