آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب الأسبوع » سفينة نيرودا… للكاتبة التشيلية ايزابيل الليندي

سفينة نيرودا… للكاتبة التشيلية ايزابيل الليندي

هبة اللـه الغلاييني

الثلاثاء, 23-03-2021

آخر ما ألفته الروائية (ايزابيل الليندي) هو رواية (سفينة نيرودا) التي نشرت في أواخر عام 2020، ترجمة الراحل (صالح علماني). ومثل العادة تبحر الكاتبة بنا عبر تاريخ طويل تنتقل فيه من إسبانيا إلى فرنسا إلى تشيلي. رواية فيها الكثير عن المنفى، والاستبداد، والقمع، والانتماء، بالإضافة إلى الحب الذي لا تستغني الكاتبة عنه في رواياتها.
تتحدث الرواية عن أسرة مارسيل دالماو الإسبانية المؤلفة من الأب مارسيل وهو موسيقي فذ ومؤسس أوركسترا برشلونة، والأم كارمي التي أخذت على عاتقها مهمة تعليم أبنائها والأطفال والفتية.

فيكتور هو بطل الرواية، وكان يدرس الطب، والتحق في بداية الحرب الأهلية بالجيش الجمهوري الموالي للحكومة الشرعية الإسبانية عام 1936، وهناك وليام الابن الأصغر الذي كان من المقاتلين الأشداء، والذي أصر بتصميم انتحاري على مواصلة القتال إلى جانب الرفاق حتى الموت، وكانت نهايته أشلاء بمعركة نهر إيبرو ولم ينج منه إلا محفظة مهترئة تتضمن صورة حبيبته روزر.
أما روزر فقد عرفها الأب مارسيل طفلة بعمر ثمان سنوات، راعية ماعز من أسرة فقيرة، ولكن توسم فيها الفطنة فأخذ على عاتقه تعليمها العزف على البيانو، وأرسلها لتعلم الموسيقا، وأسكنها بيته وأصبحت جزءاً من العائلة، ارتبطت روزر بعلاقة حب مع ويليام، وعندما مات وحيداً كانت حاملاً بابنه الذي لم يره قط.
كانت روزر وكارمي الأم من ضمن آلاف الهاربين من بطش فرانكو بعد هزيمة الحكومة الشرعية يرافقهم صديق مؤتمن، لكن الأم كارمي تضيع في فوضى الهروب، والحقيقة أنها هربت لأنها لا تريد أن تترك وطنها.
أما فيكتور فبعد أن حمل الجرحى والمرضى في حافلات، وبعد أن بقيت في ذاكرته وروحه رائحة اللحم المحروق والأطراف المبتورة، والأشلاء غير القابلة للجمع، والحزن لموت أخيه، فقد قرر أن يرافق الجرحى في رحلة اللجوء المضنية.
بعد رحلة من العذاب لروزر وصديقها وبعد مشي مضن على الأقدام في الجبال المتجمدة، وصلت روزر إلى فرنسا، وكانت من سكان معسكر اللاجئين الذي يفتقر إلى أدنى الشروط الصحية. لم يكن ممكناً متابعة الحياة في هذا المعسكر، ولم يكن هناك أمل في حياة كريمة، لكن بريق أمل لاح في الأفق عندما أعلن الشاعر (بابلو نيرودا) بتهيئة سفينة لنقل مجموعة من اللاجئين، وقبول إقامتهم في بلدة تشيلي الواقعة في نهاية العالم.
أصبح (بابلو نيرودا) وهو في الرابعة والثلاثين من عمره من أفضل شعراء جيله. كان نيرودا رجلاً من جنوب تشيلي، من أرض المطر والخشب، ابن عامل سكة حديد، وبسبب شهرته وتعاطفه مع اليسار عين قنصلاً لبلاده في العديد من الدول، وقبيل الحرب الإسبانية، كان في إسبانيا، وكان صديقاً للشاعر لوركا الذي اغتيل غدراً على يد أنصار فرانكو. كان يحب إسبانيا، ويكره الفاشية، واستطاع إقناع دولته بقبول ألفي لاجئ إسباني وجهز لهم سفينة أطلق عليها اسم ( وينييغ)، حيث أبحرت من فرنسا.
كان على متن هذه السفينة فيكتور وروزر والمولود ابن ويليام، وتزوج فيكتور روزر حبيبة أخيه الراحل ليتمكن من الصعود إلى السفينة، حيث عاهد فيكتور روزر بأن يرعاها هي وابنها، وأن يكون صديقها وليس زوجها، احتراماً لذكرى ويليام.
وصلت السفينة إلى تشيلي في خريف 1939 مع بداية الحرب العالمية الثانية، وعمل فيكتور هناك نادلاً في حانة ليلية، في حين كان يتابع دراسة الطب في الصباح، وعملت روزر عازفة بيانو ومدرسة موسيقا.
أصبح فيكتور صديقاً للسيناتور سلفادور الليندي، حيث جمعت بينهما الأفكار الاشتراكية وهواية لعب الشطرنج، وحينها لم يتدخل فيكتور بالأمور السياسية، حيث كان هذا شرطاً من شروط قبول اللاجئين. وبعد خمسة وعشرين عاماً انتخب سلفادور الاشتراكي رئيساً لتشيلي، ولكن أميركا كانت له بالمرصاد، وكان من المحال أن يفلت من الإمبريالية الأميركية وعملائها في الداخل، فأنهت حكم سلفادور الليندي وقتلته وأعلنت أنه انتحر. وطرد من عمله كل من ناصر الليندي. وبوشاية من جاره اعتقل فيكتور وعذب بسبب صداقته للرئيس، كانت فترة من الظلم والقهر، ثم استطاع فيكتور الهروب من السجن، واللجوء مرة أخرى إلى بلد جديد فهرب إلى فنزويلا.
كانت فنزويلا بلداً غنية تعوم على بحر من النفط، وكان على فيكتور وزوجته أن يبدأا من الصفر. ونظراً لسمعة فيكتور كطبيب ناجح وماهر استطاع أن يجد عملاً مرموقاً، أما روزر فقد أسست فرقة أوركسترا. وكان ( مارسيل) ابن ويليام قد أصبح شاباً، وتخرج بعد أن درس الهندسة، ثم عمل في تشيلي بشركة نفط. عاشوا في فنزويلا عيشة سعيدة، غير أن الحنين إلى وطنهم كان ما يعكر صفوهم.
وفي عام 1975 مات دكتاتور إسبانيا (فرانكو) بعد أربعين سنة من الحكم التعسفي، فعادت إلى فيكتور غواية الرجوع إلى الوطن الأم (إسبانيا).
وبالفعل تحقق حلم فيكتور وروزر بالعودة إلى الوطن، تجولا كثيراً في شوارع إسبانيا، وزارا منزلهما في برشلونة مرتع طفولتهما، وكان البيت عبارة عن أطلال مهللة وقد احتلته مجموعة من الشباب تفوح منهم رائحة الماريجوانا.
شعروا ببرودة المشاعر، والضياع بعد غربة مريرة، حيث أصبحوا غرباء في وطنهم، فقرروا العودة إلى تشيلي التي احتضنتهم وقت الشدة، ومنحتهم الحب والحياة، وشكلوا فيها صداقات متينة، ورزقوا فيها بـ(مارسيل) الذي لا يعرف بلداً غير تشيلي وبعد تسع سنوات، وفي استفتاء شعبي سقط بينوشيه، وتعززت الديمقراطية، وكانت فترة سعيدة لهذين الزوجين، مليئة بالحب والتفاؤل.
ولأن السعادة لا تدوم، اكتشفت روزر إصابتها بمرض السرطان وهو في مراحله الأخيرة، كانت صدمة لفيكتور الذي ترك عمله ليتفرغ للعناية بزوجته، لكن الموت كان أسرع إليها. لينهي حياة امرأة كانت راعية غنم، ثم أصبحت أشهر عازفة وقائدة للأوركسترا. وبموتها تنهي الروائية (ايزابيل الليندي) روايتها الطويلة والشيقة، والمليئة بالأحداث والتوثيق التاريخي لفترة زمنية عاشتها إسبانيا، وتصف فيها حيوات عميقة لأشخاص خاضوا مغامرات وحرباً قاسية.

(سيرياهوم نيوز-الوطن)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

من اسطنبول إلى حيفا..

إسماعيل مروة   تعدّ مرحلة بناء الدولة العربية المستقلة من نهايات القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين من أهم الحقب وأغناها، وأكثرها جدلاً، إذ ...