آخر الأخبار
الرئيسية » مختارات من الصحافة » سورية بعد 74 سنة من تأسيس البعث و58 سنة من استلام السُلطة !.

سورية بعد 74 سنة من تأسيس البعث و58 سنة من استلام السُلطة !.

د. عبد الحميد فجر سلوم

لا أحدا ينكُر أن أهداف البعث القومية والعروبية تُعبِّر عن روح وضمير الأمة.. فالعروبة حقيقة حيّة ومشاعرها تسري في دم كل عربي، كما تسري المشاعر الكردية في دم كل كردي، والفارسية في دم كل فارسي، والتركية في دم كل تركي، والألمانية في دم كل ألماني، وكذلك الفرنسية والروسية والصينية والأرمينية والمجرية.. الخ.. العربُ يقولون الكثير ولا يفعلون شيئا، بينما غيرهم يقولون القليل ويفعلون كل شيء..

كافة أمم الأرض تلتحم حول بعضها بعضا وكأنها عائلة كبيرة قومية واحدة..وها هُو ” المجلس التركي” أمامنا، ويُسمّى رسميا ” مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية”، تأسسَ في تشرين أوّل 2009، ويضمُّ تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزيستان وتركمانستان وأوزباكستان.. وهذا يُشكِّلُ عُمقا استراتيجيا لتركيا، مما يجعل روسيا تحسب لذلك كل الحسابات.. وهكذا شهِدنا كيف كان الدّعمُ لأذربيجان في الحرب الأخيرة في ناكورنو كاراباخ..

**

وكذلك، مبادئ البعث التي هَدَفَت إلى إلغاء كل أشكال العصبيات الدينية والطائفية والعشائرية والمناطقية، والالتزام بقضايا الكادحين من عمالٍ وفلاحين ومُستضعفين وصغارُ الكَسبَة والمثقفين التقدميين ، هي أيضا مبادئٌ نبيلة تعبر عن ضمير أكثر من 90 % من مشاعر أبناء الشعب..

**

هل هناك من عربيٍ اليوم لا يقفُ مع مصر والسودان، عفويا ، في أزمتهم مع الحبشة بخصوص سد النهضة الحبَشي الذي يهددُ أمن مصر والسودان المائي والغذائي والقومي؟.

هل من عربيٍ لا يقف إلى جانب فلسطين وشعب فلسطين، عفويا، ضد الاحتلال الإسرائيلي؟. طبعا لا أتحدث هنا عن الخونة، وهُم موجودون بقوة، لاسيما في هذا الزمن الصعب..

**

نعم هذه هي مشاعر العروبة التي أتحدثُ عنها، تجدها في دمِ كل عربي على امتداد مساحة الوطن العربي، وحتى خارجهِ، لدى العرب.. وهذا شَهِدتهُ وخِبرتهُ عن قُرب خلال سنوات الغُربة الطويلة.. نعم الحُكام مختلفون، ولكن الحكام ليسوا الشعوب..

السؤال اليوم: أين نحن من كل تلك الأهداف والمبادئ؟. ماذا تحقق منها؟. أين هو الحزب ودور الحزب على الساحة الرئيسية التي تأسس وترعرع فوقها؟. هل هو صاحبُ الكلمة، أم أنه واجهةٌ فقط يتحرك بتوجهات من الخلف، كما يُجادل الكثيرون؟.

أين هو النقد والنقد الذاتي داخل الحزب؟. أين هي حرية الرأي والتعبير بِداخلهِ؟. أين هي القيادات المُنتخَبة ديمقراطيا حسب التسلسل؟. أين هي البنية التنظيمية والفكرية والثقافية الواحدة؟. أين هي العَلمانية التي طالما تحدث عنها الحزب؟. أين هو من العصبيات الطائفية والدينية والمذهبية والعشائرية والمناطقية، التي غَرِق فيها المجتمع السوري اليوم؟.

أين هو فصلُ الدين عن الدولة، بينما المادة الثالثة في الدستور، الفقرة1 تقول أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام، وفي الفقرة 2 الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع؟. أين هو التسامح والتسهيل للتيارات الدينية من النشاط الكامل على الساحة السورية، وتحجيم التيارات العَلمانية، أين ذلك من علمانية الحزب؟.

أين دولة القانون والمؤسسات الفعلية، والعدالة وتكافؤ الفرص ووضعِ الرجل المناسب في المكان المناسب.. الخ..

**

لن أُزيدَ أكثر.. نحن اليوم في وادٍ، وكل ما طُرِح من أهدافٍ ومبادئ هي في وادٍ آخر.. الخطابات كثيرة، ولكنها مُجرّد خطابات.. الشمسُ لا تُغطّى بغربال.. علينا أن نفعل شيئا..

**

سورية اليوم لا تحتاجُ لِمن يتحدّثُ عن أحوالها وأوضاعها.. فهي واضحةٌ للجميع وتتحدّثُ عن نفسها: تقسيمٌ بِحُكم الأمرِ الواقع.. أوضاعٌ اقتصادية ومعيشية واجتماعية مأساوية، لم تعرف سورية مثيلا لها في تاريخها..

أمَلُ ورجاءُ كل سوري، هو الخروج من هذه الظروف والأوضاع الكارثية، ولكن الأملُ والرجاءُ شيء وحقيقة الأمور شيء آخر..

لا شيئا نراهُ  قريبا ومُشجِّعا للخروج والخلاص من هذه الظروف..وهذا ليس تشاؤما، بل توصيفا للواقع..

سورية اليوم مريضة، والمريض يكون ضعيفا.. هذا لم يكُن في عهد الاحتلال الفرنسي، حيثُ كانت هناك دولة أجنبية واحدة مُتواجِدة، وكان كل الشعب مُوحّدا في وجهها.. اليوم لدينا دولا عديدة، والشعبُ منقسمٌ على نفسهِ، بين هذه الدول.. بل الشعبُ يُخوِّنُ بعضه بعضا.. وكلٍّ من هذه الدول يعملُ بقوّة للحصول على أكبر مقدارٍ من الكعكة.. والسوريون لا حول لهم ولا قوّة..

**

المواقف الأوروبية والأمريكية لم تتغيّر، وهذا تجلّى في التصريحات التي رافقت مؤتمر بروكسل الخامس للمانحين الخاص بسورية، يومي 29 و 30 آذار 2021 .. والذي حضرتْ بهِ كافة الأطراف، ما عدا السوريين..

وكذلك في الوثيقة الختامية الصادرة عن المؤتمر وجاء فيها بأن : (الدول المانحة والاتحاد الأوروبي يؤكدان أن إعادة الإعمار في سوريا والدعم الدولي لتنفيذها سيكونان مُمكِنين فقط لدى سريان حلّ سياسي موثوق وراسخ ينسجم مع القرار 2254 وبيان جنيف… وحكومةٍ سوريةٍ ديمقراطية جامعة، ومُحاوِرين سوريين موثوقين وشرعيين وضمانات فيما يتعلّق بتمويل المحاسبة)..

**

هذا آخر ما صدر من تصريحات رسمية عن الموقف الغربي، وهذا ما جعل روسيا نفسها لا تشعرُ بالتفاؤل في قُربِ الانفراج..

بل التصريحات الصادرة من موسكو بعدها، لا تبعثُ على التفاؤل.. فوزير الخارجية لافروف حذّر خلال مؤتمر (فالداي) في 1 نيسان 2021 ( أي بعد يومين من مؤتمر المانحين الخامس في بروكسل) من مخاطر تفكيك الدولة السورية، وقال: إنّ النزاع في سورية ” يبدو في وضعٍ مُجمّدٍ” ، واستمراره على هذا النحو ” يُهدِّدُ بانهيار الدولة السورية”.. وحمّلَ المسؤولية للولايات المتحدة.. والولايات المتحدة بدورها تُحمِّل المسؤولية لروسيا.. وكلٍّ يُقدّم حُجَجهُ.. والسوريون متفرجون على المشهد ليس إلا، وهم في حالةٍ يُرثى لها..

بينما حذّر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فرشينين، خلال مداولات مؤتمر المانحين، من أن الانهيار الاجتماعي والاقتصادي في سورية، سوف يؤدي إلى تداعيات لا عودة عنها، وسيخلق موجة جديدة من اللاجئين الذين سيتوجهون نحو الاتحاد الأوروبي.. (يعني ليس نحو الاتحاد الروسي)..

**

خلال مؤتمر المانحين الخاص بسورية في نيسان عام 2018، صرّحت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي حينها، فيدريكا موغيريني، بأنّ: ” حل النزاع يبدو أبعدُ من السابق “، مضيفةً أنّ ” تدهور الوضع الميداني يجعل من المُلِحِّ أكثر التوصل إلى حل سياسي ”  .. وأضافت: ” علينا ممارسة الحد الأقصى من الضغوط على أطراف النزاع والجهات الداعمة لهم” .. واختتمتْ تصريحها بالتأكيد أنه : ” بدونِ حلٍّ سياسيٍ نحنُ نتّجهُ نحو كارثة” .. هذا كان في نيسان 2018، وأعتقدُ أننا اليوم نعيش الكارثة..

**

التحاور بين السوريين ضروري جدا، فإن لم يتحاوروا فيما يتعلق بمستقبل وطنهم، فعلى ماذا يتحاورون؟. بل القيادة السياسية طالما دعتْ لثقافة الحوار.. وأعتبرُ مقالي هذا في سياق  ثقافة الحوار المطلوبة.. والحوار يكون بين أطرافٍ مُختلفةٍ، وليست مُتّفقةٍ ، وعلى الجميع أن يتقبّلوا ويقبلوا ثقافة الاختلاف..

كاتب سوري ووزير مفوض دبلوماسي سابق

(سيرياهوم نيوز-رأي اليوم ٨-٤-٢٠٢١)
x

‎قد يُعجبك أيضاً

ناشيونال إنترست: لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟

يعرض مايك جونسون، رئيس مجلس النواب، منصبه للخطر ويغير موقفه من المساعدات الأوكرانية. فلماذا فعل ذلك؟ الكاتب جايكوب هايلبرون يفسر الموقف في مقال له في ...