آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » شي في موسكو «وسيطاً»: ولّى زمن الانكفاء

شي في موسكو «وسيطاً»: ولّى زمن الانكفاء

خضر خروبي

 

يتوجّه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، اليوم، في زيارة رسمية، هي الأولى له منذ نحو أربع سنوات، إلى العاصمة الروسية، موسكو، حيث سيجري محادثات مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين. في الجانب المعلَن، سيتناول الزعيمان تعزيز العلاقات الثنائية بين بلديهما على المستوى الاستراتيجي، وسيبحثان في آخر تطوّرات الوضع في أوكرانيا، ربطاً بـ«المبادرة الصينية» التي كانت قد طرحتها بكين، في شباط الماضي، لوقْف الحرب في هذا البلد. وإلى جانب لقاء القمّة الذي سيجمع شي إلى بوتين، تتواتر الأنباء عن نيّة الأوّل إجراء محادثة هاتفيّة مع نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي كان قد أعرب عن أمله في عقْد مباحثات مباشرةً مع الرئيس الصيني، وهو موقف فُسّر على أنه ترحيب من جانب كييف بدور الديبلوماسية الصينية التي تولي احتراماً لسيادة الدول، ووحدة أراضيها.

 

وتتزامن القمّة الرئاسية الروسية – الصينية مع توتّر العلاقات بين واشنطن من جهة، وموسكو وبكين من جهة أخرى، واقترابها على نحو خطير من المواجهة المباشرة، لا سيما بعد حادثة إسقاط المنطاد الصيني فوق المياه الإقليمية للولايات المتحدة، وأزمة «المسيّرة الأميركية» التي اتُّهمت روسيا بإسقاطها فوق البحر الأسود. كما أن التوقيت يستبطن رسالة تحدٍّ للغرب، رافضةً للعزلة الدولية لموسكو، كوْنها تأتي بعد أيّام قليلة من إصدار مذكّرة توقيف من قِبَل «المحكمة الجنائية الدولية» بحقّ الرئيس بوتين، بتهم «ارتكاب جرائم حرب»، علماً أن روسيا لم توقّع على «نظام روما الأساسي» لعام 1998، الذي تقوم عليه المحكمة، وبالتالي فهي غير خاضعة لقراراتها.

ad

 

وبين مَن يصرّ على طرْح عناوين دولية «حامية» لزيارة شي، في إطار مساعي الصين لترسيخ شرعيّة دورها في نظام عالمي جديد بعيداً عن الهيمنة الأميركية، وبالتعاون مع قوى دولية أخرى، في طليعتها روسيا، وبين مَن يحصرها في إطار «مهمّة سلام بارد» محصورة بالساحة الأوكرانية، يحضر السجال بين واشنطن وبكين حول شروط ذلك السلام. فمن جهتها، تتمسّك الصين بالمنطق القائل إن الحرب في أوكرانيا ناجمة عن مخاوف روسية مشروعة في شأن توسيع حلف «الناتو» على الحدود الروسية، وهي تكاد تعكس مخاوفها المرتبطة بتطوّر العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة، وعدد من الدول المجاورة لها، كاليابان وكوريا الجنوبية والفليبين، من دون أن يعني ذلك دعماً عسكرياً صينياً مباشراً ومعلَناً لموسكو لاعتبارات عدّة. وللتأكيد على الطابع «الهجومي» أو «الصدامي» لزيارة الرئيس الصيني، تعتبر صحيفة «نيويورك تايمز»، أن الحدث يُمكن النظر إليه كـ«جزء من استراتيجية بكين الرامية إلى مواجهة الضغوط الغربية عليها، والتي تشمل الانخراط بدور أكبر في حفْظ الاستقرار العالمي، بالتوازي مع مقارعة النفوذ الأميركي» من خارج الحدود الصينية. على هذا الأساس، ثمّة مَن يروّج لإدراج زيارة شي إلى العاصمة الروسية، ضمن توجّهات جديدة في السياسة الخارجية لحكومته، بعد انتخابه لولاية رئاسية ثالثة، وهي سياسة أكثر تشدّداً ووضوحاً في تحدّي الولايات المتحدة على الساحة الدولية. ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وظهور شكل من أشكال الاستقطاب الدولي في شأنها على مدى الأشهر الماضية، يرى البعض أن تلك التوجّهات اكتسبت قوّة دفْع إضافية. ففي أحد خطاباته، خلال الشهر الفائت، دأب الرئيس الصيني على إدانة مخطّطات القوى المعادية لتطويق بلاده، سواء عبر حضورها في جزيرة تايوان، أو في بلدان أخرى مجاورة لـ«الخصم الاستراتيجي الأول» للأميركيين، مؤكداً عزمه على التصدّي لِما يعتبره محاولات كبح «الصعود السلمي» و«إعادة البعث القومي» لبلاده من قِبَل الولايات المتحدة، وذلك عبر تعزيز استقلاليتها على المستوى الاقتصادي، وبخاصّة على المستوى التكنولوجي، رداً على عقوبات أميركية تستهدف هذا الجانب.

 

ad

يعتزم شي تقديم نفسه كـ«رجل دولة عالمي» حريص على مبادئ القانون الدولي لناحية التمسّك بالحلّ السلمي للنزاعات

 

في المقابل، يبني آخرون على المبادرة الصينية لحلّ الأزمة الأوكرانية، للجزم بأن السياسة الخارجية لبكين لم تغادر «سلميّتها» و«مقاربتها الناعمة» لحلّ الأزمات الدولية. وللدلالة على ذلك، يقرّ عميد الدراسات الدولية في جامعة فودان في شنغهاي، وو شينبو، بأن الصين، في عهد الرئيس الحالي، «تحوّلت عن نهجها الديبلوماسي (شديد التحفّظ) المعهود»، مستدركاً أن مبادرة بكين لوقْف حرب أوكرانيا تشكّل «خطوة استباقية متقدّمة» لِلَجم التصعيد في ذلك البلد. ويتابع أن الصين باتت تتّجه نحو «لعب دور متزايد على المسرح الدولي، بخاصّة على مستوى حلّ النزاعات الإقليمية». من جهته، يشدّد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة رينمين في بكين، تشي ين هونغ، على أن «النفوذ الدولي للصين، باعتبارها قوّة عظمى، أصبح مطلوباً أكثر من أيّ وقت مضى بغية توظيفه في إحلال السلام»، في إشارة إلى إحساس بكين بأهميّتها العالمية المتزايدة بعد نجاحها في تحقيق خرق ديبلوماسي في العلاقات بين طهران والرياض. ففي أوكرانيا، تبدو الصين متنبّهة إلى ضرورة القفز فوق محاولات الغرب إيقاعها في مستنقع «التورّط المباشر» في ما بات يُعرف بـ«العملية العسكرية الروسية الخاصة»، كجزء من محاولات واشنطن تبرير حملة تشديد العقوبات ضدّها. لذا، فهي تعكف على الدفع بحلول تفاوضية للحرب في أوكرانيا، بطريقة تسهم في تلافيها الإحراج الدولي الناجم عن استمرار علاقاتها بموسكو، على رغم استخدام الأخيرة للقوّة خلافاً للقانون الدولي، من ناحية، وإبعاد تهم إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لها بمحاولة تقديم دعْم عسكري لروسيا، من ناحية ثانية. وتأسيساً على نجاح جهود الوساطة الصينية على مسرح الشرق الأوسط قبل أيام، ومحاولة بكين الحفاظ على مسافة من طرفَي الحرب على المسرح الأوروبي، يعتزم شي تقديم نفسه كـ«رجل دولة عالمي» حريص على مبادئ القانون الدولي لناحية التمسّك بالحلّ السلمي للنزاعات، آملاً في تكرار تجربة الوساطة نفسها بين الجانبَين الروسي والأوكراني هذه المرّة.

ad

 

وإذا كانت بكين تتطلّع لإنقاذ علاقاتها مع كل من موسكو، بصفتها حليفتها الاستراتيجية الكبرى، وكييف، التي ربطتها علاقات تجارية وثيقة بها قبل الحرب، عن طريق طرْح «المبادرة الصينية»، فإنها، في الوقت نفسه، تراهن على استغلال التباينات الأميركية – الأوروبية في شأن آفاق المواجهة الروسية – الأوكرانية. فالقيادة في بكين، تعوّل على تقديم حافز ديبلوماسي للجانب الأوروبي من البوابة الأوكرانية، بنيّة الإيقاع بين بروكسل، المتململة من الحرب، وواشنطن، الراغبة في مواصلتها بهدف استنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً، على نحو يعكّر مناخات التوافق بين الحلفاء الغربيين، ويعرقل نهج العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة، على صعيد أنشطة التبادل التجاري والتعاون الاستثماري مع الصين. وفي ظلّ تكهّنات بسعي الرئيس الصيني إلى استرضاء بعض الدول الأوروبية الراغبة في مقاومة الضغوط الأميركية على تعاونها الاقتصادي مع بكين، كفرنسا وألمانيا، يرى نائب رئيس «معهد السياسات الاجتماعية في آسيا»، ومساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، داني روسيل، أن «هدف (زيارة) شي جين بينغ لا يتعلّق بروسيا أو بأوكرانيا، بقدر ما يتعلّق ببلدان أوروبا الغربية»، ملمّحاً إلى أن ما يقوم به الرئيس الصيني يندرج في إطار مساعيه للظهور أمام كلٍّ من الفرنسيين، والألمان بمظهر المؤيّد لإعطاء فرصة ديبلوماسية لوقْف الحرب في أوروبا.

ad

 

على المقلب الأميركي، لا تتوقّف إدارة الرئيس بايدن عن كيْل الاتهامات للحكومة الصينية بدعم موسكو من خلال انتقاد بكين على خلفية رفضها السيْر في رَكب العقوبات الغربية، وتبريرها غزو روسيا لجارتها، في ظلّ شبه إجماع في أوساط المسؤولين الأوروبيين والأميركيين على حدّ سواء، يميل إلى التشكيك بالنوايا الصينية واعتبار زيارة شي جين بينغ مؤشراً إلى انحياز بكين، أكثر من اعتباره دليلاً على حيادها حيال الأزمة الأوكرانية. من هنا، جاءت تصريحات الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، وتبريرات واشنطن لرفض الوساطة الصينية، من باب القول إنها تعطي فرصة للروس للتحضير لهجوم جديد، توازياً مع الاتهامات المتكرّرة لبكين بتقديم الدعم الاقتصادي والديبلوماسي الواضح لموسكو. وعلى رغم إصرار الإدارة الأميركية على ادّعاءاتها في شأن وجود نوايا صينية لتزويد روسيا بالأسلحة، يستبعد محلّلون غربيون أن تَعمَد بكين إلى تقديم دعْم عسكري لروسيا في هذه المرحلة، مرجّحين أن تتغيّر المقاربة الصينية تلك فقط في حال استشعار هزيمة وشيكة للروس.

ad

 

ختاماً، يبدو أن كفّتَي ميزان الحسابات الصينية تتأرجحان بين تفضيل استمرار الحرب في أوكرانيا، بما يساعد في تشتيت المجهود الاستراتيجي الأميركي في أكثر من ساحة حول العالم، وبين تخوّفها من مناخات التصعيد السائدة في أوروبا لِما توفّره من فرصة سانحة لواشنطن لإعادة توحيد المعسكر الغربي تحت قيادتها، وتسخيره في حمْلتها السياسية والاقتصادية والعسكرية ضدّ الصين. فهل يمكن فهم القمّة الروسية – الصينية على أنها تحفيز جدّي لموسكو على إيجاد تسوية مع الأوكرانيين، أم أنها بمثابة إنذار أخير تلوّح به بكين قبل «هجوم الربيع» الذي تتخوّف منه كييف؟ ومع توسّع مخاطر الاشتباك المباشر بين موسكو والغرب، وعودة الموقف الأميركي إلى خيار تشديد العقوبات ضدّ الصين، هل تَحسم «الجمهورية الشيوعية» تموضعها بشكل قاطع، وتقفز أخيراً في القارب الروسي؟ أم أن عامل الوقت لا يزال يكفل لها هامشاً أكبر للمناورة واللعب على هامش الحرب في أوروبا، قبل إطلاق صفارة المعركة المحتومة، والمتوقّعة بحلول عام 2027 بين بكين وواشنطن؟

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كوبا تجدد رفضها للإجراءات القسرية من قبل الولايات المتحدة ضد فنزويلا

وزير الخارجية الكوبي، برونو رودريغير، يجدد رفض بلاده للإجراءات القسرية الأحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة ضد فنزويلا.   جدد وزير الخارجية الكوبي، برونو رودريغير، ...