الرئيسية » كلمة حرة » طرطوس .. تضحك و تبكي !!

طرطوس .. تضحك و تبكي !!

 

سعاد سليمان

قبل أن أعرفها .. لم أكن أحب حتى اسمها !!
طرطوس ..
لماذا ؟! ولماذا أحببتها اليوم ؟
نحن البشر عبيد لمشاعرنا , لأفكارنا التي تتبع دقات القلوب , إذ نغلق الباب بالمفتاح على عقولنا ..
نحب , نكره , نعشق , نتبع هواجسنا , نربط قصصا , وحكايات قد نكون سمعنا عنها , وبها من طفولة , من مغرض , من كاره , أو من محب !!
تتراكم قصصنا في الذاكرة الممتلئة كمستودع عتيق ..
وغالبا ما نكتشف أننا كنا على خطأ !!
ولأننا ننجرف مع التيار , سلباً أو إيجاباً , قد نقبل أن نفتح بالمفتاح ” المصدي ” إياه عقولنا , وقلوبنا .. نعيد فتح بوابة المحبة بعد أن نقوم بعملية التنظيف ” الفرمتة ” كما يسمونها اليوم , ونحن نقول :
كبر عقلك يا رجل , أو كبري عقلك يا امرأة ..
لا فرق هنا .. فمن الملفت , والجميل هنا
في طرطوس أنه لا فرق بين رجل , وامرأة ..
لا أرى تمييزاً في التعامل الاجتماعي , فالوهم , والكذب اضمحل هنا , والغاية التي ظلمنا يعقوب بها حين قلنا : لغاية في نفس يعقوب .. قد اضمحلت أيضاً ,
فإن ” أكرمكم عند الله أتقاكم ” .
لماذا كنت أكرهها , ولم أكن أعرفها ؟؟
الاحاديث التي سمعتها عنها من الكبار , وأنا الطفلة جعلتني أمقت اسمها ..
وما كان يزيد الطين بلة أنني كنت , وأهلي , وحين نمر بها , وننتظر في الكراج القديم المندثر إلا من اسمه اليوم , ونبقى لنصف ساعة ربما , أو أكثر ليمتلئ الميكروباص بالركاب ,ويمضي لينقلنا إلى القرية , وكذلك في العودة حيث المرور بها , لأعود إلى حمص .
كانت الرطوبة الشديدة في الصيف الحار رطوبة قاتلة , لم أعتد على مثلها , أو أجربه ..
اليوم ..وبعد أن أجبرتني الحياة على القدوم إليها , والعيش في أحضانها ..
تعودت , وتعودنا على انقطاع التيار الكهربائي , وانقطاع مكملات الحياة الهنية .. تعودنا على الرطوبة , والحرارة صيفا , وعلى البرد , والمطر العنيف يضرب الوجوه , ولا يخجل فهو عطاء ما بعده عطاء ..وهو لا يرى السيول التي تقطع الشوارع لساعات , ومنها أهم الشوارع الرئيسية في المدينة !!!
تعودنا على صعوبات الحياة , ولا فرق عندنا بين صيف , أو شتاء , بين انقطاع للتيار الكهربائي , ونور يأتيك كهدية ربانية .. فالصحة تاج لا يملكه إلا الأصحاء , وأصحاب البال الطويل , والصبر الجميل , والعمر قدر , ومصير .
طرطوس المدينة التي تجاور البحر , يعطيها خيره , والرطوبة القاسية صيفا , ودفء الشتاء , والجمال ..
طرطوس أراها اليوم سيدة جميلة تتدلل عند صخور الشاطئ ..
عاشقة تسرح مع جبالها الخضراء الساحرة التي تحتضنها حيث تشاء ..
لكن الحقيقة أن الكثير من أهلها لا يحبونها , ولا المسؤولين عنها ..
الأرصفة فيها ليست للعابرين كما نعرف !!
الرصيف الملاصق لبيتك , لمحلك ملك لك !!
لنشر الغسيل , لنشر البضائع التي تبيع .. للعب طاولة الزهر , لنفض أوساخك , ورميها في كل الأوقات .. الرصيف معارض لبيع السيارات , مغاسل للسيارات أيضا , و و
بداية قدومي إلى طرطوس كان رفيقا درب لي من أقربائي يمضون معي في شوارعها لأتعرف عليها .
كانا يسيران وسط الشارع , وبين السيارات !!
وكنت أصرخ بهما أن يستخدما الرصيف ..
وكان جوابهما دائما الضحك , والاستهتار من جبني !!
لم أكن أعلم أن الرصيف يحوي كل المطبات , ومن كل الأنواع ..
فكل قطعة منه مثال لأصحاب البيوت المجاورة , إذ يمكن أن ترى رصيفا ساحرا يزين ببلاط فخم , يجاوره الحفر, والتراب , أو بلاط البلدية المعروف , وهو للمحظوظين فقط !!!
والسير ليلا .. وخلال انقطاع التيار الكهربائي مغامرة , تمر بمشيئة الله ..
لذلك صرت مثل أقاربي أمشي بين السيارات فنورها قد يدلنا أكثر من بصيرتنا .
من الصور المؤذية اليوم أن ترى رجلا أنيق الملبس أربعيني العمر كما يبدو , يجلس على مقعد وسط حديقة رائعة الجمال لولا الأوساخ المتراكمة ..
يجلس بثقة وكبرياء , وهو يأكل حبات الحمص الأخضر , يقطفها من أغصانها الباقة الموضوعة في حضنه , ثم يرمي قشور الحب , والأغصان الفارغة أمامه , ولا تهتز له شعرة !!
وعلى الرصيف المجاور شباب يشربون المتة , وتحت أقدامهم تتكدس وتنتشر كومة من قشر أخضر – الموسم – اليوم لحبات الحمص النيء , ويضحكون فرحين أمام بحر متلاطم الأمواج , صاخب ..وغيوم أراها تبكي !!!

 

(سيرياهوم نيوز ٤-خاص)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تحية إلى كتائب القسام

  مالك صقور توقفت الأسبوع الماضي معركة (بيت حانون) .. لكن لم تجرؤ الولايات المتحدة الأمريكية ولاالكيان الصهيوني على الاعتراف بالهزيمة النكراء التي مني بها ...