آخر الأخبار
الرئيسية » الأخبار المحلية » عندما يكون الأمل بحجم حزب….

عندما يكون الأمل بحجم حزب….

 

باسل علي الخطيب

لطالما كان السؤال الأزلي: ايهما اهم الفكرة أم حامل الفكرة؟…
حسناً، دعونا نطرح السؤال التالي، ماهي معجزة رسالة الاسلام؟ البعض يقول القرآن الكريم، هذا نسبياً صحيح، لكن الأصح والأحق أن نقول إن معجزة الرسالة كان السيد محمد بن عبد الله عليه وآله الصلاة والسلام، الرسالة انزلت على السيد محمد لانه كان الصادق الأمين، وعلى عظمة وبلاغة القران لم يكن لينتشر بين العرب ويكون مقبولاً لو قام بتبليغه شخص آخر غير السيد محمد…
نعم، مهما كانت الفكرة عظيمة، لن تنتشر إن لم يكن من يحمل لوائها عظيماً، والعظمة هنا عظمة القدوة الحسنة، القدوة الحسنة في السلوك و العمل والصدق والامانة والقول والكاريزما والكفاءة….
نعم، القدوة هي أساس بناء المجتمعات، وأساس انتشار الأفكار، وأساس استمرار الأحزاب….

أعرف جيداً لماذا انتسبت إلى حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1989….
كان عمري آنذاك لا يكاد يتجاوز 17 عاماً، لم انتسب إليه لأن أبي وكل من أعرف كان منتسباً، لم أنتسب لأن ذلك كان وكأنه اجباري أو الزامي آنذاك….
على فكرة تلك السياسة الشبه اجبارية في التنسيب كانت أكثر ما أضر الحزب، أنهم لطالما فضلوا الكم على النوعية، فكانت أن انفجرت في وجهنا في بداية هذه الحرب اكبر خزانات الحزب…
لم انتسب لأن ذلك كان جواز المرور لاحقاً الى الوظيفة العامة، أو إلى أفاق أرحب في الحياة…….
كنت أعرف أن حزب البعث هو قلعة العلمانية في سوريا و المنطقة، كنت أعرف أنه حزب العمال و الفلاحين حقاً و واقعاً، كنت أعرف أنه منا و نحن منه، كنت أعرف آنذاك أنه يشبهني و أنني أحقق بعض ذاتي فيه……
تلك السنوات السبع عشرة لم تكن مجرد سنوات فحسب، تلك كانت مئات الكتب و المقالات و النقاشات و الدورات التثقيفية و المعسكرات و الأحاديث و المحاضرات……
نحن من جيل كان يعرف أين يضع قدميه، والى اين كانت ترنو عيناه، نحن من جيل كان يعرف من هي سوريا وماهي الصهيونية، نحن من جيل كان يعرف نهرو و غاندي و تيتو و فيدل كاسترو، كان يعرف الأرسوزي و وهيب غانم و ميشيل عفلق و صلاح البيطار، نحن من جيل كان يتابع اخبار الشرق والغرب….
نحن من جيل قرأ للماغوط و أدونيس و سعيد عقل و عبد الرحمن منيف و تولستوي و داستيوفسكي و إرنست همنغواي و فولتير و تشارلز ديكنز….
نحن من جيل استمع للشيخ إمام و مارسيل خليفة و فرقة عائدون…
نحن من جيل عاش مع مسرحيات غربة و ضيعة تشرين و كاسك يا وطن و بالنسبة لبكرا شو، و فيلم أمريكي طويل و نزل السرور……
قد لا نكون كلنا، لكن أغلبنا كان متخماً ببلده و وطنه و حزبه، كان مليئاً بقضايا هذا الوطن و العالم، نحن من جيل كان يجيد فك و تركيب البندقية الروسية، و كان يجيد استعمالها، و الأهم أنه كان مستعداً لاستعمالها للدفاع عن بلده، و الأهم من هذا كله أننا كنا معبأون فكرياً لكن ندافع عن قضايا بلدنا، كنا معبأون لدرجة أنه كان من الصعب اختراقنا…..
نحن من جيل اللباس الموحد في المدرسة و الجامعة، تلك الملابس التي كانت على درجة عالية من الأناقة و الهيبة في آن واحد، نحن من حيل تربى على طاعة أبوه و معلمه و بالتالي وطنه لأن الأب وطن و المعلم وطن…
نحن من جيل كان يغلق على نفسه باب الغرفة لكي يحل هذه المسألة أو تلك في مواد الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء، نناطحها و تناطحنا حتى نحلها، لأنه ما من مساعدة ممكنة، لا دروس خصوصية و لا معاهد و لا محاليل…
نحن من جيل كنا نحصل على كل شيء بصعوبة، و لكن كنا نحصل عليه بجهدنا و كدنا…
نحن من جيل كنا نقدر النعمة، نقدر أن والدنا كان يتعب حقاً في عمله ليؤمن أسباب العيش الكريم لنا، كان ذاك الراتب و على قلته كان في كل ليرة فيه بركة، نحن من جيل كانت أمهاتنا لا يمددن أيديهن إلى وعاء البرغل أو وعاء الزيت إلا ويقلن: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلي على محمد و آل محمد…..

ولكن…
نحن الجيل الذي أُصيب بأكبر صدمة، أنه تربى في طفولته و مراهقته و شبابه و عندما كانت شخصيته تتكون على شيء، ليستفيق و بعد أن صارت عنده عائلة و أولاد أنه أمام شيء آخر تماماً، فما عاد يستطيع العودة و ما عاد يستطيع التقدم، و ما عاد يعرف كيف يتأقلم، وما عاد يدري ماذا يقول لأولاده….

غبت طويلاً عن حضور الاجتماعات الحزبية، سواء بسبب أنني سافرت للدراسة خارج البلد، و كانت صدمتي الأولى في رحلتي الاولى على الطائرة، عندما كان يجلس بجانبي موفد آخر للدراسة و على حساب الحزب، و رغم أن مجموعه كان 132 فقط، فقد كان موفداً لدراسة الطب، كيف لا و أبوه كان مسؤولاً في اتحاد الفلاحين….

الأيام كانت تتالى والصدمات كانت تتالى، و مع كل مرة كنت أعاين كيف أن ذاك الحزب يبتعد عني و عن غيري، لاحظوا، قلت يبتعد، و لسنا نحن من كنا نبتعد، صرت أشعر أن ذاك الحزب إياه لم يعد يشبهني، لم يعد يمثلني….

و كان أن انفحرت تلك الحرب عام 2011، و قررت العودة إلى حضور الاجتماعات الحزبية، و قررت أن أضع كل إمكاناتي الفكرية و الثقافية في خدمة حزبي لكي أنافح بهما عن وطني، و قد فعلت في هذا السياق الكثير و الكثير و كنت بارعاً في ذلك، كان آملي الأكبر أن يتعلم الحزب من أخطائه، أن يعيد كل ذاك الدم و الدمار له صوابه و رشده، أن يقف على أخطائه و يعيد التصحيح و الترميم…

و لكن الصدمة الأكبر كانت أن هذا لم يحصل، بل سارت الأمور نحو الأسوأ، و كان أكثر ما يزعجني مع الرفاق تلك العنجهية و الغرور و التعالي، أنهم لايخطئون و لم يخطئوا، إن لهم الفضل الأكبر على البلد، يكررون دائماً تلك الاسطوانة المشروخة عن تاريخ الحزب النضالي و ليس بين أيديهم من شيء أو فعل حاليا ً يؤكدون به ذلك…
نعم، لم يتعلم الحزب من كل ذاك الدم و الدمار و الخراب، و يبدو أنه لن يتعلم…..

وجدت نفسي غريباً، و حيثما التفت حولي أجد الكثير من الغرباء، لم أعد أعرف حزب البعث العربي الاشتراكي، فهو قولاً واحداً ما عاد حزب العمال و الفلاحين، فكل ما يحصل على مستوى السياسة الاقتصادية هو لصالح التجار و رجال الأعمال، و بموافقة الحزب و اشتراكه، و لاهو حزب صغار الكسبة إنما كبارهم و حيتانهم، و ليس حزب المثقفين الثوريين، إنما صار مولعاً بتقريب كل أولئك الكتبة و الأمعات و بائعي الكلام، لم يعد هذا الحزب منا وفينا ولنا، ماعاد يشبهنا، انغمس في السلطة وتعلم مشيتها، فلو هو اتقن المشية الجديدة ولا هو قادر على العودة إلى مشيته السابقة لانه قد نسيها، قلما تجد بين قياداته الأساسية من تستطيع أن تسميه قائداً سياسياً له كاريزما أو شخصية أو حيثية وقبول شعبي، أو حتى يمتلك الحد الأدنى من الثقافة، وهذه كلها شروط يجب أن تكون موجودة في القائد السياسي… والأهم ذاك النفاق الذي يميز الكثير منهم أن فعله لايطابق قوله، وهو أبعد مايكون عن كل مايمثله الحزب….

مناسبة كلامي هو اجتماع اللجنة المركزية للبحث في موضوع الانتخابات، لطالما حضرت مؤتمرات واجتماعات وكانت تتصدرها أو يكون شعارها كلمات السيد الرئيس، ولطالما حضرت محاضرات كان عنوانها قراءة في خطاب السيد الرئيس… ولطالما كنت اقول: ليست العبرة أن تزينوا مؤتمراتكم واجتماعاتكم بتلك الكلمات أو ترددوها لنا، العبرة أن تخبرونا ماذا نفذتم من كلمات وتوجيهات السيد الرئيس، والتي لو نفذتم بعضها فقط لما وصلنا إلى ماوصلتا إليه من عدم شعبية وسوء أحوال البلاد ….

اعود الى ماقلته أعلاه عن القدوة، هذه الانتخابات هي فرصة لإعادة الروح إلى الحزب عبر انتخاب من يستحق هذا الاسم، أنه الأكفأ والأجدر و الاكثر قبولاً بين الناس، أنه منهم ولهم، أنه قدوة… وهذا الإصلاح لايجب أن يكون بالعدة القديمة، أغلب من هو موجود اثبت فشله، سواء في قيادات الشعب أو الفروع أو القيادة المركزية، وقد استهلكته التجربة، يجب أن تأتي قيادات جديدة لاتستلهم في كلامها كلمات السيد الرئيس فحسب بل تقوم بتنفيذها واقعاً على الارض، عل هذا الطاقم الجديد يكون عوناً للسيد الرئيس حتى يعود هذا الحزب قاطرة الشرق وعمود سورية….

 

(خاص لموقع سيرياهوم نيوز ٢)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزير الخارجية الصيني: سنواصل دعمنا القوي لسورية لحماية سيادتها ومبادرة الحزام والطريق ستثري شراكتنا الاستراتيجية

الشراكة الإستراتيجية بين الصين وسورية، ومجالات التعاون بين الشعبين الصديقين السوري والصيني، ومساندة بكين لسورية والقضايا العربية، ومشروع الصين الكبير في القرن الحادي والعشرين القادم ...