| علاء حلبي
استدعت تركيا، قبل أيام، قادة الفصائل المنتشرة في ريف حلب، باعثةً لدى الأخيرة أملاً بإجهاض خطط «هيئة تحرير الشام»، وإعادة خريطة السيطرة إلى وضعها السابق، في ظلّ الضغوط السياسية المتزايدة التي تتعرّض لها أنقرة جرّاء تمدُّد الجماعة المصنَّفة على لوائح الإرهاب العالمية. وأتى هذا الاستدعاء بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على توسيع «الهيئة» مساحة نفوذها في ريف حلب، وبعد نحو عشرة أيام على إعادة ترتيب تلك المنطقة وإخراج المظاهر المسلّحة منها، تحت ضغط أميركي، والإبقاء على أجهزة أبو محمد الجولاني الأمنية لضبط الوضع هناك. لكن الاجتماع الذي عُقد يوم الخميس الماضي في منطقة غازي عنتاب، جاء صادماً بالنسبة إلى الفصائل، سواءً بسبب طريقة عقده، أو مدّته الزمنية القصيرة، أو ما نتج منه من أوامر ألقاها المسؤول الأمني التركي (أبو سعيد) المكلّف التنسيق مع الجماعات السورية. إذ دخل الأخير قاعة الاجتماع برفقة مجموعة من الضبّاط، على عجالة، ليتصدّر الجلسة من دون أيّ مظاهر ترحيب عهِدتْها الجماعات سابقاً، قبل أن يلقي على مسامع الحاضرين سلسلة من الأوامر بلهجة حازمة، تتضمّن تهديدات لِمَن يحاول منهم التواصل مع جهات خارجية بشكل منفرد، في إشارة إلى محاولة «الجبهة الشامية» قيادة مشروع «إسلامي» مُوازِ لمشروع «تحرير الشام» بدعم أميركي، من دون التنسيق من أنقرة.
وحدّد المسؤول الأمني التركي، الذي رفض الاستماع إلى أيّ كلمة من قادة الفصائل، مجموعة من الإجراءات التي سيكون على الأخيرة القيام بها إنْ أرادت الاستمرار، وأبرزها العودة إلى مشروع توحيدها الذي رسمتْه تركيا قبل أكثر من خمسة أعوام، وإنهاء الحالة الفصائلية القائمة، بالإضافة إلى توحيد الإدارة الاقتصادية بشكل يخفّف من الأعباء المالية الدورية التي تقع على عاتق أنقرة بحيث تستفيد الجماعات المسلّحة من مصادر التمويل الذاتية (مِن مِثل إدارة المعابر وغيرها)، وحلّ جميع الأفرع الأمنية التابعة للفصائل وإفراغ السجون، وإتباع الهيكلية الجديدة لإدارة عسكرية موحّدة تتبع تركيا بشكل مباشر وتتلقّى الأوامر منها. وخلا الحديث المقتضب، والذي لم يستمرّ لأكثر من 40 دقيقة (على خلاف ما أوردتْه وسائل إعلام تركية ادّعت أن الاجتماع استمرّ أربع ساعات)، من الإشارة إلى الآلية التي من المفترض اتّباعها لإخراج «تحرير الشام» من عفرين، أو هويّة الجهات التي ستتولّى إدارة هذا المشروع، في ظلّ حالة الاقتتال الفصائلي الدائرة ورغبة كلّ فصيل في تَصدّر المشهد.
تتخوّف أنقرة من التأثير الذي يمكن لبعض الفصائل أن تَتركه على الساحة التركية الداخلية
ويتقاطع حديث المسؤول التركي، مع ما تَسرّب سابقاً حول وجود خلافات بين الاستخبارات التركية ووزارة الدفاع حول آليات العمل في سوريا؛ كما يكشف عن تخوّف تركي واضح من التأثير الذي يمكن لبعض الفصائل أن تُخلّفه على الساحة التركية الداخلية التي تمرّ بمرحلة حسّاسة في ظلّ الاستعدادات الجارية للانتخابات الرئاسية، خصوصاً وأن عدداً كبيراً من قادتها حصلوا على الجنسية التركية، وهذا ما دفع المسؤول إلى تهديد مَن يملك جنسية تركية أو استثمارات قائمة في الوقت الحالي على الأراضي التركية، بأن جنسيته واستثماراته لن تحميه في حال «ارتكب حماقة». وكانت تركيا عانت، في وقت سابق، من مشكلة مماثلة، بعدما استدار «رئيس الائتلاف» المعارض السابق، خالد خوجة، الذي يحمل الجنسية التركية، وانضمّ إلى السياسي التركي البارز ووزير الخارجية السابق، أحمد داوود أوغلو، في حزبه الجديد المعارض (المستقبل). ويَخرج الرجلان، بين وقت وآخر، بتصريحات مناوئة للتوجّه التركي الأخير المتمثّل في الانفتاح على دمشق، علماً أن حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان تُحمّل أوغلو مسؤولية تدهور العلاقات مع سوريا.
وبالتوازي مع الاجتماع الذي عقده المسؤول الأمني مع الفصائل في غازي عنتاب، ذكرت مصادر سورية معارضة أن مسؤولين أمنيين أتراكاً عقدوا اجتماعاً مع مسؤولي «تحرير الشام»، وعلى رأسهم الجولاني، في منطقة أطمة في ريف إدلب قرب الحدود مع تركيا، من دون أن تتسرّب أيّ معلومات حول ما تمّت مناقشته. غير أن مصادر «جهادية» ذكرت أن سلوك الجولاني لم يتغيّر بعد الاجتماع، سواءً لناحية حديثه عن ضرورة التمدّد في ريف حلب، أو حتى الحالة الأمنية التي بات يفرضها على عفرين عبر أذرعه الأمنية المنتشرة، ما قد يعني أنه سمع – خلال اللقاء – كلمات تُرضيه، خصوصاً أن شكوكاً عديدة ومتزايدة تدور حول مقدرة الفصائل على الخروج بنتائج حقيقية خلال الشهرَين اللذين حدّدتهما أنقرة، بعد أن فشلت الأولى في تحقيق هذه الشروط على مدار سنوات شهدت ظهور تكتلّات واندماجات وانسحابات أدّت إلى مزيد من الاقتتال والفوضى.