| مايا سلامي
واقع قاس مفروض جسّد حال السوريين ليلة الأربعاء الماضي بعد الزلزال، وما تم تداوله عن احتمال وقوع زلزال جديد متوقع سيقضي باعتقادهم على كل البشر والحجر، ويسبب موجات تسونامي عاتية في المناطق الساحلية. حالة الخوف والذعر الكبيرة التي خلفتها هذه الشائعات دفعت بعض المواطنين إلى افتراش الطرق والساحات البعيدة عن الأبنية، حيث نصبوا عدداً من الخيم والشوادر ليأووا إليها برفقة أقاربهم وجيرانهم، وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من الصور تظهر حالة التأهب التي عاشوها ليلة كاملة وهم يترقبون جلاءها بخير وسلام.
إن كل ما سبق ليس بالظاهرة الجديدة أو الغريبة، فعلى مر الأزمان لطالما كانت الكوارث والأزمات بكل ما تجلبه من خوف وقلق، بيئة خصبة لنمو الشائعات السلبية التي عادة ما يميل الناس إلى تصديقها وتداولها بكثرة الأمر الذي يزيد الوضع سوءاً ويسبب حالة من الفوضى العارمة، وهنا لا بد من النظر إلى الدور المهم لوسائل الإعلام وخاصة المحلية التي تصبح في مثل هذه الأوقات من أهم الوسائط لمعرفة آخر المستجدات والتطورات والحقائق، كما يتحتم عليها توجيه المواطنين إلى كيفية التعامل السليم مع الأزمة أو الكارثة الطبيعية لتلافي سلبياتها وأضرارها، وهذا يتطلب وجود خطط إعلامية فاعلة توضع ضمن إطار محدد يوضح الأهداف المراد تحقيقها خلال فترة زمنية معينة.
استجابة الإعلام
في حديثه عن استجابة الإعلام السوري لكارثة الزلزال قال الإعلامي مصطفى المقداد لـ«الوطن»: «تباينت استجابة وسائل الإعلام السورية للزلزال ما بين وسيلة وأخرى، وهذا التباين بدا واضحاً منذ اللحظات الأولى بشكل كبير ما بين الصحافة الرسمية والخاصة، ففي الوقت الذي ركزت فيه وسائل الإعلام الرسمية على نقل الأخبار والصور وتقارير من موقع الحدث، فإن الصحافة الخاصة تميزت بتقديم رواية إخبارية وقصة وحكاية في مناطق عدة كانت أكثر تأثيراً وفاعلية، وعلى الرغم من أن هذه الكارثة وضعت جميع وسائل الإعلام أمام حالة معرفية ومتابعة واحدة لكن آليات التعامل معها كانت مختلفة لدرجة كبيرة جداً».
وأضاف: «لا نستطيع أن نحكم على حالة الأداء الإعلامي إن كانت هذه الوسائل قد قامت بوظيفتها على أكمل وجه لكن بالنسبة لوسائل إعلامنا فبالطبع أنا كصحفي لا يمكن أن أكون راضياً عن أداء أي وسيلة، فكلها باعتقادي كان بإمكانها أن تقدم أكثر على الرغم من تفاني بعض الصحفيين والإعلاميين لتقديم أكبر كم ممكن من المعلومات الخبرية والتقريرية عن كارثة الزلزال إلا أن ذلك بقي محدوداً جداً».
وتابع: «كما أن وجود الصحفيين في المحافظات التي ضربها الزلزال لم يكن كافياً حيث لم يكن بمقدورهم أبداً تغطية كل الفعاليات سواء الحدث ذاته أم عمليات الإغاثة والإنقاذ أم الأعمال الرسمية والحكومية، ولاحظنا أن الإعلام الخارجي كان أكثر حضوراً من خلال فرق كبيرة توجهت إلى حلب واللاذقية بشكل أساسي كي تغطي مناطق بشكل أوسع وتقدم معلومات أكثر شمولية وواقعية، إلا أن إعلامنا المحلي بالعموم لا يمتلك هذه الإمكانيات إضافة إلى أن الصحفيين أنفسهم يحتاجون إلى الكثير من الدعم».
وبيّن أن الصحفيين استجابوا لهذا الحدث وقد عكسوا هذا الأمر سواء من خلال وسائل الإعلام التي يعملون فيها، أم من خلال صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي حيث لاحظنا أن الكثير منهم كانوا موجودين في حلب واللاذقية وحماة وإدلب وغيرها من المناطق وكانوا ينشرون الكثير من الأخبار والتقارير والصور، كما حاول البعض منهم أن يقدم بعض الاجتهادات التي لم تكن ربما دقيقة أو صحيحة لكنها كانت من الإيجابيات.
وسائل التواصل الاجتماعي
وأشار المقداد إلى الدور الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي في نقل الكثير من الروايات التي لا تمت إلى العلم بصلة والتي جرت كالنار بالهشيم على امتداد سورية وأثرت بشكل سلبي في سلوك المواطنين وأدت إلى خروجهم إلى الشوارع بسبب التحذيرات التي كان يطلقها هؤلاء الكاذبون عبر صفحاتهم، منوهاً إلى أن البعض منهم كان يسند معلوماته إلى علماء ويخترع أسماء يدرك مسبقاً أنه لا أحد سيكلف نفسه عناء البحث عنها، مؤكداً أن الإعلام الوطني بشكل عام وقف ضعيفاً حيال القدرة على التثقيف بالإجراءات الواجب اتباعها في حالة الكوارث الزلزالية.
وأوضح أن قسماً كبيراً من مواقع التواصل الاجتماعي يدار من شبكات منظمة تعمل بخلفيات سياسية واقتصادية وفكرية على مستوى العالم بأكمله ونحن في المنطقة العربية والسورية نقع تحت تأثير هذه المجموعة.
وكشف أن الذين يقومون بصياغة هذه الروايات غالباً ما يكونون مدربين على درجات عالية من المهنية والحرفية التي تؤثر في نفس المتلقي، لذلك هم يتلقون معارف في علم الاجتماع وعلم النفس حتى يؤثروا في الفئات المهمشة وغير المثقفة حيث يستهدفون هؤلاء الذين يتلقفون هذه الأخبار والكتابات والروايات بسرعة كبيرة وينشرونها على مستوى أوسع من دون معرفة حقيقية بالخلفيات.
وأكد أن هذا الواقع في وسائل التواصل الاجتماعي ينشط بشكل كبير في كل الأزمات والمشكلات والحروب، منوهاً إلى أن البعض يستغل هذا النشاط الكبير الحاصل إثر هذه الكارثة الزلزالية الكبيرة لتنفيذ مشروعاته التي يرسمها ومن هنا جاء التركيز على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف التأثير في نفسية وطبيعة المواطن السوري.
وختم بأن مواجهة الكوارث تحتاج إلى صحفيين متدربين على آليات التعامل معها وهذا يقتضي خضوعهم لدورات يحصلون فيها على معلومات علمية مهمة وأساسية، إضافة إلى قضية التمكين النفسي للصغار والكبار، مؤكداً ضرورة وجود ذلك ضمن الإستراتيجية الإعلامية وهذا ما افتقدنا له خلال السنوات الماضية إذ لم يكن هناك حسبان لمثل هذه الكوارث كأنها غير موجودة.
سيرياهوم نيوز1-الوطن