مالك صقور
بين ” عودة الروح ” و ” عودةالوعي ” لتوفيق الحكيم مسافة زمنية هامة ليست قصيرة . وبين ثورة تموز 1952 و ثورة 25 كانون الثاني 2011 مسافة كبيرة تمتد قرابة الستة عقود إلا قليلا ؛ تدعو للتأمل وإعادة النظر ومراجعة االمثقفين العرب لمجريات الأحداث ، منذ فجر ثورة 23 تموز وحتى هذه اللحظة . ليس في مصر فحسب ، بل في كافة أقطار الوطن العربي .
” عودة الروح ” – كانت أحد أهم مصادر إلهام الرئيس جمال عبد الناصر في شبابه ، كما صرح جمال نفسه ، أكثر من مرة ، مما جعل توفيق الحكيم يتبوأ مكاناً رفيعاً بعد الثورة التي خلعت الملكية و التبعية .
أما ” عودة الوعي ” فكانت بداية الهجوم القاسي على الرئيس جمال عبد الناصر من قبل توفيق الحكيم نفسه .
غداً 23 تموز ، تمر الذكرى الثانية والسبعون لهذه الثورة التي خلقت منعطفاً في تاريخ الوطن العربي وحتى في العالم . والآن يطرح سؤال بعد كل هذي السنين : ماذا بقي من هذه الثورة ، و شعاراتها ومنجزاتها ؟
أذكر في الذكرى الخمسين للثورة ، كتب أ . محمد شعير في ( أخبار الأدب ) القاهرية : هل دخلت الثورة إلى متحف التاريخ ؟ وهي التي توجهت إلى جموع الفقراء ..
لم يجب الصحفي عن السؤال الذي طرحه ، بل عرض ملفاً أعدّه عن الثورة تحت عنوان
( يوليو..يوتوبيا المثقف وكوابيس الواقع .. الحلم والمصير ). وترك الإجابة لمجموعة من الكتاب والمثقفين ؛ تحدثوا عن أحلام الثورة ، وطموحاتها وإخفاقاتها ، وخيباتها ..
مما لاشك فيه ، أن ثورة تموز كانت الشرارة الثورية الأولى في الوطن العربي ، وأنها دشنت عصراً جديداً ، وضعت فيه حداً لهيمنة الاستعمار والأمبريالية ، وكانت أولى خطواتها الجبارة : طرد الاستعمار البريطاني ، وتطهير القوات المسلحة ، وتشكيل حكومة وطنية ، وكان من مبادئ الثورة : القضاء على الاستعمار وأعوانه الخونة . والقضاء على الإقطاع بكافة أشكاله ومنع الاحتكار ات وسيطرة رأس المال ، وإقامة العدالة الاجتماعية ، وبناء حياة ديمقراطية سليمة .
نعم .. ثورة تموز هي أصدرت قانون الإصلاح الزراعي ، ووزعت الأراضي على الفلاحين الفقراء ، وهي التي أممت قناة السويس . وهي بذلك بدأت خطوات اشتراكية .. في هذا المجال يقول جمال عبد الناصر : ” الاشتراكية هي منع استغلال الإنسان للإنسان . الاشتراكية هي خلق الظروف والدوافع لتطوير المجتمع ” . ويقول : ” لايمكن للثورة أن تتوقف قبل أن تنهي مرحلة تذويب الفوارق الاجتماعية بين الطبقات ، وقبل أن تنهي كل أشكال الاستغلال “.
لقد قال الرئيس جمال عبد الناصر كلاماً هاماً في الثورة وتطوريها ، وعن الإشتراكية وتطبيقها ، وله جملة من المآثر منها بناء السد العالي الذي صممه ونفذ بناءه الا تحاد السوفييتي . ومشاركته الفعاله في حركة عدم الانحياز ، ومؤتمر باندونغ ، وانتصار مصر في حرب العدوان الثلاثي بعد إنذار الاتحاد ا لسوفييتي وتهديده الشهير لكل من بريطانيا وفرنسا و” إسرائيل “. وهنا لا يمكن أن ننسى مأثرة البطل السوري الفدائي جول جمال .
ولكن تقتضي الأمانة ، ويقتضي الإنصاف التوقف عند محطتين كبيرتين في مسيرة الثورة وقائدها . الأولى : الوحدة السورية المصرية .. وهنا ، بدأت مرحلة خطرة في مسيرة ثورة تموز . وفي تناقض وقع فيه الرئيس جمال ، ففي الوقت الذي حاول أن يطبق الإشتراكية ، وينادي بالديمقراطية .. بدأت الانحرافات في قرارات الرئيس ، وتجلت بنزعة القائد الفرد .
فأمر بحلّ الأحزاب .( أين الديقراطية إذن ؟! ) وافق حزب البعث على حل نفسه . لكن الحزب الشيوعي السوري لم يوافق على حل نفسه ، فبطش به ، وامتلأت سجون مصر وسوريا بالمناضلين الشيوعيين . حتى تمّ تذويب جثمان المناضل الكبير فرج الله الحلو بالأسيد . ولم تكن الأسباب الموجبة لسحق الشيوعيين المصريين والسوريين بحجم التعسف والتعذيب والسحل الذي قامت به مباحث ( الجمهورية العربية المتحدة )، وهذا كان واحداً من الأسباب التي عجلت بالإنفصال .
أما المحطة الثانية وهي أكثر سوءاً ، فهي هزيمة الخامس من حزيران 1967 ..هذه الهزيمة النكراء قصمت ظهر جمال عبد الناصر ، وكانت الفالج للأمة العربية ، وقوضت المشروع القومي العربي . وبعد ثلاث سنوات وفي 28 أيلول 1970 رحل جمال عبد الناصر … ثمة من يقول إنه مات بالسم ( رواية محمد حسنين هيكل ) ، وهو كان من أقرب المقربين له ..وهناك من يقول كان مريضا بالقلب . وبرحيل جمال عبد الناصر بدأت مرحلة جديدة في تاريخ مصر ، والوطن العربي . وانطوت صفحة ثورة تموز ، ومنجزاتها ، ومشى السادات على درب جمال لكن مع ممحاة كبيرة . .. وبدا خيانته لسورية في حرب تشرين . وذهب بالخيانة أبعد من ذلك ، حين ذهب إلى الكيان الصهيوني صاغراً ذليلاً وعقد صفقة العار مع العدو ..
وجاء خليفته ، وتابع طريق الخيانة ، ولاقى نهاية أيضا تليق بالعملاء .
واليوم …تحاصر مصر غزة .وتمنع عنها الماء والغذاء والدواء …وهذا في ذكرى الثورة . التي لم يبق منها شيئ . وكل الأحرار في مصر والشرفاء ينتظرون ” عودة الوعي ” .
و الله يمهل ولا يهمل ….
(موقع سيرياهوم نيوز-1)