سعيد محمد
قرّرت الولايات المتحدة سريعاً الاعتراف بمرشح المعارضة الفنزويلية للرئاسة، إدموندو غونزاليس، باعتباره الفائز بالانتخابات المتنازع عليها في البلاد. وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في بيان، إنه «بالنظر إلى الأدلّة الدامغة، فمن الواضح للولايات المتحدة، والأهم من ذلك للشعب الفنزويلي، أن إدموندو غونزاليس أوروتيا فاز بأكبر عدد من الأصوات»، مهنّئاً المرشّحَ على حملته الانتخابية «الناجحة». وأضاف: «حان الوقت للأطراف الفنزويلية لإطلاق مناقشات حول انتقال سلمي للسلطة، وفقاً لقانون الانتخابات الفنزويلي». وفي الإطار نفسه، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تحليلاً اعتمدت فيه على نتائج التصويت في 3% من مراكز الاقتراع، كما وصلت إليها من مصادر المعارضة، وزعمت أنها تمنح أفضلية بنسبة 66% لغونزاليس، مقابل 34% لمادورو، مشيرةً إلى أن «هامش الخطأ في تحليلها لا يزيد على 2%».ويتوّج الاعتراف الأميركي برنامجاً مستمرّاً تقوده الولايات المتحدة منذ بعض الوقت، بغرض إفساد العملية الانتخابية في الجمهورية البوليفارية، وزرع الشكوك في شرعية النظام الحاكم، بعدما جدّد الفنزويليون لنيكولاس مادورو، في انتخابات الـ 28 من تموز. وتزامن إعلان «الهيئة الوطنية للانتخابات» النتيجة، مع فتْح جبهات محلية وإقليمية ودولية للهجوم على السلطات الفنزويلية؛ إذ رفض تحالف المعارضة المدعوم من واشنطن، الاعتراف بالنتائج، معلناً أن مرشحه، الديبلوماسي المتقاعد غونزاليس، هو الفائز الشرعي بالانتخابات. ولم يكن هذا الأمر مفاجئاً لأحد، ذلك أن المعارضة كانت قد أكدت، حتى قبل إجراء الانتخابات، أن أيّ نتيجة لا تأتي بمرشحها رئيساً، لن تُحتَرم. وجاء ذلك في إطار جهد منسّق تقوده الولايات المتحدة لاستغلال الانتخابات، بهدف فرض تغيير في السلطة في كاراكاس، واستعادتها إلى الحظيرة الأميركية. وتضمّنت تلك الجهود، إلى جانب التراجع عن تعهدات أميركية بتخفيف العقوبات القاسية التي تفرضها على فنزويلا، حشداً لقوى إقليمية ودولية لفرض ضغوط على النظام التشافيزي، وجوقة تَحسّر على ظروف عيش الفنزويليين الصعبة في كبريات الصحف ووسائل الإعلام العالمية، التي ألقت باللوم على «الديكتاتورية والاستبداد»، من دون التطرّق إلى تفاصيل الحصار الأميركي/ الغربي.
ومن غير المرجح، بناءً على تجربة 2019، أن يكون لبيان بلينكن أثر كبير على الأرض، إذ لن تكون فرص غونزاليس للوصول إلى السلطة أفضل من فرص سلفه خوان غوايدو. وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد دعمت، في ذلك العام، ادّعاء غوايدو، رئيس المجلس التشريعي الفنزويلي آنذاك، بأنه الرئيس الشرعي المؤقت للبلاد، والذي استند فيه إلى مادة في الدستور تتيح لرئيس البرلمان تولّي المنصب التنفيذي الأعلى في حالات معينة. وحظيت خطوته تلك بدعم عشرات الدول الغربية، حتى بدا لوهلة أن مادورو قد يُجبر على التنحّي. لكن الزخم الشعبي والسياسي وراء غوايدو ما لبث أن تلاشى بفعل صمود التشافيزيين، ليفرّ غوايدو إلى الولايات المتحدة العام الماضي، قبل أن تقرّر إدارة جو بايدن التخلّي عنه وإعادة تأسيس خط للتواصل مع السلطة.
لن تكون فرص غونزاليس للوصول إلى السلطة أفضل من فرص سلفه خوان غوايدو
وشرع مادورو في شن هجوم مضادّ ضدّ المعارضة، وطلب رسمياً من «المحكمة العليا للانتخابات» إجراء مراجعة كاملة للانتخابات الرئاسية. وقال، إنه وحزبه «الاشتراكي الفنزويلي الموحّد» مستعدّان لعرض مجمل السجلات الانتخابية على القضاء، وبالتالي يأملان بأن تفقد رواية تزوير الانتخابات مصداقيتها. واندلعت، منذ ليلة الانتخابات، اضطرابات نفّذها أنصار المعارضة، حيث تعرّضت مستشفيات ومؤسسات عامة للتخريب، فيما شرعت جهات مشبوهة في نشر مقاطع مصوّرة – ثبت أن بعضها ملفّق – حول استخدام قوات الأمن الفنزويلية القوة لتفريق المحتجّين. وقال مكتب المدعي العام الفنزويلي إن 750 شخصاً اعتُقلوا لارتكابهم جرائم أثناء الاحتجاجات، فيما ادّعت «نيويورك تايمز» أن 17 شخصاً على الأقلّ لقوا حتفهم جراء أعمال العنف. من جهته، وصف وزير الدفاع الفنزويلي، الاحتجاجات بأنها «محاولة انقلابية». أما الجنرال فلاديمير بادرينو، فأكد من جهته، أن الرئيس نيكولاس مادورو يحظى «بالولاء المطلق والدعم غير المشروط» من الجيش.
في هذه الأثناء، أعلن عدد من حكومات الإقليم الموالية للولايات المتحدة، رفض نتائج الانتخابات الفنزويلية. وكان الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، أحد أكثر المعلّقين صخباً على الانتخابات الفنزويلية، حتى إنه وصفها، قبل إعلان النتائج الرسمية، بأنها «مزورة»، داعياً القوات المسلحة الفنزويلية إلى التدخل لإطاحة حكومة «الحزب الاشتراكي». كذلك، شكّك الرئيس التشيلي، غابرييل بوريك، في النتائج التي قال إنه «يصعب تصديقها»، مؤكداً أن حكومته لن تعترف بها إلا بعد «التحقّق من سجلات التصويت»، وهو الموقف ذاته الذي ردّده وزير خارجية بيرو، خافيير غونزاليس أولاتشيا، وأيضاً رئيس الإكوادور، دانيال نوبوا، فيما عرض رئيس كوستاريكا، رودريغو شافيز روبليس، على غونزاليس، ورفيقته زعيمة المعارضة، ماريا كورينا ماتشادو، اللجوء السياسي في أعقاب الانتخابات «المزوّرة».
واستبقت هذه التصريحات محاولة لتمرير قرار ضدّ فنزويلا في «منظمة الدول الأميركية»، لكن 11 دولة امتنعت عن الموافقة على النص النهائي، مقابل 17 دولة أيّدته – بما فيها الولايات المتحدة -، ما يدلّ على أنه لا يوجد إجماع كاف إقليمياً حول الرواية التي تروّج لها واشنطن. وفي مواجهة هذا الهجوم المنسّق من قِبَل الحكومات اليمينية في الإقليم، قرّرت فنزويلا سحب موظفيها الديبلوماسيين من الأرجنتين، وتشيلي، وكوستاريكا، وبنما، وجمهورية الدومينيكان، وأوروغواي.
في المقابل، فإن العديد من الحكومات الوازنة في الإقليم اتّخذت موقفاً أكثر اعتدالاً؛ إذ رفض الرئيس الكولومبي، غوستافو بترو، موقف الدول اليمينية، وقال إنه «ليس للحكومات الأجنبية أن تقرّر مَن هو رئيس فنزويلا»، مشدداً على أن «الأمر متروك للشعب الفنزويلي للتوصّل إلى اتفاق سياسي لإنهاء العنف في بلادهم، وإيجاد طريقة شفافة يمكن من خلالها فرز الأصوات مع ضمانات للجميع». من جانبه، أعلن الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، أنّ «من الطبيعي وغير المفاجئ» أن تتصرّف المعارضة الفنزويلية كما تفعل، وطلب من الهيئة الفنزويلية للانتخابات نشر المحاضر لإثبات فوز مادورو، وأنه بمجرد القيام بذلك، «يجب على الجميع قبول فوز الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحّد من دون مماطلة»، وهو ما أيّده الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، مشيراً إلى أن المعارضة الفنزويلية لم تقدّم ما يُعتدّ به لدعم فرضية الاحتيال المزعوم.
على المقلب الآخر، باركت عدة دول حول العالم فوز مادورو، بما في ذلك نيكاراغوا وبوليفيا وهندوراس وكوبا وروسيا والصين وقطر وبيلاروسيا وإيران، كما فعل «التحالف البوليفاري لشعوب أميركا اللاتينية» (مجموعة ألبا)، الذي يضمّ عشر دول في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وحذّر التحالف، في بيان، من محاولة انقلابية تستهدف فنزويلا، ودان «حملة الكراهية الوحشية التي تشنّها الإمبريالية على فنزويلا والهجمات وأعمال التخريب ضدّ الناس والبنية التحتية العامة والرموز الوطنية، ومحاولات تلطيخ يوم ديموقراطي تاريخي حدث سلمياً، لخدمة أجندة مختلفة عن الإرادة المعلنة للشعب الفنزويلي».
سيرياهوم نيوز١_الاخبار