في غمضة عين، تبخرت أحلام الثراء السريع لآلاف المصريين مع اختفاء منصة FBC الرقمية، التي تحولت من وعد بالربح السهل إلى واحدة من أضخم فضائح النصب الإلكتروني في تاريخ مصر، وبينما تتحدث التقارير الرسمية عن خسائر بلغت 2 مليون جنيه، تتردد أصداء روايات أخرى تشير إلى خسائر بلغت 6 مليارات دولار، تاركة خلفها جرحاً مالياً عميقاً وضحايا يبحثون عن إجابات، هذه القصة ليست مجرد حادثة عابرة، بل صرخة تحذير لمجتمعنا السوري، وتدفعنا للتساؤل: كيف يمكننا حماية أنفسنا من الكوارث الرقمية القادمة؟.
سرد القصة المؤلمة
ظهرت منصة FBC الرقمية عام 2024 في مصر كحلم استثماري واعد، يعد المستخدمين بتحقيق أرباح خيالية بأقل مجهود، حيث اعتمدت على استراتيجيات تسويقية ماكرة، مثل الإعلانات الممولة على وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام مؤثرين للترويج لها في عملية تشبه التسويق الشبكي، ونتيجة لذلك تمكنت المنصة التي فتحت باب الاستثمار في كانون الثاني/ يناير من هذا العام 2025، وفقاً للتقارير المصرية بعد أن بدأت حملة الترويج لها في العام الماضي، والإغراء بمكاسب سريعة مقابل مهام بسيطة، كمشاهدة فيديوهات، أو تحميل تطبيقات، لكن سرعان ما تحولت هذه الوعود إلى كابوس، وفي الوقت الذي صنفت فيه منصة FBC المتعاملين معها إلى مستويات ما بين موظفين، ومتدربين ومديرين (أدمن) دعمت المنصة بعض المستخدمين لإنشاء فروع لها، والحصول على تراخيص (السجل التجاري)، وقام بعضهم بتنظيم فعاليات مختلفة كالاجتماعات العامة، والحفلات بتمويل من الشركة لجذب المستثمرين، خلال تلك الفعاليات، والحملات الإعلانية للمنصة، تم استغلال شهادات مختلفة من أشخاص زعموا تحقيق أرباح طائلة، وثروات من العمل من خلالها منهم من تمكن من شراء فيلات ووحدات سكنية وسيارات فاخرة بمجرد مداومته على تحقيق الربح من مشاهدة الفيديوهات، والتفاعل مع المنتجات، والصفحات بحسب ما يطلب منهم، مع مرور الوقت تباطأت الأرباح اليومية التي كانت تدفعها المنصة للمستثمرين، وتوصلت بعدها إلى نقطة حرجة لم تعد قادرة على الدفع للمستثمرين القدامى، إذ كانت أرباحها تعتمد على استثمارات المستثمرين الجدد، وعندما طالب المواطنين باسترجاع أموالهم منعتهم المنصة من ذلك لتكتشف عملية الاحتيال التي جمعت مليارات الجنيهات، وعندما توقف التدفق بالاستثمارات الجديدة، توقف هذه المنظومة.وبدأت السلطات المصرية تحركها الجاد، حيث تلقت 101 بلاغ رسمي، وألقت القبض على 13 متهماً، في محاولة لكشف خيوط هذا الاحتيال الضخم ومحاسبة المسؤولين عنه.لماذا وقع المصريون في الفخ؟لم يكن وقوع المصريين في فخ منصة FBC صدفة، بل انعكاساً لظروف اقتصادية قاهرة، جعلت البحث عن مصادر دخل سريعة ضرورة ملحة للكثيرين، في وقت يعاني فيه المواطن من ضغوط التضخم، وتراجع القوة الشرائية، واستثمرت المنصة هذا الواقع بذكاء، مستغلة الثقة العاطفية والدينية عبر الترويج بأسماء ومظاهر تبدو موثوقة، كشخصيات ذات مظهر ديني أو شعارات “الاستثمار الآمن” التي أغرت الضحايا، لكن الجذر الحقيقي للمشكلة يكمن في الطمع والفقر والجهل الذي أدى إلى ضعف الوعي الرقمي، حيث غامر الملايين بمدخراتهم من دون فحص مصداقية المنصة أو التشكك في وعودها غير الواقعية، وهكذا، تحولت FBC إلى مرآة تعكس واقعاً اقتصادياً يائساً وثغرات في التثقيف الرقمي تحتاج إلى معالجة فورية.قصص الضحايا والمجتمعلم تكن منصة FBC مجرد رقم في سجل الخسائر، بل جرح نازف في حياة آلاف المصريين الذين دفعوا ثمن الثقة العمياء، فهناك من باع أملاكه ليستثمر مدخراته، وآخرون واجهوا الطلاق بعد تراكم الديون التي خلفها الوهم، قصص فردية تتكرر لترسم صورة مأساوية، لكن التأثير لم يتوقف عند الأفراد، فقد امتد ليزرع بذور الشك في المجتمع تجاه المنصات الرقمية، مخلفاً حالة من الحذر الشديد قد تعيق الاستثمار الشرعي، وتساؤلات عن الثمن الباهظ الذي يدفعه الجميع بسبب أحلام لم تكن يوماً حقيقية.
كيف نحمي أنفسنا؟
لحماية أنفسنا من فخاخ مثل منصة FBC، يبدأ الأمر من المواطن نفسه بالتسلح بالوعي، كالتحقق من تراخيص المنصات، وتجنب الانسياق وراء وعود الأرباح الخيالية، وقراءة تجارب المستخدمين قبل المخاطرة بأي استثمار، لكن الوقاية الحقيقية لن تكتمل من دون دور حكومي حاسم، يتمثل في تشديد الرقابة على المنصات الإلكترونية، وسن قوانين رادعة للجرائم الرقمية، وردع المحتالين، وإطلاق حملات توعية واسعة تصل إلى كل بيت، والوقاية تبدأ من وعي المواطن، ولمن يرغب في الاستثمار، لكن المسؤولية الكبرى تقع على الدولة لسد الثغرات.ختاماً.. دعوة للتفكيرقصة منصة FBC ليست مجرد فصل مؤلم في كتاب الخسائر، بل هي درس قاسٍ يؤكد على أن الثراء السريع ليس سوى وهم ينهار أمام اختبار الواقع، ونفس الموضوع ونفس المبدأ يتم من خلال عمليات نصب متعددة من خلال موضوع التداول بالعمليات المشفرة، ومن خلال موضوع التسويق الإلكتروني، وأيضاً في موضوع التداول بالأسهم وغيرها، لكنها أيضاً فرصة لنعيد التفكير في علاقتنا بالتكنولوجيا والمال، فالمستقبل لن يتغير بمجرد الأمنيات، بل بالتكاتف بين مواطن يقظ يرفض الانسياق، وحكومة تتحمل مسؤوليتها في بناء جدار رقمي واقٍ، منصة FBC ليست النهاية، بل نقطة انطلاق لمواجهة النصب الإلكتروني بجدية، فهل نتحرك اليوم في سوريا، أم ننتظر كابوساً يطرق أبوابنا؟.
اخبار سورية الوطن 2_الثورة