إسراء حسن
في مدينة حيدر آباد الهندية، حيث يلتقي عبق التاريخ مع نبض الحداثة، احتضنت مسابقة ملكة جمال العالم لعام 2025 حدثاً استثنائياً يتجاوز مفهوم الجمال السطحي، ليعلن بوضوح أن الجمال الحقيقي هو ذلك الصوت الذي يحمل رسائل التغيير والتمكين والوعي.
في قلب هذا الحدث، برز خطاب ملكة جمال تايلاند، أوبال سوشاتا، كصرخة أمل وصوت مسؤولية، حيث قالت: “وجودي هنا هو أعظم فرصة يمكن أن أحصل عليها في حياتي، ومسؤوليتي كسفيرة لبلدي تتجاوز الجمال الخارجي لتشمل كيفية نظر الآخرين إلينا كنساء ملهمات وقائدات حقيقيات”.
ملكة جمال العالم 2025 التايلاندية أوبال سوشاتا (أ ف ب)
ملكة جمال العالم 2025 التايلاندية أوبال سوشاتا (أ ف ب)
هذا الخطاب يعكس فهماً عميقاً لدور المرأة في العالم الحديث، فهو يرفض النظرة الضيقة للجمال كقشرة خارجية فقط، ويعيد تعريفه كقوة داخلية تحملها أفعالنا وسلوكياتنا. فالجمال، بحسب أوبال، ليس فقط في المظهر، بل في كيفية قيادتنا للآخرين برقيّ ووعي، في كوننا قدوة حقيقية تحفّز مَن حولنا على الإيمان بأنفسهم وقدراتهم، مهما كانت أعمارهم أو مواقعهم في الحياة.
تشدد أوبال على أن كل امرأة، مهما كانت مكانتها أو لقبها، تحمل في داخلها قوّة تأثير لا يستهان بها، فهي صوت كل طفل ينتظر الدعم، وكل امرأة تبحث عن التمكين، وكل إنسان يسعى إلى التغيير. وتضيف: “أفضل طريقة لقيادة الآخرين هي أن تقودهم برقيّ أفعالك… هذه هي الرسالة التي أرغب في إيصالها للعالم، أن الجمال الحقيقي ينبع من الداخل ويترجم إلى أفعال تخدم مجتمعاتنا”.
هذه الكلمات تعكس وعياً اجتماعياً عميقاً وابتعاداً عن السطحية، حيث يلتقي الجمال بالمسؤولية، والحُسن بالرسالة. فهي تدعو النساء إلى أن يكن أكثر من مجرد وجوه جميلة، بل أن يصبحن رموزاً للتغيير، وأيقونات تحمل في طياتها قيماً إنسانية وأخلاقية تؤثر إيجاباً في محيطهن والعالم أجمع.
وهذا ما جعل من أوبال نموذجاً يحتذى به، ليس فقط بسبب ملامحها الجذابة، بل لأن قصتها الشخصية مع تحدٍّ صحيٍّ حقيقيّ، والجهود التي بذلتها في حملة التوعية “Opal For Her” أثبتت أن التاج هو أمانة ومسؤولية أكبر بكثير من مجرد لقب.
على الجانب الآخر من العالم، كانت ملكة جمال إثيوبيا هاسيت ديرجي تصنع بصمة قوية، حيث قالت: “العديد من الناس في موطني يظنون أن مسابقة ملكة الجمال هي مجرد مسابقة جمالية، لكنها أكثر من ذلك بكثير. هناك أطفال ونساء يتلقون دعماً بسبب وقوفي هنا. أنا أوّل إثيوبية تصل إلى هذه المرحلة، وأشعر بفخر كبير، فنجاحي ليس لي فقط، بل لكل طفل ولكل امرأة، وهدفي أن أثبت لكم أنكم تستطيعون تحقيق المستحيل”.
خطابها كان صريحاً، مؤكداً أن الجمال ليس كافياً، بل يحتاج إلى صوت يحمل قلب كل طفل وأم وإنسانة تبحث عن بصمة وتأثير.
وشهد الحفل أيضاً انسجاماً فنياً جميلاً بين التراث والموضة، من خلال عرض أزياء مستوحى من أقمشة تيلانغانا اليدوية، صممتها أرتشانا كوتشار، التي جسدت التناغم بين التاريخ والحداثة.
كما برز الحضور العربي هذا العام، مع تأهّل ملكتي جمال لبنان وتونس ضمن Top 20. ندى كوسا من لبنان لم تكن مجرد مشاركة، بل رمز لجيل عربي طموح وواعٍ يعبر عن الثقافة والذكاء والروح المعاصرة. أما لميس الرديسي من تونس فقد أسرت الأنظار بفستان مستوحى من “قبعة المحرس” التونسية، الذي نال جائزة أفضل زي وطني.
ومع كل هذه النجاحات، لم يخلُ الحفل من اللحظات المثيرة، إذ فاجأت ملكة جمال إنكلترا، ميلا ماجيه، الجمهور بانسحابها قبل أيام من النهائي، معللةً قرارها بأنها ترفض أن تُعامل كمجرد عرض ترفيهي للمستثمرين، ووصفت المسابقة بأنها قديمة ومحدودة الرؤية. أثار هذا الانسحاب جدلاً واسعاً، لكنه لم يثنِ المسابقة عن مواصلة مهمتها في تعزيز الرسائل الإيجابية والتنوع الثقافي. من جهتها، نفت الجهات المنظمة أن يكون الانسحاب مرتبطاً بمخاوف جذرية، مؤكدة أنه قرار شخصي، وأن تجربة ماجيه كانت إيجابية في الغالب.
الحفل الذي أقيم في قصر تشوماهالا الفخم، وسط أجواء مستوحاة من عالم بوليوود، تلاقت فيه الأزياء الهندية التقليدية مع عرض أزياء مدهش جمع بين الأقمشة المحلية “هاريفيلو” وتصميمات أرتشانا كوتشار. واكتملت اللوحة البوليوودية المنتظرة برقصة الجمهور على أنغام “ناتو ناتو”. وفي الختام، أطلقت أوبال سوشاتا، إلى جانب العديد من المشارِكات، العنان لرؤية تجعل من الجمال قوّة ناعمة، عنوانها العريض: تاج الرسالة يتربّع على عرش الجمال.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار