عبد الله سليمان علي
عاد، الثلثاء، علي صدر الدين البيانوني، المرشد الأسبق لـ”جماعة الإخوان المسلمين” في سوريا، إلى بلاده بعد 46 عاماً قضاها في المنفى بسبب خصومة التنظيم مع النظام السوري السابق.
من حيث الشكل، تمثّل هذه العودة امتثالاً من الجماعة للشرط الذي وضعته السلطات في سوريا بخصوص العودة الفردية وليس الجماعية لأي كيانات حزبية أو هيئات سياسية كانت تعمل من خارج البلاد.
ولم تحظَ عودة البيانوني باهتمام إعلامي، رغم أنه من أبرز قيادات “الإخوان” التي تقرر عودتها إلى سوريا. واقتصر استقباله في مطار حلب على عدد محدود من أفراد عائلته وأصدقائه، وسط غياب تام لأي حضور رسمي أو شعبي.
وجاءت عودة البيانوني في ظل جدل متصاعد حيال علاقة الجماعة مع السلطة الحاكمة، والخشية من احتمال أن ينعكس أي خلاف بين الجانبين على مسار المرحلة الانتقالية.
ولم يتضح ما إذا كان لعودة البيانوني أي علاقة بالتصريحات الرسمية لمسؤولين سوريين حيال الموقف من الجماعة، غير أن بعض المراقبين رجّحوا أن تكون عودته، رغم طابعها الشخصي الذي ربما فرضه تقدمه في العمر ، بمثابة جسّ نبض لموقف السلطات من عودة قيادات “الإخوان” الآخرين، وكذلك ربما تكون تمهيداً لفتح قنوات اتصال وتفاوض، سواء مع السلطة في دمشق أو مع القوى السياسية الأخرى.
ويؤكد مصدر مقرب من “إخوان” سوريا، لـ”النهار”، أن عودة البيانوني “شخصية ولا تحمل أي معانٍ أخرى، وكانت مبرمجة قبل أشهر من الآن”. ويشير إلى أن “قيادات الإخوان تتنقل بين سوريا والخارج بشكل طبيعي”، مشيراً إلى “عدم وجود تعامل مختلف مع كوادر الجماعة”، في إشارة إلى عدم وجود سياسة تضييق ضدهم في سوريا.
ونُقل عن الرئيس السوري أحمد الشرع في لقائه مع إعلاميين عرب أنه قال: “لست امتداداً للتنظيمات الجهادية ولا حركات الإسلام السياسي”. وتدخل “جماعة الإخوان المسلمين” ضمن حركات الإسلام السياسي، بل هي صانعة هذا التيار تاريخياً. ولا يحمل تصريح الشرع أي موقف خاص من “الإخوان”، لكنه يبرز على الأقل محاولته وضع مسافة بينه وبين هذه التنظيمات والحركات، ما يشير إلى عدم إيمانه بمنهجيتها وتجاربها. غير أن صدور التصريح بعد الدعوة التي وجهها مستشاره الإعلامي أحمد زيدان لحلّ “تنظيم إخوان سوريا”، أضفى عليه أبعاداً ربما لم تكن مقصودة.
وقال زيدان: “باعتقادي المتواضع فإن حلّ الجماعة، كغيرها من المكوّنات السورية، يخدم البلد”.
وأثارت مقالة زيدان التي جاءت تحت عنوان “متى ستحل جماعة الإخوان المسلمين نفسها؟”، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية السورية، خصوصاً أن زيدان اعتبر أن بقاء التنظيم يضر البلاد ويعرقل بناء الدولة.
ويؤكد المصدر المقرب من “الإخوان” أن “الجماعة غير معنية بموقف زيدان لأنه موقف شخصي ولم يصدر عنه بصفته مسؤولاً في الدولة”. ويضيف: “الجماعة لا تردّ على ما يتم تداوله في وسائل الإعلام، ولا تردّ إلا على الطلبات والمراسلات الرسمية الموجهة إليها حصراً”.
ويشير المصدر إلى أن “الجماعة تقرأ التطورات الإقليمية والدولية وتدرك مدى حساسية أي سجال سياسي في هذه المرحلة”.
وبشأن الموقف من حلّ الجماعة عامةً، بغض النظر عن الدعوات الموجهة، يقول المصدر إن “الموضوع غير مطروح على طاولة البحث حالياً”.
بدوره، يقول الأكاديمي والخبير في الإسلام السياسي فداء مجذوب لـ”النهار”: “من الإنصاف القول إن الجماعة كغيرها من المكونات السياسية والاجتماعية لها ما لها وعليها ما عليها. وقد كانت، في مراحل معينة، حاضرة في مواجهة الاستبداد وقدمت تضحيات لا يمكن إنكارها، إلى جانب قوى وشخصيات وطنية متعددة”.
لكنه يضيف: “إن سوريا تمر بمرحلة جديدة، تفرض على الجميع، من دون استثناء، أن يُعيد النظر في أدواته، وخطابه، وبُناه التنظيمية، بما يتلاءم مع تطلعات السوريين لدولة مدنية، تعددية، حديثة، تقوم على المواطنة والحقوق المتساوية”، مشيراً إلى أن “الأطر القديمة، على اختلاف أشكالها، ربما لم تعد قادرة على مواكبة هذا التحول، وهذا يشمل كل الفاعلين، سواء كانوا أفراداً أو جماعات”.
وبناءً على ذلك، يرى مجذوب أن “أي دعوة لإعادة التقييم، أو حتى لإعادة تشكيل الكيانات السياسية والاجتماعية، يجب أن تُناقش بهدوء، وبروح وطنية، بعيداً عن الإقصاء أو ردود الفعل الآنية”، مشدداً على أن “ما نحتاجه هو حوار وطني شامل، يُراعي الماضي دون أن يُؤثر به، ويُعطي الأولوية لبناء مستقبل يجمع ولا يُفرق، ويؤسس لحياة سياسية صحية في سوريا الجديدة”.
أخبار سوريا الوطن-وكالات-النهار