آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » هجرة القلوب ..!

هجرة القلوب ..!

*سعاد سليمان

إذا أردت أن ترى العجب العجاب عليك أن تقصد مديرية الهجرة , والجوازات في طرطوس . الازدحام شديد عند بابها الرئيسي , وقبل الدخول حيث يمنع الدخول إلا وفق الشروط , والأسباب الموجبة !! قد يكون السبب وجهة نظر في تخفيف الازدحام , وتقليل عدد المراجعين للمكان , وبالتالي تسيير أمور الناس بهدوء .. وحرصاً على الصحة العامة من كورونا العصر . لكن أي هدوء ؟!! تدخل .. وتبدأ معاملتك . إذا أردت تجديد جواز سفرك مثلاً .. يعطيك الموظف المختص موعداً بعد أسبوع .. ويسجَل اسمك في قائمة طويلة .. وترى بعينيك كيف يقف المواطن بانتظار دوره , ويراجع عدة أقسام في المديرية وعدة منافذ .. حيث تتطلب المعاملة مجموعة من الأوراق , والمستندات .. وهو لا يطلب إلا تجديد جواز حصل عليه من نفس المكان , ومرت السنوات , وانتهت فعاليته . هناك … أمام , وفي المكان ترى حشوداً من المراجعين .. هم الحشود.. الذين لم يغامروا بأرواحهم , والسباحة بحراً , وركوب الموج , وزوارق الهجرة , ولم يقطعوا الحدود مشياً على الأقدام .. هذا الجمع ممن تحمّل حرب السنوات العشر , وأكثر , ونتائجها من جوع , وقلة وفقر , وصعوبات عيش , وتهجير فكانت طرطوس الحضن الواسع , وما تزال .. رغم شظف العيش , وضيق الأمكنة … هذا الحشد الذي يقف أمام باب مديرية الهجرة , والجوازات , أو في ممراتها , وعلى أدراجها تحمّل الويلات .. وهو اليوم يريد السفر .. الأسباب عديدة .. فنحن لسنا في سجن .. هي الحياة … و الحدود أسوار, وقيود , وضعتها السياسة , والاستعمار في بلادنا , وبلاد الله الواسعة , وكرّسها الانسان .. من يشاهد , ويرى .. يؤكد أن الموظفين في هذه المديرية قد يحتاجون إلى الأوسمة .. هناك .. في المبنى .. تتجمع النساء , والأطفال , وترى العجائز…. كلهم يتسابقون مع الشباب لإنجاز معاملاتهم التي تحتاج عودة إلى الشارع حيث تكثر المكتبات لشراء ما يلزم , وتصوير ما تحتاجه المعاملة .. يقول أحدهم : أنا المواطن – وبعد أخذ ورد , وانتظار لدوري في عدة منافذ , ومكاتب بين الطوابق صعوداً ونزولاً .. يقف رجل عجوز أمامي يريد أن يدون بخط يده كل تفاصيل معاملته , ويكتب برتابة , وببطء شديدين ما يمليه عليه الموظف اللطيف الذي لم يملَ , أو يعجز أمام طلبات العجوز .. لكن حين أطلقت صرخة تأفف .. اعتذر الموظف من العجوز , وأتممت عملي البسيط في الركن المطلوب لأمضي إلى جهة أخرى , وأتابع معاملتي .. وبين غرفة , وأخرى … وبين أخذ , و رد .. يملأ الضجيج المكان , والازدحام في كل الأمكنة .. أصل مع نهاية الدوام إلى نهاية المعاملة , وتأكيد رسمي أنني سوف استلم جواز سفري الجديد المتجدد بعد شهر ونصف , أو شهرين !!! هكذا تم تقديم الخبر السعيد إليّ على طبق من ابتسامة لطيفة . شهران ؟!! قلت بتعجب !! يجيبني المسؤول بتعجب أيضاً : لماذا تسافرون ؟؟ أصمت , وأنا انظر بعيون الدهشة إلى جموع الشباب الواقفين بانتظار دورهم في الردهة المعتمة , وإلى نساء , وأطفال يتحدثون بنهم , ولا يملّون !! هي هجرة قلوب , أم هجرة وطن .. أردّد في داخلي المتألّم .. وأمضي . هذا ما كان قبل خمس وعشرين يوماً من اليوم .. إذ .. تقرّر, وحرصاً على المصلحة العامة , ولتحقيق السرعة الكلية لمن يرغب بها : على المستعجل دفع مائة ألف ليرة سورية مقابل جواز سفر فوري , وخلال ساعات فقط .. . كما كان هذا الانجاز قبل الحرب علينا , والأزمات المتتالية وبدون المائة ألف .. وكان ما كان . اليوم , وبسهولة , ويسر , وبعد مضي 25 يوماً فقط , وليس بعد شهر ونصف أو شهرين يخبرني هذا المواطن وبفرح شديد : أنه استطاع استلام جواز السفر الجديد بكل يسر , وسهولة , وبلطف من موظفين هم جنود أمام الله , والوطن … ويقول : رأيت بأم عيني الجوازات الكثيرة المرتبة فوق الرفوف بانتظار أصحابها .. ويضيف بألم : العالم كبير , والبلاد عديدة , وأرض الله واسعة .. لكن لا يوجد إلا سورية واحدة .

(سيرياهوم نيوز11-12-2021)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بين وجع السوريين وصمت الأمم… “كوردوني”يدخل الساحة ومعه ملامح تحوّل خفي

  د. سلمان ريا   في خطوة لافتة تحمل أكثر مما تعلنه بيانات الأمم المتحدة التقليدية، عيّن الأمين العام أنطونيو غوتيريش الإيطالي كلاوديو كوردوني نائبًا ...