آخر الأخبار
الرئيسية » قضايا و تحقيقات » ابتسم للكاميرا” .. الرصاص الجديد .. “الحرب الأخرى”

ابتسم للكاميرا” .. الرصاص الجديد .. “الحرب الأخرى”

د. مازن سليم خضور :

أصبح الإعلام في نهاية القرن الماضي قائداً لسلطة الرأي العام في أغلب المجتمعات ليخرج عن دوره السابق كواحد من خيارات تمضية الوقت والتسلية في أوقات الفراغ ، أصبح مرجعيةً بحدّ ذاته ، البعض قال إنّ الصورة تساوي ألف كلمة ، ومن المعروف أنّ الأزمات تحظى باهتمام وسائل الإعلام التي تلعب دوراً مهماً في توجيه الرأي العام ، إذ اعتبر الإعلام سلاحاً عصرياً فاعلاً في تغطية الأزمات بكلّ فروعها وأشكالها ، لما له من قدراتٍ هائلةٍ في نشر الأخبار والتأثير بدرجةٍ كبيرةٍ في الرأي العام العالمي ، وإجراء تحولاتٍ في المسار السياسيّ العام ، إضافةً إلى ردّ الأزمة لفاعليها .
في الحرب العدوانية على سورية ، شكلت وسائل الإعلام وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي رأس حرب أساسية ومواجهة أيضاً فيها ، وبالتالي كان للشبكة العنكبوتية دور كبير في سنوات الحرب خاصة الأولى منها ، حتّى أصبح لكلّ فصيلٍ إرهابي أو تنظيمٍ قناته الخاصة به ، حتّى إنّ تنظيم”داعش”الإرهابي أصبح يبثّ جرائمه المروّعة على هذه المحطات ولاسيما إعدام المواطنين و عناصر الجيش العربي السوري ومن خالفهم بالرأي حتّى من التنظيمات الإرهابية ، وبثّ تلك الطرق الوحشية من قتلٍ وذبحٍ وإحراقٍ وإغراقٍ و .. الخ .
لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي مجرد أداة للترفيه وتحقيق التواصل بين الأفراد ودخلت جميع جوانب الحياة اليومية حتى إنها أصبحت في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة في صناعة الهواتف الذكية في كل زمان ومكان ومتاحة للصغير والكبير ، وباتت لاعباً رئيسياً وفاعلاً في المجتمعات .
ولعبت تلك المواقع وخاصة تويتر دوراً رئيسياً في الانتخابات الأميركية ، بصورة تمكننا من القول إن كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي فقدا السيطرة الإعلامية على متابعيهما .
فقد غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت ككل في شكل الصراع ، حيث باتت مكاناً لشن حرب جديدة تستهدف عقول الشعوب ، وأصبحت منصة سهلة للحصول على المعلومات حول العديد من الأشخاص ، وتحولت إلى ساحة خلفية لممارسة نوع جديد من الحروب ، هي بالأساس حروب أفكار ، وطرحت عدة إشكاليات رئيسية ، منها أمنية واجتماعية وسياسية ، ومنها الثقافية التي تتعلق بالحفاظ على الهوية والقيم والمعتقدات التقليدية في عالم مفتوح الثقافات ، ولا يعترف بحدود جغرافية فتشكلت جبهة حرب جديدة من خلالها عبر الفكرة والمعلومة والصورة والفيديو واختراق الخصوصية .
لوسائل التواصل الاجتماعي دور في نشر الشائعات والأخبار والصور غير الدقيقة بسبب انتشارها وسهولة التعاطي معها وسهولة تلقيها ، وسرعة انتشار ما يتم نشره على هذه الوسائل كونه مفتوحاً للجميع ولا يحكمه قانون حقوق النشر أو أي رادع قانوني لناحية نقل المعلومة قبل التأكد منها ، وعدم ارتباطها بأي ضابط قد يعيق وسيلة إعلامية لناحية انتظار مصدر أو بينة متعارف عليها ، بالإضافة إلى الأدبيات الصحفية التي تضبط وسائل الإعلام على عكس وسائل التواصل الاجتماعي .
وهنا نصل إلى ما نود الحديث والإشارة إليه بأن لهذه الوسائل مجموعة كبيرة وكثيرة من الفوائد وكذلك لها سلبيات .. والسلبيات ليست من هذه التطبيقات ولكن من حيث الشخص الذي يستخدم هذه الوسائل .
الحديث هنا عن مجموعة صور عرضت على وسائل التواصل الاجتماعي وكان لها تأثيرها الكبير والتفاعل والتعليقات والتي استغلت وتم ربطها بمواضيع غير صحيحة ولا تمت لها بصلة ليتم تناقلها عبر البعض عن غير قصد أو بقصد بهدف جمع الإعجابات “اللايكات” على صفحته وزيادة التفاعلات ، و دون التأكد من صحتها :
أولى هذه الصور هي لشخص يبكي فوق أحد الجسور في العاصمة دمشق ..

صورة فيها الكثير ليقال “عندما يبكي الرجال فأعلم أن الهموم تفوق الجبال” .. وهنا عينة لما تم الحديث عنه حول هذه الصورة سواء من قبل صفحات موجودة في الداخل السوري أو خارجه .
(بهذه اللقطة تشعر بحجم القهر والتفكير بالخلاص .. يا إلهي لأي درجة من الحزن واليأس والألم وصل إليها هذا الرجل المسكين – ولله” يلي عم يصير فينا بدو حلم الله ليحملو معنا ، ولله منظر يقطع لقلب ويقهر الروح”.
نعم هي صورة مؤثرة فعلاً ومعبرة لو كانت حقيقية .. لكن الحقيقة الشخص الذي في الصورة كان يضع يده على أذنه ويحمل هاتفه الجوال ويتحدث على الهاتف فقط والمطلوب للتأكد من صحتها خطوة بسيطة وهي القليل من تقريب الصورة “zoom” لتشاهد حقيقة تفاصيلها .

الصورة الثانية هي لفتاة تقف عند رجل مسن يعمل في تنظيف الأحذية وتم تغطية الوجوه احتراماً لحقوق أصحابها في الخصوصية ..

تحمل الصورة معاني اجتماعية واقتصادية معينة لكن تم تحميلها للفتاة بغير وجه الحق في مخالفة قانونية بداية وتحمل صفة جرم التشهير والقدح والذم ، بالإضافة إلى أنها تضر بالرجل نفسه والذي يعتمد بكل تأكيد على هذا العمل ليستطيع تأمين رزقه ما يفتح الباب واسعاً على انعكاس الاستخدام السيئ لهذه الوسائل على المجتمع وضرورة الوقوف عنده ، فمن أعطى الحق لمصور هذه اللقطة بأن يصورها ، ومن أعطى الحق لمتداوليها دون تغطية وجه الفتاة وحتى الشخص المسن ، ومن له الحق بأن يفرض على الشخص قبول المساعدة في حين فضل هو أن يؤدي عمله مهما كانت نظرة المجتمع لهذا العمل وهذه النقطة مهمة من يعطي الناس حق تقيم الأعمال والمهن .. أليس هذا العمل أفضل من التسول ؟.
فرضيات عدة تطرح لكن وبكل تأكيد لا تطرح كما تم تداولها وحجم الهجوم والسباب والشتائم التي تناولت الفتاة والتشهير بها ، ووضع صورتها وصورة الشخص المسن الذي يعمل دون إذنهما .


الصورة الأخرى تم تداولها لأطنان من السكر المدعوم داخل منزل مديرة صالة تابعة لإحدى مؤسسات التموين المعنية ببيع هذه المنتجات لتنهال التعليقات والشتائم والقصص والروايات التي تتحدث عن الفساد والسرقات حتى قبل بدء التحقيق والتفتيش ، ولو افترضنا صحة الاتهام فهناك رقابة وتفتيش وعقوبات إدارية وقانونية ومؤسسات تختص بذلك ، ولكن ليس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الذي شكل ظاهرة خطيرة في إطلاق الأحكام وأخذ مكان القضاة وحتى أخذ دور المحققين في ذات الوقت .
وهناك صورة تم تداولها على أنها لوجبة عشاء لأطباء مناوبين في أحد المشافي ..

بعد حملة من الهجوم والتشهير والتداول لهذه الصورة على أنها كامل وجبة العشاء للأطباء المناوبين ليأتي الرد من الإدارة على الشكل التالي : “نفى مدير مشفى تشرين الجامعي الدكتور لؤي نداف لصحيفة ” الوطن أون لاين” بأن ما يتم تداوله على صفحات فيسبوك حول أن عشاء المناوبين في المشفى هو ملعقة لبنة ، بينما أكد أن وجبة العشاء لليوم الأربعاء كانت لحمة بالصينية” مؤكداً أن ذلك يندرج ضمن إطار “التجني” على الحقيقة والإساءة لسمعة المشفى المعروف بنوعية خدماته .
وأشار الدكتور إلى أنه قد تكون هناك حالات مثل” تأخر بعض الطلاب المناوبين عن وجبات العشاء ، أو تكرار طلب نفس الوجبة مرتين تزامناً مع انتهاء الكمية الموجودة . كما لفت إلى أن الوجبات ليست مخصصة للمناوبين فقط ولكن المشفى يستقبل حتى طلاب السكن الجامعي على هذه الوجبات .. لكن هذا التوضيح لحقيقة الأمر لم يأخذ ذات حيز التداول على ذات الصفحات التي روجت للصورة على أنها حقيقة دون التأكد من صحتها !
الصورة الأخيرة لمراسلة صحفية في الإعلام الوطني .. قيل أنها تسأل طفلاً صغيراً يعمل في بيع حلويات عبر عربة لماذا تبيع الحلوى وهي مكشوفة معرضاً حياة المواطنين للخطر خاصة بظل انتشار جائحة كورونا ، متجاهلة واقعه المؤلم وضرورة وجوده في المدرسة لتظهر الحقيقة أنها عكس ذلك تماماً كون المراسلة أصلا تعمل في قناة “التربوية” المعنية بشكل مباشر بالواقع التعليمي للأطفال ، وأعدت التقرير لهذا السبب ولم تسء للطفل الذي يبيع الكعك مكشوفاً على عربته بعد أن تهجر وعائلته ، ولم تأتِ على ذكر كورونا ، بل أجرت معه حواراً صعباً عن المدرسة وأحلام الطفولة ، وأسباب عمله في هذه السن المبكرة لتضيء على هذا الواقع المؤلم بهدف العمل على حله وهذا موثق

بعد كل ماتم طرحه نؤكد ونبين أن للإعلام دوراً مهماً في التصدي للمعلومات المغلوطة لكن بالبداية عليه أولاً أن يمتلك مصداقية بالنسبة للمتابعة بحيث يصبح مصدراً موثوقاً للمعلومة ، ومن المهم أن يتضمن برامج مختصة تتابع مثل هكذا أخبار ، و تسعى لإظهار الحقيقة ، ويجب الإجابة على مجموعة من الأسئلة ومنها : من ينشر ويسرب مثل هذه الأمور ؟.

ما الهدف من إثارة هذه القضايا وغيرها ؟.

يمكن للأشخاص التأكد من بعض الأخبار من خلال عملية بحث بسيطة سواء عن طريق المصادر الموثوقة أو عبر وضع الصور أو الفيديوهات في أي محرك بحث وتظهر النتيجة ، ويتم وضع معلومات هذه الصور سواء من حيث مكان النشر وتاريخ النشر .
وللحد من آثار هذه المظاهر بالبداية يجب إدراك أهمية وخطورة هذه الوسائل وسن قوانين للحد من تأثير المواد المضللة ، وتوظيف وسائل الإعلام الاجتماعي لزيادة الوعي العام ، وتتبع احتياجات المواطنين ، كما أنه يجب أن يعترف المستخدمون العاديون بمسؤوليتهم ، وضرورة الوعي بما يشاركه الفرد ، وما ينشره ، وما يتفاعل معه ، فالأفراد العاديون لا يحددون فقط الدور الذي يلعبونه ، ولكن تكمن قوتهم في تلك الحرب من خلال التأثير أيضا على ما يعرفه الآخرون ويفعلونه

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تكليف البيسري بـ«ترحيل» السجناء السوريين

بعد وقت طويل من الركود وعدم تنفيذ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وعده، قبل عام تماماً، بالقيام بزيارةٍ رسميّة لسوريا للتنسيق في شأن ملف ...