آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الأزمة السورية تستعيد بعضاً من «وهجها»

الأزمة السورية تستعيد بعضاً من «وهجها»

| عبد المنعم علي عيسى

كانت الأزمة الأوكرانية، التي سجلت بالتزامن مع مرور 75 يوماً على انفجارها، حالا من الاستعداد على إمكان اتساع دائرة النار التي قد تقفز قريباً خارج حدود جغرافيتها، قد فرضت على الأزمة السورية، تبعاً لمشتركات وتقاطعات عدة، الخروج من دائرة الضوء التي كانت تحظى بها على المستويين الإقليمي والدولي، وللأمر أهميته القصوى التي تعني تغيرا عند ذينك المستويين في طريقة التعاطي معها من الحالة «الساخنة» إلى «الباردة»، حيث يفرض التصنيف السابق تغيراً أكيداً في الوسائل والأدوات وطرق المعالجة، وقد بات من المؤكد أن «الذراع» الأوكرانية هي التي ستحدد، بدرجة كبيرة ولأمد غير معلوم، حركة «الرحى» السورية في دورانها وفي السرعات التي تتخذها، بل في طبيعة «الجريش» الخارج من بين قطبيها.

الخروج من دائرة الضوء، أو الابتعاد إلى صفوف تحظى بإضاءات خافتة، قد تكون السمة الأساس التي فرضها اندلاع نزاع هو الأهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على الصراع الدائر في سورية، والمؤكد هو أن الصراع الأول، أي الصراع الدائر في أوكرانيا، بات يتخذ وضعية هي أشبه بـ«البرزخ» المؤدي للعبور إلى نظام دولي جديد قد يكون من الصعب الآن رسم ألوانه، أو توازنات القوة فيه، وإن كان مسار العبور عبر «البرزخ» سيلعب دوراً فاعلا في «الرسم» وفي توازن القوة الذي سيفضي إليه.

لكن تلك الصفة، أي خروج الأزمة السورية من دائرة الضوء، أبدت مؤخراً حالاً من التململ الذي قد يدفع بالأزمة من جديد للدخول في تلك الدائرة، تبعا لمعطيين اثنين، أولهما طول أمد الصراع الدائر في أوكرانيا والذي بات أشبه بحرب عالمية مصغرة لكنها تنحصر، أقله حتى الآن، برقعة جغرافية محدودة مع احتمالية وازنة في أن تمضي لاحقاً في مسارها التصاعدي للتمرد على حالة الانحصار سابقة الذكر، وثانيهما هو أن العديد من الدول الإقليمية الفاعلة، مثل إيران والسعودية والإمارات، راحت تتلمس بسرعة رياح المتغيرات الدولية التي تهب من الصراع الأوكراني فارضة عليها التعاطي مع تلك المتغيرات برؤية جديدة من النوع الخادم لمصالحها، خصوصاً أنها سريعا ما أيقنت أن تموضعاتها السابقة سوف تضعها حتما في لوائح الخاسرين جنبا إلى جنب خاسرين اثنين هما تركيا وإسرائيل، حيث من الواضح أن السياسات التي ينتهجها الأخيران تقوم على ركيزة أساسية هي التقليل من كم الخسائر المحتملة، الأمر الذي يفسر التخبط الحاصل لديهما في شتى الاتجاهات حتى لتكاد الصفة البارزة في سياساتهما، هي محاولة اللعب على حبال التناقضات التي باتت إستراتيجية عندهما، وتلك سياسة ستصيب المصالح على المدى الطويل في مقتل، وهي لا تصح إلا أن تكون تكتيكاً مؤقتاً يصح استخدامه في ظروف هي أقل تعقيداً من تلك السائدة الآن.

تلمس رياح المتغيرات، والدروس المستخلصة من الصراع الأوكراني، تمظهراً في الإعلان، الذي جاء من بغداد أواخر شهر نيسان الماضي، عن نجاح اللقاء التفاوضي الأمني الخامس ما بين الرياض وطهران، وعلى الرغم من أن العديد من التقارير الصادرة مؤخراً عن وجود عثرات وازنة في مفاوضات فيينا الرامية للعودة للاتفاق النووي الإيراني حتى أن بعضها قال بوصول هذي الأخيرة إلى «طريق مسدود»، إلا أن الراجح هو أن «الجرافة» الأوكرانية سوف تعاود عملها بما يكفي لإزالة العثرات، ولتعاود التلاقيات السعودية الإيرانية نشاطها من جديد، فاللقاء سابق الذكر حقق تقدماً ملحوظاً فيما يتعلق بالملف اليمني، الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام حدوث تلاقيات في الملف السوري وإن كان الأخير أعقد من الأول بما لا يقاس، و«فتح الباب» سابق الذكر، فيما لو حصل، سوف يفرض نفسه على «الدولي» الذي غابت فيه، كما يبدو، التفاهمات الروسية الأميركية التي كانت قائمة في سورية ما بين 30 أيلول 2015 و23 شباط 2022، وحال «التفلت» الذي أظهرته العديد من الدول، وفي مقدمتها دول الخليج، من الملاءة الأميركية، ما بعد هذا التاريخ الأخير يشكل أرضية مناسبة لاستنساخ سياسات تقود إلى تهدئة المنطقة وصولا إلى بناء نظام إقليمي جديد يكون كفيلاً بالوصول إلى حالة البناء الأخيرة، ولربما يكفي لتحقيق ذلك التوافق على أمرين اثنين أولهما التزام الأنظمة بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ثم التوافق على مبدأ يحدد خطوط التماس في حماية المصالح، أين تبدأ وأين تنتهي.

قد يكون من الصعب، والصراع الأوكراني دائر، القول بإمكان التوصل إلى تسوية نهائية للأزمة السورية، لكن ذلك لا يلغي إمكانية الاستثمار في المخرجات التي راكمها ذلك الصراع حتى الآن لتحصين المكتسبات التي تحققت، وفي الذروة منها المناخات الإقليمية التي باتت تميل أكثر نحو تغليب التلاقي على الافتراق، ولربما تشكل هذي المناخات فرصة سورية جيدة يمكن لدمشق الاستفادة منها بشكل إيجابي شريطة أن تكون الخيارات واضحة من دون أن يلغي ذلك إمكانية حدوث تحولات فيها تبعاً للمستجدات التي تفرضها التطورات، فعامل الوقت اليوم بات من الخطورة بحيث يهدد بنسف النجاحات التي تحققت على امتداد السنوات العشر الماضية ما لم يجر استثماره على نحو أمثل.

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وهن العزيمة أم وهم العزيمة؟!!…

  باسل الخطيب   من قال أن هذه آخر الحروب؟…. هذه لم تكن سوى جولة وحسب..   هذا لم يعد اسمه تحت خط الفقر…. هذا ...