الرئيسية » كتاب وآراء » المنطقة تبدي استعداداً للتسخين

المنطقة تبدي استعداداً للتسخين

| عبد المنعم علي عيسى

برزت في غضون الأسابيع القليلة الماضية رزمة من المؤشرات التي تشير إلى إمكان أن تشهد المنطقة خريفاً ساخناً، وإذا ما كانت عوامل التفجير قائمة بفعل حالة اللااستقرار التي باتت مزمنة فيها بدرجة لا تحتاج معها إلى كثير من الشروط اللازمة لحدوث الفعل، فكيف والأمر إذا ما كانت هناك العديد من العوامل التي راحت تبدي تكاتفاً تظهر من خلاله كأن الواحدة منها تذهب إلى مساندة الأخرى، وفي خلفية المشهد يبدو هناك طقس يستمد زخم التوتر من جعبة مناخ عالمي بات في الآونة الأخيرة، مهيئاً لاستعادة المناخات التي شهدها في العامين 1938 و1939، والتي أيقن الكل فيها أن انسداد الطرق الآخذ بالتنامي بات يحتم «حواراً» من نوع آخر، حيث تصبح النتائج التي يفضي إليها نوع كهذا من «الحوارات» كفيل بإنضاج مقاربات أخرى تكون كفيلة هي الأخرى بخلق توازنات جديدة من شأنها أن تعيد رسم معادلات الاستقرار عبر تلك التوازنات.

بشكل ما يمكن القول: إن «الحماوة» التي تشهدها المنطقة تستمد حرارتها من ملفات ثلاثة مترابطة كلها بدرجة يمكن من خلالها النظر إليها على أنها ملف واحد قياساً للتشابك الكبير فيما بين مؤثراتها ومخرجاتها في آن واحد، هذا في العمق لكن على السطح يمكن لتلك الملفات أن تخرج من تلاقياتها لتنفصل عند حدود معينة حيث يصبح ممكناً رصد حماوة أحد الملفات في حين يبقى كلا الملفين، أو أحدهما، فاتراً أو هو يميل نحو التبريد.

أول تلك الملفات هو المفاوضات الإيرانية مع الغرب، والتي يرمي الطرفان من خلالها لإيجاد صيغة مقبولة لكليهما قبيل الإعلان عن العودة إلى اتفاق فيينا للعام 2015، والراجح هو أن كلا الطرفين كانا قد توصلا إلى «مسودة» كانت جاهزة للتوقيع قبيل نحو شهرين من اليوم، جرى ذلك على الرغم من اندلاع الحرب الأوكرانية التي ساعدت، كما يبدو، في تسريع التلاقيات لاعتبارات تتعلق بالرؤيا الأميركية أولاً، وحتى عندما قدم الاتحاد الأوروبي «نصاً» للاتفاق كمحاولة توفيقية ما بين واشنطن وطهران الشهر الماضي، كان يبدو أن «النص» مقبولاً من الأخيرة، لكن ذلك لم يمنع من أن العديد من التقارير الغربية كانت قد أطلقت وصفاً مهماً في الأيام الأخيرة لتعلن من خلاله أن المفاوضات باتت بحكم «الميتة سريرياً»، ومن الراجح هنا أن التوصيف سابق الذكر كان نتيجة لحاجة ماسة إسرائيلية بالدرجة الأولى، وهي لقيت تجاوباً من قبل الأميركيين، ومفادها وجوب «مسح» الإنجازات التكنولوجية التي حققتها طهران وعلى رأسها ما تحقق في سياق إنتاجها للطيران المسيّر «الدرون»، حيث تشير تقارير إلى أن تل أبيب باتت أكثر قلقاً تجاه هذه الأخيرة من ملف الصواريخ البالستية الإيرانية، والراجح أيضاً، الآن، أن فترة التوقف لا تعني على الإطلاق تغيراً في أولويات واشنطن تجاه مفاوضات فيينا، لكن «الرؤيا» الإسرائيلية فرضت ذاتها على الأولى ما استدعى المراوحة في المفاوضات، وإذا ما كانت إيران ترى أن عامل الوقت يسير لمصلحتها، إلا أن الآخرين يرون العكس، بمعنى أن الوقت يسير في غير مصلحتهم، وهذا يشكل «صاعق» انفجار غير محدود التوقيت.

ثاني تلك الملفات يمكن لحظه عبر ما رمت به مصادر أمنية إسرائيلية مؤخراً، حيث أشارت تلك المصادر إلى أن وزير الحرب الإسرائيلي بني غانتس كان قد عرض خلال زيارته الأخيرة لنيويورك وثائق قيل إنها تضم صوراً وتقارير عن مصانع إيرانية، وهي مختصة بصنع صواريخ وذخائر متطورة، في ثلاث دول عربية هي سورية ولبنان واليمن، لكن المصادر أكدت تركيز غانتس على الصور في شقها السوري الذي يحمل لتل أبيب دلالات تدعو للقلق بدرجة تفوق نظيرتيها في لبنان واليمن، والفعل بالتأكيد قد يشكل مقدمة لتسخين جديد قد لا يقف عند حدود الاستهداف الإسرائيلي الذي تكرر في الآونة الأخيرة، والذي طال العمق السوري وكان من بين استهدافاته مطاري دمشق وحلب.

ثالث الملفات يمثلها ملف حقول الغاز المتنازع عليها ما بين لبنان وإسرائيل، واللافت في هذا الملف هو أن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين يعمد من خلال وساطته إلى ترسيخ تشابكات اقتصادية وسياسية من شأنها، فيما لو مرت، أن تتعدى في تداعياتها مسائل ترسيم الحدود، لتصل إلى نتائج هي أقرب لإنتاج تقاطعات ذات طبيعة دائمة، فآخر المقترحات التي قدمها هوكشتاين إبان زيارته الأخيرة إلى بيروت كانت تقول إن تقوم قطر بدفع بدل عن حصة إسرائيل الصغيرة في حقل قانا، حيث تشير الوثائق التي يعتمدها الوسيط الأميركي إلى أن تل أبيب تمتلك حصة في الحقل المذكور بنسبة 5 بالمئة، ناهيك عن أن طروحات هوكشتاين تسوق لأفكار قوامها اعتماد الذرائع الأمنية الإسرائيلية كأساس لرسم الحدود، وهذا ما يرفضه لبنان بالتأكيد.

في غضون جولات هوكشتاين المتكررة بشكل مباشر وعبر تطبيق الـ«زووم»، أفادت مصادر بأن واشنطن كانت قد حصلت مؤخراً من إسرائيل ومن مصادر لبنانية، على معلومات تفيد أن المقاومة اللبنانية «تقوم بخطوات ميدانية على الأرض تشير إلى أنها تتخذ وضعية قتالية»، ثم تضيف تلك المصادر أن التهديدات التي تطلقها المقاومة ضد المنشآت الإسرائيلية حقيقية، وسوف تنفذ ما لم يتم التوصل إلى توافقات.

هنا يمكن القول: إن الملفات الثلاثة السابقة مترابطة عضوياً، وإن «فكفكة» عقدتها تتمثل في تحقيق تقدم وازن في مفاوضات فيينا الرامية للوصول إلى اتفاق ما بين طهران والغرب، من دون أن يعني ذلك على الإطلاق أن الملفين الباقيين متحدين، لدرجة الانصهار، بذاك الأول، لكن دخول هذا الأخير مرحلة «التبريد» يعني ضمناً خلق معطيات من شأنها دخول الباقيين المرحلة نفسها، فيما عدا ذلك يمكن القول: إن المنطقة ستشهد خريفاً ساخناً.

 

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“العم سام”.. الرقصة الأخيرة….

    باسل الخطيب   7/2/2022 كان يوماً مفصلياً في تاريخ الولايات المتحدة، حيث وقع الرئيس بايدن قانوناً يحد من حيازة الأسلحة النارية للأفراد… قبل ...