آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » حول مواقف المعارضة التركية.. حقائق لا تعرفونها!

حول مواقف المعارضة التركية.. حقائق لا تعرفونها!

| د. بسام أبو عبد الله

صحيح ما يقوله بعض المحللين في الشأن التركي من أنه لا يجوز أن يُلدغ المؤمن من حجر مرتين أو ثلاث، والمقصود هنا عدم تكرار تجربة العلاقة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم «العدالة والتنمية»، والانتظار ريثما تتسلم المعارضة التركية السلطة ممثلة بحزب «الشعب الجمهوري» وائتلافه من أحزاب أخرى، وتقديم الدعم لهم كنوع من السلفة التي على دمشق أن تمنحهم إياها قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إجراؤها وفقاً للموعد الرسمي المعلن في حزيران 2023، على الرغم من أنها يمكن أن تجرى في آذار أو نيسان القادم إذا وجد الحزب الحاكم نفسه في وضع أقوى من منافسيه، وهنا لابد لي من إبداء ملاحظات جوهرية على مواقف المعارضة التركية تجاه المسألة السورية وتطوراتها، وتجاه ما صدر من دمشق من مواقف فُسرت في غير معناها الحقيقي، ومن هذه الملاحظات:

1- إن ما نقلته وكالة «رويترز» عن ثلاثة مصادر من أن الرئيس بشار الأسد رفض المقترح الخاص بعقد قمة ثنائية مع أردوغان في روسيا، ليس رسالة للمعارضة التركية وإنما تأكيد سوري، إن صح الخبر، من أن أي قمة ثنائية لا يمكن أن تتم دون وجود مقدمات لإنجاحها، وهذه المقدمات تتضمن موضوع الانسحاب التركي من الأراضي السورية المحتلة، ووقف دعم الإرهاب للمنظمات والميليشيات التي تديرها المخابرات التركية، ووضع تصورات للتعاون الأمني مستقبلاً، اتفاق أضنة مطّور مثلاً، وموضوع حصة سورية والعراق من مياه نهري الفرات ودجلة، واللاجئين، وغيره الكثير، وإذا استعرضنا هذه الأجندة سنجد أن أي تصور لقمة ثنائية لابد من أن تسبقه أعمال على الأرض، أي كما تقول دمشق «الأفعال وليس الأقوال»، وكما أفهم فإن دمشق لا تريد الدخول في اللعبة الانتخابية الداخلية في تركيا، وتعطي أردوغان أوراقاً للاستثمار الداخلي قبل أشهر من الاستحقاق الانتخابي، وفي الوقت نفسه لا توجه رسالة للمعارضة التركية لتستغلها هذه أيضاً في اللعبة الانتخابية، لأن الدولة السورية سوف تتعاطى مع الدولة التركية بشأن كل الملفات التي أشرت إليها، بغض النظر عمن يحكم في أنقرة، فالتعاطي سيكون دولة مع دولة، وبموجب اتفاقيات معروفة ومعلنة وضامنة لاستمرارية علاقات حسن الجوار مستقبلاً، وبالتالي فإن قضية القمة السورية التركية لن تحل الملفات المعقدة بين البلدين قبل حسم طرق الحل بالمفاوضات والتسويات، إضافة لحسم الشعب التركي خياراته الانتخابية خلال الأشهر القادمة، وهو منطق مقبول على ما أعتقد بغض النظر عن السيناريوهات المحتملة ما بين بقاء اردوغان، كأفضل الأسوأ، أو مجيء المعارضة التركية للسلطة، وفي كل الأحوال هذا ليس شأناً سورياً.

2- محاولة البعض القول إن دمشق لم تعطِ اهتماماً لحزب «الشعب الجمهوري» وزعيمه كمال كيلتشدار أوغلو، وإنها فضلت التعاون مع زعيم حزب «وطن» دوغو بيرنتشيك، وهو حزب صغير لا يحظى بشعبية، وأيضاً هو حليف لأردوغان حالياً، وهذا الطرح بحاجة للكثير من التوضيح ليطلع الرأي العام السوري والعربي على الحقائق كما هي:

أ- قضية إيفاد فاروق لوغ أوغلو إلى دمشق ممثلاً لزعيم حزب الشعب الجمهوري عامي 2011- 2012 كانت فائدتها صفراً، لا بل إن لوغ أوغلو تحدث بلغتين إحداهما تُطرب في دمشق، والأخرى تُطرب في أنقرة، ولم نسمع تصريحات منهم تقف مع نضال الشعب السوري ضد الإرهاب الذي كان يُدفع به من الحدود التركية، لا بل إن المواقف المعلنة لزعيم الحزب لم تكن تختلف عن مواقف أردوغان أبداً، وكان يصف الرئيس الأسد بالنعوت نفسها، والصفات التي يطلقها أردوغان وحزبه الحاكم، ولنتخيل أن زعيماً لأكبر حزب معارض في تركيا لا يتجرأ على زيارة دمشق لأن أردوغان نعته بوصف طائفي!

هنا أذكر بأن العديد من القوى السياسية التركية زارت دمشق منها حزب «وطن»، وحزب «السعادة»، وشخصيات عسكرية سابقة وأكاديميون، وبالتالي لم تغلق دمشق بواباتها أمام أحد كما أفهم.

ب- إن حزب «وطن» الذي يُصنف على أنه حزب صغير لا قيمة له، حسب رأي البعض، وخاصة زعيمه دوغو بيرنتشيك، هو الحزب الوحيد الذي أعلن مواقفه جهاراً نهاراً دعماً لسورية ورئيسها وجيشها، وقامت محطة «أولوصال» التابعة للحزب في نيسان 2013 بإجراء مقابلة تلفزيونية مع الرئيس الأسد في عز الاشتباك مع أردوغان، وسألوه بكل حرية، وطرحوا أمامه الملفات كلها، وأجابهم بصراحته المعتادة، ودقته المعروفة، وآنذاك أحدثت تلك المقابلة ضجة هائلة في تركيا، حتى إن أحمد داوود أوغلو اتهم أصدقاءنا بأنهم يروجون لـ«القاتل» حسب تعبيره، وردوا عليه بالآتي: «لقد ذهبنا إلى دمشق لمقابلة الرئيس الأسد، ورد على أسئلتنا بكل حرية، فهل أنت مستعد للمجيء إلى محطتنا للرد على أسئلتنا بالطريقة نفسها، نتحداك أن تأتي!».

إضافة إلى أن بيرنتشيك زار سورية مرات عدة، والتقى بالرئيس الأسد، ويكن له كل الاحترام والتقدير، ومواقفه واضحة لا لبس فيها في دمشق وأنقرة، ومعركة سورية احتاجت دائماً لكلمة الحق، وفي هذا الزمن الرديء قلائل من نطقوا بكلمة الحق، وبيرنتشيك واحد من هؤلاء القلائل، واجبي أن أكتب عن هذا الأمر كي لا تضيع الحقائق، وأن يُعطى كل ذي حق حقه.

3- الغريب أن الذين عبّروا عن سعادتهم برفض دمشق للقمة السورية التركية هم واشنطن والمعارضة التركية ومن يسمون أنفسهم معارضة سورية وميليشيات «قسد»، والسؤال هنا ما الذي يجمع هذه الأطراف مع بعضها بعضاً، بالطبع كل لأسبابه ومصلحته، لكن علينا أن نرى قاسماً مشتركاً يجمع هذه الأطراف، بغض النظر عن الأسباب المنطقية لرفض دمشق عقد هذه القمة حسب المعلومات المسربة في وسائل الإعلام.

4- ما يجري الآن على صعيد المنطقة أن مشروع الإخوان المسلمين سيدفن لأنه لقي مقاومة شرسة من الشعب السوري، وشعوب المنطقة، والمطلوب الآن إعادة إنتاج ربيع علماني ديمقراطي بالطريقة نفسها التي أنتج فيها ما سمي بالربيع العربي، والمعارضة التركية هي الآن في حضن أميركي إنكليزي، وكبير مستشاريها الاقتصاديين جيرمي ريفكين من أتباع روكفلر، وعُيّن رسمياً بهذه الصفة، وبالتالي «إذا عُرف السبب بَطُلَ العجب».

القصة هنا أنه لا يجوز أن نُلدغ مرتين أو ثلاثاً من الجحر نفسه، ولا يجوز تكرار تجربة حزب العدالة والتنمية، مع حزب الشعب الجمهوري أو غيره، بل لابد من رؤية واضحة لمستقبل العلاقات مع تركيا تقوم على ما يلي:

• إن العلاقات بين الدولتين يجب أن تتم بين مؤسسات الدولة الرسمية بغض النظر عمن يحكم في أنقرة.

• لحماية أي علاقات لابد من لوبي اقتصادي، بمعنى أن أي مصالح اقتصادية مستقبلية يجب أن تمنح لأولئك الذين وقفوا مع سورية، أو مستعدين للدفاع عن العلاقات الثنائية، وهذا ما تفعله روسيا والصين وإيران، أي لا مصالح لأحد بالمجان.

• التركيز على البعد الثقافي والتاريخي واللغوي كأحد حوامل القوة الناعمة مستقبلاً.

• تكريم الأصدقاء الذين وقفوا مع سورية، ومنحهم مكانة تليق بمواقفهم، لأنهم وقفوا معنا في اللحظات الصعبة، وهذا نوع من الوفاء الذي ميزت سورية دائماً.

إن خلط الأشياء والمفاهيم في هذا الزمن أمر خطير، خاصة وأنه يضلل الرأي العام، ويبعده عن حقائق لا يعرفها دون الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك داخل تركيا، لأن هذا ليس شأننا، ولكن من الضروري الإيضاح للناس حقائق قد لا يعرفونها، منها مثلاً: إن حزب «الشعب الجمهوري» العلماني المعارض تقدم للبرلمان التركي بمذكرة لإدانة جمهورية الصين الشعبية وتعاملها مع قضية الأويغور، وإن الذي أسقطها هو حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، وحليفه القومي «الحركة القومية»! ماذا نفهم من هذا المثال، هل أن العلمانيين مع الأويغور المسلمين، والإسلاميين ضدهم! أبداً: القضية أن الولايات المتحدة استخدمت أدواتها الجديدة العلمانية لإدانة الصين وعارضات الأدوات القديمة المتأسلمة، لأن المصالح اختلفت، إذ ازداد التوجه شرقاً من قبل الحكومة الحالية نحو روسيا والصين… إلخ، وهو ما ترفضه واشنطن التي ليست حريصة على أي طرف إلا بمقدار ما يخدمها كأداة، ولا تقبل من أدواتها التمرد أبداً، وإنما تريدهم «غب الطلب».

نعم، لن نُخدع مرتين، ولابد لنا من شبك العلاقات مع من يحكم تركيا فعلاً، ومن تتحقق من خلاله المصالح الوطنية السورية بغض النظر عن لونه الإيديولوجي أو العقائدي، وفي الوقت نفسه لابد أن نكون مخلصين وأوفياء مع من كان معنا وفياً، وصادقاً في أصعب اللحظات، وأن نقول كلمة الحق ولو كانت صعبة في هذه الأيام.

 

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا تصدّقوهم

محمود عبد الحكيم   أناس يظهرون على الشاشات لترديد محفوظات وقوالب عن دعم الفلسطينيين، ويشيرون عادةً إلى ثبات وتاريخية موقف مصر هذا، متشنّجين برفض أي ...