حين يؤدي رسالته الأبوية

غصون سليمان:
ما أجمل الصدف حين تهدي اليك معرفة الآخر بشكل مختلف عن المألوف والمعتاد ،وما عبقرية الحدث إلا تلك الشمعة التي صبرت على الذوبان لتعيد قوامها من جديد لأن همها الضياء وإنارة الزوايا العابثة، فكم لنا من شموع احترقت لتقول لنا لم نحترق إلا لنضيء من جديد.
في عرفنا الاجتماعي وحسب ماجرت العادة في بناء الأسرة والتغني بأن التنشئة أن يكون الغزل والاهتمام منصبا على الأم المدرسة التي تهز السرير والعالم بكل لغاته اذا ماتم إعدادها بالشكل الصحيح.. فهي كانت وستبقى الأم المضحية والمربية ومدرسة المجتمع . وإذا ماوسٌعنا دائرة المشاهدة اليوم وخلال السنوات القاهرة من عمر الحرب المجنونة على بلدنا تستوقفنا الكثير من الصور لآباء سوريين كانوا هم المدرسة الحقيقية ايضا في التنشئة والرعاية والتربية،ربما تحملوا وزر الفراق والطلاق لظروف خاصة قاهرة أكانت بالرضا او بالتعسف ،إلا أن الرسالة النبيلة هي أن يبقى احد طرفي معادلة الشراكة الزوجية على قيد الوفاء والمحبة بعيدا عن المشاحنات والمناكفات التي لاتفضي إلا للهم والغم .
بطل قصتنا في هذه السطور هو الأب إياد فتيح عرسان، إنسان يعيش بيننا، هادىء الطبع،كريم النفس تحنو به الأبوة والأمومة على السواء ، حيث يرعى طفلين ذكرا وأنثى لسنوات ، تعهد أمام نفسه بعدما شاءت الأقدار أن ينفصل وزوجته عن بعض باتفاق وتفاهم ودي، ليجد نفسه أمام مسؤولية اجتماعية أخلاقية عاطفية تربوية، عليه اجتياز مراحلها بكل أمانة وتفان.
اياد فتيح عرسان والد الطفل المبدع على مستوى سورية “الحبيب “كان عمره حين انفصل عن زوجته ٤سنوات وأخته بعمر السنة .
عن هذه التجربة الأبوية وكيف يخوض غمارها على المستوى النفسي والتعليمي يقول عرسان في حديث معه ،أنه لا أحد ينكر حجم الأعباء الكبيرة التي تتحملها الزوجة بشكل عام فهي مفتاح السعادة والحياة والأسرة ،هكذا تربينا وعشنا في ظل امهاتنا اللواتي لم يكن معظمهن متعلمات إلا أنهن خرٌجنا اجيالا منتمية وقادرة على تحمل المسؤوليات،على عكس ما نراه اليوم من حالات طلاق عديدة بعضها لم يدم عدة شهور. فقد يلعب الأهل والمجتمع من حيث طريقة التفكير والتربية والثقافة والبيئة دورا ايجابيا أو سلبيا على السواء في استمرار أو قصر الشراكة الزوجية .
وعن علاقته بابنه الحبيب يؤكد عرسان أن علامات الذكاء والفراسة كانت بادية عليه منذ الصغر وبالتالي من الطبيعي أن يكون له اهتمام ورعاية خاصة فأخذ على عاتقه أمر التحدي وتحمل المسؤولية ، منح ابنه وابنته الحنان والحب والثقة لدرجة ان العلاقة باتت حميمية جدا بينهما.
تعهد الأب على نفسه ألا يتذكر أو يظهر اي شكوى أو تأفف فهو يقوم بكل أعباء المنزل من ترتيب وتنظيف وإعداد الطعام وتعليم الأبناء إلى جانب واجب العمل خارجا في مؤسسته العامة.
والأهم برأي الأب إياد فتيح أن تكون الصداقة هي التي تحكم طريقة التعامل بين الأب والأهل والأبناء،بحيث لايخوٌف الطفل ولاتشوه نظرته بأشياء لاطعم لها.بل يجب أن نمنح أطفالنا مزيدا من الأمان بعيدا عن الخوف والرعب ،أن ندعه يبوح بما يجول في داخله وخاطره من فرح وحزن لتفريغ مايزعجه من مشاعر ويضايقه من أحاسيس.
وأضاف من الضروري جدا ألا يتعامل الطفل انطلاقا من فكرة أنه لايستوعب أو لايفهم، بل يتوجب أن يعامل ككيان كبير عبر محاورته ولفت نظره إلى واقع الحياة، آدابها وشرورها، ففي داخل كل طفل شيء مميز يجب أن تعطى له الفرصة الكافية ليعبر عن نفسه.
وهذا ما يفعله مع ابنه الحبيب الذي يشارك والده في الكثير من الخيارات.
لعل تفوق الحبيب ابن الصف الرابع الذي ترفع اليه استثناء من وزارة التربية قد عوض الأب كل ذاك التعب والوجع فهو أول من اكتشف قدرات ابنه الذهنية في الرياضيات واهتمامه بعلم الفلك وهو اليوم يعتبر أصغر طفل سوري يحصل على شهادة الicdl لقيادة الحاسوب خلال شهر ضمن دورة مدتها ثلاثة أشهر باعتراف وتقدير الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية .
كما قدم الحبيب مؤخرا إلى مديرية تربية درعا برنامجا حاسوبيا من تصميمه وإبداعه لأتمتة عمل المدارس وتسهيل عمل بيانات الطلبة والتلاميذ.
وتقديرا لهذا الابداع التقاه السيد وزير التربية الدكتور دارم طباع بمكتبه في الثاني من الشهر الحالي مستمعا منه إلى رغباته وهواياته. وأكد الوزير طباع حرص الوزارة على تقديم كل الدعم والمساعدة لكل المتفوقين والمبدعين من أطفالنا وطلابنا ومنهم الحبيب.
وعن النصيحة التي يتمناها من الأمهات هو أن يعترفن بتعب أزواجهن، فإذا كانت المرأة مفتاح السعادة فالزوج هو بيت السعادة وصانعها ،ومؤسسة الزواج تعمر وتبنى بالمحبة والحنان والوعي والاحترام .
اخيرا يمكن القول اذا كانت الأم مدرسة فالأب هو الجامعة الإدراكية لكل تفاصيل الحياة ..أدام الله السعادة للجميع أحبابا وأسرا وأصدقاء.

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة