آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » رحمانيون نعم.. ويائسون

رحمانيون نعم.. ويائسون

فراس القاضي

لا أعرف الجهة التي أقامت ندوة «تعزيز ثقافة الشكوى» بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، ولا أريد أن أبدو بموقع المهاجم لها، أو المهاجم لثقافة وحق الشكوى التي يضمنها الدستور ويفرضها المنطق، فهي بالنهاية حاولت إلقاء حجر في مياه راكدة، لكنني أعرف أنها نقاشٌ في النتائج، ونقاش النتائج لا يؤدي إلا إلى تكرار ما أوصلنا إلى الشكوى في المرة الأولى، أما المفيد الحقيقي، والذي يبتعد الجميع عن نقاشه لأسباب كثيرة بعضها مبرر وبعضها لا، فهو نقاش الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج.

 

لكن، سنقبل بها، ونعتبر موافقة الجهات المعنية على عقدها من باب «النغاشة» الحكومية، كما قبلنا قبلها نكتة المتممات الغذائية في الخبز، وأن رفع تعرفة الاتصالات سيؤدي إلى رفع جودة الخدمة، وأن الهدف من قانون البيوع العقارية تنظيم عمليات البيع والشراء فقط، والكثير من النكات.

 

أما في الحقيقة، فعلى مَن يريدون الناس أن يقدموا شكاواهم؟ على صاحب بقالية سقف الغش لديه زيادة مئتي أو ثلاثمئة ليرة؟ أم على طفل يبيع الخبز على باب الفرن؟ أم على شرطي مرور يقبل بمبلغ معين ليتغاضى عن مخالفة؟

 

وماذا عن المستورد الذي قد يربح مئات الأضعاف؟ هل نستطيع تقديم شكوى بحقه؟ وقبل تقديم الشكوى، هل نعرفه أساساً؟ هل نعرف آلية تقديم الشكوى ضده؟

 

ماذا عن تاجر الحلقة الوسيطة بين المستورِد وبائع المفرق الذي يسرقنا جهاراً نهاراً؟ كيف نعرفه ونتقدم بشكوى ضده؟ إذاً، هل المطلوب تقديم الشكوى بحق الحلقة الأضعف؟

 

هنا نأتي إلى ما قاله وزير الزراعة خلال الندوة، بأن «المجتمع السوري رحماني لا يشتكي على المخالفات نتيجة العلاقات الحميمية بين الناس لكن الجميع يشتكون على الدولة»، لنضيف بأن المجتمع السوري رحماني صحيح، لكن لا علاقة لرحمانيته بموضوع عدم التقدم بالشكاوى، فهذا موضوع آخر سببه أن المجتمع السوري يعرف أن لا طائل من هذه الشكاوى، ولا طائل من الانتقام من الحلقة الأضعف، ما دام المذنب الأساسي مخفياً ولا يمكن الوصول إليه.

 

أما الشق الثاني من حديث السيد الوزير، بأن الجميع يشتكي على الدولة، فهذه هي الشكوى الوحيدة المنطقية، لأن غياب التخطيط الصحيح والمدروس وغياب الرقابة الفعلية هو ما أوصل الناس للشكوى.

 

أمر آخر، على من يشجع ثقافة الشكوى أن يكون قد أعد خطة مسبقة لتأمين البدائل، بمعنى أنه فلنفرض أننا عرفنا مستورد سلعة ما، وتقدم الشعب السوري بأكمله بشكوى ضده، واستجابت الحكومة وحرمته من استيرادها، كيف سنحصل على السلعة؟ وخاصة أننا نعرف أنه بإمكاننا إحصاء عدد المستوردين على أصابع يد واحدة؟ هذه أمور ما عادت سراً على أحد، لذا يَعدّ السوري للألف قبل أن يشتكي، وهذا الكلام لا يعني أبداً أننا ننكر الكثير من حالات الاستجابة الفورية للشكاوى، وخاصة في وزارة التجارة الداخلية، لكن الأمر أكبر بكثير من تشميع محل أو كتابة ضبط، والجميع يعرف ذلك.

 

لكن طالما كما يقال (صارت وصارت) وطالما الصدور تتسع للشكوى، فلدي مجموعة من الشكاوى سأضعها هنا أمام الجميع:

 

شكوى على وزارة المالية لأن وسطي راتب الموظف لا يتجاوز 120 ألف ليرة واحتياجاته الشهرية تحتاج بحسب أقل إحصاء أكثر من مليون ونصف مليون ليرة.

 

شكوى على وزارة التربية لأن أولادي لم يحصلوا على كتب جديدة.

 

شكوى على وزارتي النفط والاقتصاد لأنهما لا يتعاونان أبداً مع الصحفيين، ويحرمونهم حقهم بالحصول على المعلومة.

 

شكاوى على وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أولها أن حماية المستهلك ليست أكثر من إكسسوار، ولأن سعر (صحن البيض) وصل اليوم إلى 17 ألف ليرة، وليس بإمكان المواطن حرمان أولاده فوائد هذه المادة بشكل نهائي إلا إن كان بإمكانه هو أن يبيض. شكوى أخرى لأنني أسكن في إحدى ضواحي دمشق التي يتصف التسعير فيها بالكيفي ويختلف بين محل وآخر ولا رقابة حقيقية عليها.

شكوى على وزارة الاتصالات لأن برنامج تخديم الزبائن الذي اعتمدته منذ حوالي السنتين بطيء ويضاعف مدة الانتظار خلال الدفع.

 

شكوى ضد وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لأنها تتعامل مع ملف المتسولين الذين أصبحوا بعشرات الآلاف كما كانت تتعامل معه عندما كانوا بالمئات.

 

شكوى على وزارتي الإعلام والثقافة لأنهما لا تلاحقان مُشوهي التراث لإيقافهم عن هذه الكارثة التي من شأنها تضييع هوية مناطق بأكملها وتمييعها.

 

لدي آلاف الشكاوى الأخرى، لكنني سأمتنع عن تقديمها لسبب آخر، وليس بالطبع لأنني رحماني.

 

سيرياهوم نيوز 1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدقة من اموال الموازنة .. ؟!

  سلمان عيسى مثل كل موسم، تركب الحكومة رأسها وتقسم انها لن تحرك سعر شراء القمح مليما واحدا فقد اقرت بحضور معظم أعضائها سعر الشراء ...