الرئيسية » كتاب وآراء » رسالةٌ مع بدءِ حملات الترشُّح للرئاسة السورية

رسالةٌ مع بدءِ حملات الترشُّح للرئاسة السورية

د. عبد الحميد فجر سلوم

**

لا يسمحُ لنا دمُنا الوطني الحامي، وغيرتنُا اللّامتناهيةِ على الوطن والشعب، والتصاقُنا بترابِ هذه الأرض، التصاق الجنين بِرحمِ أمّهِ، أن نبقى مُتفرِّجين لا ننبسُ بكلمةٍ للتنبيهِ والتحذيرِ مِمّا يتربّصُ بسورية ووحدة أراضيها وشعبها ومستقبلها، وما يسودُ بين أبنائها من يأسٍ وإحباطٍ من الغلاء المُتزايد كل يوم والأسعار( أسعار التموين الرسمية) التي تفوق ألف مرّة مقدرة المواطن الفقير وعموم الناس..

فسنبقى نُنبِّه ونُلفِتُ الأنظار( وخاصّة أننا تربّينا وتعوّدنا على الكلمة الجريئة والمسؤولة مُذ الانتساب للحزب في المرحلة الثانوية 1968 ــ 1969) وحتى لو قيلَ في التعليقات ألفُ مرة: على مَن تقرأ مزاميرك يا داوود؟. وألفُ مرّة: أسمعتَ لو ناديتَ حيّا..إلى آخر هذه المعاني..

نُدركُ أنّ المصالحُ الخاصّة علَتْ فوق كل المصالح، والعموم وصلوا إلى قناعةٍ سلبيةٍ أنّه لا أحدا يردُّ على أحدٍ، أو يكترثُ بأحدٍ، وتداخلتْ الأمور والأوضاع، ولم تعُد تُميَّزُ الأشياء، بعد أن صارَ البشرُ هُمُ الأشياء.. والفقرُ طغى حتى صارَ مُجتمعيا، بينما الأرباحُ والمكاسبُ أصبحت ذاتُ خصوصيةٍ مُعيّنة..

**

ولكنَّي هنا أوجِّهُ تحية قلبية خالصة إلى الصديق والرفيق (..) الوطني بامتياز، والغيورُ والشهمُ والوفي، وصاحبُ الكلمة والمبدأ والموقف، المُفكِّر والبروفسور، الذي قال لي ذات مرّة: إنّ الأجراس يجبُ أن تُقرَع حتى لو لم يكُن هناك مُصلِّين.. وها أنا سأعيدُ قرع الأجراس، إذ لا بُدّ أنّ صداها سيصلُ إلى الأسماع، حتى لو كان رنينها لا يجلبُهم للصلاة..

**

تحدياتٌ كبيرةٌ جدا تنتظرُ سورية في المرحلة القادمة، ولا بُدّ أنّ مُرشّحي الرئاسة لديهم مشاريع وتصورات كاملة على كيفية مواجهتها ومعالجتها، وياليتهم يُلوِّحون بها ولو تلويحا خلال حملاتهم الانتخابية كي نشعُر ببعض الاطمئنان وإلى أين نحنُ ماضون.. فإخفاقهم أو نجاحهم، في مواجهةِ تلك التحديات، تتوقّفُ عليهِ مُستقبلَ سورية، ووحدة أراضيها أو تفتيتها، وهي:

أولا: تحدِّي التواجُد الأجنبي، والتفتُّت القائم، وكيفية مواجهة ذلك، واستعادة سيادة الدولة على كل أراضي سورية.. وسأتحدّث بالأرقام:

مساحة سورية هي 185,180 ألف كم2…. مساحة الأراضي الخارجة عن سيادة الدولة هي:

آ ـ الأراضي التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية وتُقدّر بثُلث مساحة سورية( حسب محركات البحث) أي أكثر من 60,000 ألف كم2 .. وفيها غالبية الثروات الوطنية..

ب ـ الأراضي التي تحتلها تركيا وتقدر بـ 8835 ألف كم2 .

ج ـ محافظة إدلب، وهذه تقدر مساحتها بـ 7700 كم2 .. بعض الأراضي استُعيدت ولكن غير معروف مساحتها..

د ـ هذا إضافة إلى 1250 كم2 تحتلها إسرائيل من الجولان.. ومساحة القواعد الأمريكية في سورية..

إذا جمَعنا هذه الأرقام 60000 + 8835 + 7700 + 1250 ، يُصبِح المجموع 77,785 ألف كم2 ..

وإن طرحناها من المساحة الإجمالية لسورية فيبقى تحت سيادة الدولة 107,395 ألف كم2 ..

هذه كلها بالأرقام المُدوّنة في مُحركات البحث..

إذا طال هذا الوضع طويلا فسوف يترسّخ هذا التفتيت وسنجد أنفسنا بحكم الأمر الواقع المفروض، أمام سورية جديدة بمساحة 107,395 ألف كم2 .. وكلما طال الزمن، كلما تكيّفنا مع هذا الوضع، كما نتكيّف مع كل الأمور الأخرى..

إذا هذا هو التحدّي الأول، فكيفَ ستتمُّ مواجهتهُ!!..

**

بل الأمر الخطير هو صعودُ أصواتٍ خارجية تقول أن الجمود هو الخيار الأقلُّ سوءا في سورية.. وكانَ هذا مؤخّرا عنوانُ مقالٍ لِدبلوماسي أمريكي سابق وبارز، يعمل حاليا باحثا في معهد واشنطن..

ولا ننسى في هذا الإطار التحذير الذي أطلقهُ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 1/3/2021 خلال منتدى فالداي، مِن أن الحفاظ على الوضع الراهن في سورية محفوف بانهيار البلاد.. واعتبرَ الوضع الحالي في سورية مُجمّدا.. ولافروف يعي ما يقول..

وكذلك ما جاء في كلمة المبعوث الأممي ( غِيربيدرسون) في بيانهِ أمام مجلس الأمن الدولي يوم 15/3/2021 حينما قال: ( أن النزاع في سورية نزاعٌ دوليٌ.. وأن الحل في أيدي الفاعلين الدوليين وليس بالضرورة بأيدي السوريين وحدهم.. وأكّدَ أنه لا بُدّ وأن بعض السوريين يشعرون أحيانا أنهم عالقون في نزاعٍ دوليٍ لا نهاية لهُ)..

إنها مشكلةٌ خطيرةٌ جدا أن لا تكون هناك نهاية لهذا النزاع.. يعني أنّ سورية التي ورثناها بعد سايكس بيكو، لن تعُد كذلك.. وأنّ المُفتّتْ أصلا سوف يتفتّتْ أكثر..

**

ثانيا: تحدِّي نقلْ سورية من مرحلةٍ أشبهُ بِمرحلةِ ما قبل الدولة( حسب توصيفات علماء الاجتماع) وما يتخللها من محاصصات دينية وطائفية ومذهبية وعشائرية، ومناطقية، وعِرقية، ومحسوبيات وواسطات ومُحاباةٍ للقرابات والمصالح الخاصة، وفساد، واستغلال للسُلطة والمنصب والنفوذ، وغيابٌ للقانون والعدالة وتكافؤ الفُرص، وثقافة مزارِع وإقطاعيات، إلى مرحلةِ الدولة العصرية الحضارية الحديثة بكل معانيها السياسية والقانونية والإنسانية والأخلاقية، وما يعنيهِ ذلك من حرية تعبير واحترام كامل للدستور في كافةِ فصولهِ وموادِّهِ ، وحقوق الإنسان، وقضاء مُستقل وتطبيق صارم للقانون فوق الجميع ومهما كانوا، وعدالة وتكافؤ فُرص.. وانتخابات لِأعضاء البرلمان وقيادات النقابات والاتحادات والمنظمات، بكلِّ حريةٍ، ودون أي تدخلات من أية جهات بالدولة، ودون قوائمٍ مُعدَّةِ سلفا، وناجحةٍ سلفا..

**

ثالثا: تحدي الحل السياسي الذي يُعيد تصحيح الأوضاع وعودة المياه إلى مجاريها، وعودة اللاجئين والنازحين.. وإزالةُ هذه الحواجز الشائكة، والكراهية والأضغان التي لا يمكننا نكرانها بين السوريين.. فهذه لا تُزالُ بالدعوات الطيبة، والنوايا الحسَنة.. تحتاجُ إلى حلٍّ شاملٍ وكاملٍ..

**

رابعا: تحدي الجوع والفقر والبطالة.. وحل مشاكل الرواتب والأجور والمعاشات الشهرية التي لا تكفي الموظف والعامل لشراء طقم ثياب لطفلٍ في العيد.. فأكبر وأخطر وباء في سورية اليوم هو وباء الفقر.. غير معقول أن يستمر هذا الجوعُ والبؤس والحرمان، أكثر من ذلك.. كيفَ سيُواجَه؟.

رابعا: تحدّي مواجهة معاناة الغاز والبنزين والمازوت والكهرباء والماء والخبز.. الخ..

خامسا: تحدِّي النهوض بالزراعة للاعتماد على الذات في توفير لقمة العيش والأمن الغذائي.. فكثيرٌ من الزراعات يبِسَتْ هذا العام، إما بسبب العطش، أو بسبب المرض وعدم المقدرة على شراء الدواء الباهظ الثمن..

مسؤولي الدولة شجعوا بالخطابات والتصريحات على الزراعة، ولكن الدولة لم توفِّر للمُزارِع أدنى حدود الدعم المطلوب لذلك..

**

سادسا: تحدِّي إعادة النظر في كل بنيوية الدولة، وآلية اتخاذ القرار.. وآلية الاختيار للمناصب ومدة البقاء بها، ودَورُ النُخب المُثقّفة، وإعطاء الدور الأول للقطاع المدني بالدولة..

**

سابعا: تحدِّي امتلاك الدولة لثرواتها الوطنية( نفط، غاز، فوسفات) واستغلال عائداتها للتنمية وتحسين حياة المواطن.. وإن مُنِحت لشركات أجنبية، فما هي حصةُ الدولة بالأرقام في كلّ عامٍ من ذلك؟..

عدا عن العائدات التي يجب أن ترفد ميزانية الدولة من تأجير المنشآت الاقتصادية، كما المرافئ، فتأجيرها يجب أن يعود على الدولة بمليارات الدولارات كل عام.. وكذلك كل قاعدة عسكرية تُقامُ بالاتفاق مع الدولة، يجب أن تجلُبَ أيضا مليارات الدولارات كل عام، من عقود التأجير.. كما يحصلُ في بلدانٍ عديدة..

**

الدول مصالح، وليست منظمات خيرية، ولا ننسى كلمات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مقابلته مع برنامج (موسكو- الكرملين- بوتين) الذي بثّته قناة روسيا-1 يوم الأحد 11 تشرين أول 2020 ، حينما قال بوضوح: (هناك في السياسة الكبيرة مصالح الدولة والشعب التي يمثلها شخصٌ يقوم بالنشاطات السياسية.. مُشيرا إلى أن الصداقة شيء لا مكان له في عالم السياسة الكبيرة ).. فهل أوضحُ من هذا الكلام؟..

مُشكِلةٌ أن تتغنّى بصداقةِ أية دولةٍ، بينما هي تقول لك بوضوح، نحنُ لا تربطنا الصداقة، وإنما المصالح، وأنتَ تُصِرُّ على استمرار التغني بالصداقة.. أكبر مسؤولين بالدولة أوضحوا في تصريحات سابقة أن روسيا لها مصالح وهي تبحثُ عن مصالحها في سورية (وهذا ينطبق على الجميع)..

إذا مُفردات الصداقة والأخوة، وغير ذلك، التي تصلحُ بين الأفراد، لا تصلحُ للاستخدام للعلاقات بين الدول، لأن استمرار هذه مرهون باستمرار المصالح.. تنتهي المصالح بين الدول تنتهي العلاقات..

**

إنها جميعا تحديات كبيرة ستواجهُ صاحب الحظ في مقعد الرئاسة للمرحلة القادمة.. فكيف سيكون العلاج؟. يا ليتنا نسمع شيئا عن ذلك في مرحلة الدعاية الانتخابية..

أعتقدُ كل سوري يتطلّع لأن يعرِف شيئا عن كل ذلك.. وكم سيكونُ رائعا لو يتمُّ ذلك من خلال مناظرةٍ على التلفزيون، كتجرُبةٍ جديدةٍ في إطار التنافُس الديمقراطي، ويظهرُ فيها مدى التواضُع والقُربِ من الشعب والتفاعل معهُ، كما حصلَ في تونس مثلا، حتى لا نقول غيرها.. وإن تعذّر ذلك، فلتكُن بيانات تلامسُ كل الهموم..

**

واللهُ وليُّ التوفيق الذي ننشدهُ دوما لسورية، التي عاش فيها آباؤنا وأجدادنا جيلا بعد جيلٍ، وسيعيشُ فيها أولادنا وأحفادنا، جيلا بعد جيلٍ.. وأبَينا أن نغادرها في أقسى وأصعب وأخطر أيام الشدّة.. بل كُنّا في الخارج وعُدنا إليها، لنشتري خبزنا وحاجياتنا من بين القذائف والصواريخ التي طالما احتميتُ منها في المحلات التجارية بحي المزّة وأنا اشتري حاجيات البيت، وأصواتها تئزُّ في السماء باتجاه أهدافها هنا وهناك، وخاصة حي الـ 86 .. وكم من مرّةٍ ذهبت لإعطاء دروسي بالجامعة الخاصة التي كنتُ أدرِّس بها، وأرى أقل من ربع عدد الطلاب، لأن البقية منعتهم القذائف من الخروج من منازلهم..

سورية تستحق لِنعمل الكثير من أجلها.. وشعبها يستحق أن يُحتَرم ويتمتع بكلِّ ما يُوفِّرُ هذا الاحترام..

كاتب سوري ووزير مفوض دبلوماسي سابق

سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أجل… اخترقنا “إسرائيل” استخباراتياً

  نبيه البرجي   عملية “عرب العرامشة” أثارت، بدقة التخطيط وبدقة التنفيذ، تساؤلي اذا كان حزب الله قد اخترق “اسرائيل” استخباراتياً. الاجابة من مسؤول بارز ...