آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » سيناريو الـ 75 من جديد؟

سيناريو الـ 75 من جديد؟

| محمد علي فقيه

لم يمض يوم في تاريخ لبنان الكبير منذ تأسيسه لم يتأثر فيه بمجريات الأحداث الدولية، سياسية كانت أو عسكرية، وثمة أحداث مهمة كثيرة تجري اليوم على الساحة الدولية، أهمها العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا بمختلف تسمياتها، والتي لها دور كبير في تغيير قواعد السياسة والعلاقات الدولية، ولا سيما في منطقتنا عموماً وفي لبنان خصوصاً. في الوقت عينه، تجري في لبنان المأزوم انتخابات نيابية، الاستحقاق الأبرز في العملية السياسية الديموقراطية اللبنانية، أقل ما يقال عنها بأنّها شرسة، بين مشروعين، أحدهما ينفذ أجندة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، وآخر يقاوم رغباتها ومشاريعها. ما تأثير العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا على لبنان؟ هو السؤال الذي نتوخّى الإجابة عليه.

الولايات المتحدة وحلفاؤها
ليس من المبالغة القول بأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قد بدّلت الواقع على الساحة الدولية بشكل مفصلي، وانتقلت بنا إلى عالم لا يشبه ما قبلها. اللافت للانتباه هنا هو اتجاه الولايات المتحدة الواضح نحو مواجهة طويلة الأمد مع روسيا تفضي إلى القضاء على قدراتها العسكرية وتقليص دورها إلى دولة أوروبية عادية، وبالتالي إفقادها أي فعالية في تغيير وجه أوروبا مجدداً، وهذا يظهر جلياً في تصريحات الوسائل الإعلامية الغربية منذ بدء العملية، وأيضاً في استنفاد الغرب وحلف «الناتو» الذي تقوده الولايات المتحدة وسائله كافة للحشد ضد روسيا وإطباق الحصار عليها وإدانتها وشيطنتها.

إن غاية كهذه لدى الولايات المتحدة لا بد لها من وسيلة موازية لها لتحقيقها، هذه الوسيلة لا تقتصر على تحشيد الحلفاء في أوروبا فقط، بل تتعدى ذلك نحو استنفار حلفائها أينما وُجدوا في القارات السبع وحثهم على الانخراط المباشر في الحرب ضد روسيا، ولا سيما أولئك المتردّدين بحجة الحفاظ على استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي والأمني. لذا لا بد للولايات المتحدة من تغيير قواعدها الضابطة لعلاقاتها الدولية والسياسية مع حلفائها.

أميركا والسعودية
اتخذت العلاقة بين الإدارتين مذ تسلّم بايدن رئاسة الولايات المتحدة شكلاً يشبه الشرطة وطريد العدالة، فكان تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية بمثابة توبيخ لابن سلمان، واستقباله الخالي من الحفاوة كناية عن عدم الرضى عن سياساته. أمّا اليوم، فمقتضيات المواجهة مع روسيا تفرض على الإدارة الأميركية البراغماتية إعادة النظر في شكل العلاقة مع ابن سلمان، فحين طلب الأميركيون منه زيادة الإنتاج النفطي للتعويض عن النقص في السوق العالمية إبان فرضهم العقوبات على روسيا، تجاهل ابن سلمان طلب أميركا، واعتبره رداً على سياسة الولايات المتحدة تجاهه. وما زيارة بايدن المقررة إلى المنطقة إلا خطوة تصب في مصلحة «تقويم» العلاقات مع السعودية ودول الخليج بما يخدم حربها المفتوحة ضد روسيا.


أميركا وإسرائيل
تضغط الولايات المتحدة أيضاً على حليفتها الأولى في المنطقة للانخراط في الحرب ضد روسيا وتكريس إمكاناتها وخبراتها العسكرية والاستخبارية والأمنية في صالح أوكرانيا، أمّا بالنسبة إلى القيادة الإسرائيلية فتجد نفسها محرجة – في غير عادة – في تلبية رغبة الولايات المتحدة، فهي تعلم جيداً أن أي استفزاز لروسيا على الجبهة مع أوكرانيا سيقابله رد روسي بإرخاء القيود الموضوعة على سوريا وحلفائها وبالتحديد على حقهم في الرد على أي اعتداء إسرائيلي عليهم، وعندما نتحدث عن حلفاء سوريا نعني بذلك: إيران وحزب الله والفصائل الفلسطينية المقاومة والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله في اليمن، بالتالي نتحدث عن جبهات متعددة مفتوحة على إسرائيل، تتنوع بين جبهة شمالية على الحدود مع لبنان وسوريا، وجبهة جنوبية مع قطاع غزة، وأخرى في الوسط مع الضفة الغربية، ما يضع الكيان في خطر وجودي حقيقي وجدّي. في حين يجزم البعض بأن أميركا قد نجحت فعلاً في زجّ إسرائيل ميدانياً في الحرب ضد روسيا على جانب القوات الأوكرانية. نتجه في مطالعتنا هذه إلى التريث في القطع، مع إبقاء ما سلف كاحتمال جدي وراهن لا بد من أخذه في الحسبان.

يلتفت بعض المؤرّخين النبهاء إلى واقع أن الحرب الأهلية اللبنانية عام 75 تعود بأسبابها إلى نتائج انتخابات عام 1968 التي أضعفت النهج الشهابي

بالإضافة إلى ما سلف، فإن نتائج الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران التي كان من الممكن المراهنة عليها لإيجاد قواعد جديدة تميل أكثر إلى تهدئة الصراع في المنطقة قد ضَؤلت بشكل ملحوظ، خصوصاً أن الإدارة الأميركية باتت تدرك أن إيران قد بلغت العتبة التي لا يمكن العودة عنها بنسبة تخصيب 90% لليورانيوم، بالتالي لم تعد ترى الإدارة أي فائدة تقنية من إبرام الاتفاق الجديد، أمّا جدواه السياسية، فقد تلاشت أيضاً بالنسبة إلى الغرب الذي يدرك بأن القوى الحاكمة في الجمهورية الإسلامية لم يعد يعنيها الاتجاه غرباً ومدّ علاقات معه، بل إنها بدأت فعلاً بالاتجاه شرقاً نحو الصين وروسيا، حتى إن تصريحاً لأحد المسؤولين الإيرانيين جاء فيه أن إيران مستعدّة لتعويض أي نقص دوائي في روسيا.
مع تلاشي جدوى الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران يصبح التقارب الأميركي الإسرائيلي أكثر تحققاً، بعد أن اتّسم الموقف الأميركي بالتحفظ على المواجهة الإسرائيلية لإيران، وقد يكون هذا التحفظ قد انتهى إذا ما ربطناه بتصريح قائد القوات الأميركية في المنطقة الذي قال بأن أولوية قواته هي التحضّر لحرب مقبلة مع إيران.

«القوات» ترغب في الحرب
ليس من شك في أن الجبهة الشمالية للكيان الإسرائيلي هي المكان الأكثر خطورة وضراوة في المواجهة المحتملة القادمة، وبالحديث عن تلك الجبهة نكون قد وصلنا في مطالعتنا إلى لبنان.

لم تكن الولايات المتحدة في وقت من الأوقات متحمّسة للرغبة السعودية والإسرائيلية في إيقاد حرب أهلية في لبنان من شأنها توريط حزب الله وإشغاله عن اهتماماته الأخرى، ولا سيما تفرغه لمواجهة العدو الإسرائيلي. ولكن اليوم، فيما لو أخذنا في الحسبان النهج الجديد للإدارة الأميركية في سياستها مع السعودية وإسرائيل، تبدو فكرة إشعال حرب أهلية في لبنان لضرب حزب الله أكثر احتمالاً، يدعمها واقع انكفاء الدور الفرنسي الذي كان يميل عادة نحو استخدام أساليب أكثر «ديبلوماسية» لمقاربة الشأن اللبناني لأسباب شتى لن نتطرق إليها.
لطالما رغبت السعودية بعد حربها على اليمن في تجييش الأفرقاء السياسيين في لبنان لمواجهة حزب الله وصولاً إلى الحرب المباشرة معه، أي إشعال حرب أهلية تشتت قواه وتضعفه، وتجلّت تلك الرغبة بما حصل مع الرئيس سعد الحريري، الذي رفض تلبية أوامر ابن سلمان، وهو يعلم أن أي مواجهة عسكرية مع حزب الله ستكون نتيجتها هزيمة نكراء على غرار ما حصل في 7 أيار 2008، وهو الرفض الذي يدفع الحريري ثمنه اليوم، إذ قام ابن سلمان باستئصاله من الحياة السياسية واغتياله وتياره سياسياً أيضاً.
أمّا الذي أبدى حماسة لا نظير لها لتلبية رغبة طويل العمر فهو رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي فاتح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي آنذاك وليد جنبلاط بتفاصيل تلك الحرب الأهلية، ليقوم بعدها وليد جنبلاط بإيصال تلك الرسالة إلى حزب الله عبر دعوته لأحد الصحافيين الأساسيين ونقله تلك التفاصيل إليه مع علمه المسبق بأن تلك التفاصيل ستصل إلى قيادة حزب الله. ولكنّ المثير للاستغراب اليوم هو أن من يرى حماسة القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع وبعض الأحزاب المسيحية الهامشية كحزب الكتائب (أو ما تبقّى منه)، سيظن بأن «القوات» لم تخسر معركة أو أن ريتشارد قلب الأسد قد بُعث من جديد بهيئة سمير جعجع! أضف إلى ذلك اللغة التمجيدية والانتصارية التي استخدمتها القوات بعد أحداث الطيونة وكأنّ مواجهة عسكرية فعلية مع حزب الله قد وقعت، وهو بالطبع ما لم يحصل! لكن على أي حال، تبقى هذه الحماسة واللغة العدائية تجاه حزب الله دليلاً على رغبة ونية القوات اللبنانية بفتح مواجهة عسكرية داخلية معه. ويجب ألا يخفى على القارئ الغطاء الذي تعطيه البطريركية المارونية لخطاب «القوات» الذي يعيدنا بالذاكرة إلى الحرب الأهلية عام 1975، حينها أخذت الجبهة اللبنانية على عاتقها إطلاق مواجهة عسكرية ضد الفصائل الفلسطينية المقاومة في لبنان كجزء من الإجراء الأميركي لإضعاف المقاومة الفلسطينية وترحليها عن لبنان بعد ضربها في الأردن عام 1970، ثم اغتيال قادتها عام 1973، وصولاً إلى الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 لإنهاء أي قدرة على مقاومة إسرائيل من الأراضي اللبنانية. المشكلة هي أن البطريركية المارونية تغفل أو تكسل عن إجراء مراجعة لنتائج حرب الـ 75 التي أفضت إلى تدمير الموقع المسيحي في النظام السياسي اللبناني من خلال التعديلات الواسعة التي أدخلها نظام الطائف على الدستور اللبناني. فبكركي إذاً، وبتأمينها الغطاء للقوات اللبنانية، تضع المسيحيين في عربة يقودها متهوّر مغامر وجهته الانتحار حتماً.


فوز «القوات» بالانتخابات بداية
يلتفت بعض المؤرّخين النبهاء إلى واقع أن الحرب الأهلية اللبنانية عام 75 تعود بأسبابها إلى نتائج انتخابات عام 1968 التي أضعفت النهج الشهابي الذي كان حريصاً على لبنان وموقعه العروبي عبر تحالفه مع مصر عبد الناصر كقوة عربية وازنة وفاعلة، وأعطت للجبهة اللبنانية دفعاً نحو تحقيق رغبتها في مقاتلة الفصائل الفلسطينية تماهياً مع المشروع الأميركي آنذاك. من هنا كانت عقيدة التيار الوطني الحر صحيحة في أن مصلحة المسيحيين في لبنان لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال السعي نحو تفاهمات سياسية أو خصومات محصورة في مجال السياسة، وقد دفع قادة التيار الوطني الحر ثمناً لنضجهم هذا وصل إلى حدّ وضع بعضهم على لائحة العقوبات.
لذلك، وبعد ما استعرضناه أعلاه، نستنتج بأن فوز «القوات» وحلفائها المسيحيين بمقاعد نيابية جديدة على حساب «التيار» يعني أن الحرب الأهلية قد بدأت، ويبقى أن انتقالها إلى مسرح الشوارع والزواريب والمتاريس مسألة وقت وأحداث.

سيرياهوم نيوز 3 – الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“العم سام”.. الرقصة الأخيرة….

    باسل الخطيب   7/2/2022 كان يوماً مفصلياً في تاريخ الولايات المتحدة، حيث وقع الرئيس بايدن قانوناً يحد من حيازة الأسلحة النارية للأفراد… قبل ...