آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » صدقاً …أخجل أن أكتب..!!

صدقاً …أخجل أن أكتب..!!

خير الله علي

إذا كانت الكتابة الأدبية (شيء مصيري وشخصي تماماً) كما يقول الشاعر والناشِر العراقي خالد المعالي، فإن الكتابة في الشأن العام، أي ما يمس حياة الناس بشكل يومي من قضايا اجتماعية وهموم اقتصادية راهنة، وخدمات وغيرها، واجب على كل من يمتشق قلما، وهي في أقل الأحوال، إن لم تكن صرخة، فإنها نداء متواصل موجه لأصحاب المعالي، أولي الأمر لمعالجة تلك القضايا، وإزاحة تلك الهموم عن كواهل الناس، وتأمين تلك الخدمات لعموم المواطنين على حد سواء. ولكن عندما تصبح كتاباتنا (مسامير تكاد تُدَقّ بالفراغ) على حد قول الشاعر أسعد الجبوري، حيث في الطرف الآخر أشخاص لديهم آذان من طين والأخرى من عجين، لا يسمعون إلا أصواتهم هم، ولا يهتمون إلا بمصالحهم هم، فلا يبالون بمعاناة الناس حينا، ولا يملكون المبادرات الفعالة لإنهائها حينا آخر، ويراكمون الفشل وراء الفشل في إدارة هذه الأزمة. حينئذ، صدقا…..أخجل أن أستمر في الكتابة. حين أرى الموظف يواظب على دوامه براتب لا يغطي أجور تنقله. حين أراه يذوق الأمرّين للوصول إل مكان عمله، وحين يقضي هذا الموظف نهاره وشطرا من ليله باحثا عن عمل إضافي هنا، وفرصة هناك كي يحافظ على أدنى مقومات الحياة والكرامة له ولأسرته، أو حين يتجاهل مرضه وألمه لأنه لا يملك أجور زيارة الطبيب أو ثمن الأدوية. صدقا…حينئذ أخجل من الكتابة. حين أشاهد طوابير الشباب على أبواب الهجرة والجوازات يفرون إلى أربع رياح الأرض بحثا عن الحياة. وحين أنظر في عيون العاجزين عن السفر وأرى الإنكسار والخيبة والخوف من قادمات الأيام. حينها، صدقا أخجل أن أستمر في الكتابة. حين تنهمر علي ك( صحافي) شكاوى المزارعين ومربي الحيوانات الأليفة. يشرحون فيها الصعوبات التي يواجهونها من غياب الدعم، وغلاء الأعلاف ونقصها، والأسعار الكاوية للأدوية، ما يجعل استمراهم في أعمالهم الشريفة هذه ضرب من المستحيل، ويجعل جهودهم وتعبهم كله يتبخر في الهواء فلا يحصدون إلا الخيبة والخسارات المتتالية. حينها،صدقا ….أخجل مما أكتب. حين يشتكي صاحب السرفيس وصاحب تكسي الإجرة وصاحب السيارة الخاصة ومالك محطة المحروقات والمتجر الصغير والمخبز من الفقر والعجز والضيق وصعوبات الحياة أمام جحيم الأسعار الذي لا يتوقف عن الإزدياد. حين يعترض طريقي في الشارع، يوميا، عشرات المتسولين كبارا وصغارا محرومين من أدنى مقومات الحياة من طعام وشراب ورعاية اجتماعية وصحية. حين أسمع وأتابع وأقرأ عدد الجرائم المرتكبة يوميا، من سرقة وقتل وتنمر وترك مواليد جددا في الطرقات وحاويات القمامة وعلى أبواب المساجد. وحين أرى في ذات الوقت قصورا ومزارع وناطحات سحابا، هنا وهناك بصورة استفزازية رغم كل ما يعانيه السواد الأعظم من الناس، وكأننا في ذروة الأمان والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. حينها، صدقا ….أخجل من الكتابة. ولولا أننا محكومون بالأمل، وأن ما يجري اليوم لن يكون نهاية التاريخ، كما قال ذات يوم كاتبنا الألمعي سعدالله ونوس …لولا ذلك لقلت : سلاما أيها الكراس …سلاما أيها القلم.

(سيرياهوم نيوز٢٦-٣-٢٠٢٢)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أُهلِكْنا في العَذابِ مَرّتَينْ..!!

    أحمد يوسف داود   أًخيراً بِتُّ أَعتقٍدُ أَنّهُ صارَ علَينا أَنْ نَتنَبّهَ إلى أَعمارِنا المَهدورَةْ، وأًنْ نَدفِنَها بِلا أَدعِيَةٍ وَلا أَذانٍ ولا صَلَواتْ!. ...